شجرة الليل كخ كخ كخ ننظر إلى الصورة. رجل وامرأة عاريان بين فخذيهما عرشي تفاح. هذا جدنا آدم. سي جدي لالة وجدتي يخبئان بين فخذيهما شجرتين. وفي الليل تزهر الأغصان فيقع منها التفاح. يكبر أبي وأمي. يلتقيان في جنة الليل. يتقاطفان. أولد أنا الفاكهة. هكذا شجرة الحياة. كخ كخ كخ ننظر إلينا. الصورة أيضا تنظر إلينا كخ كخ كخ ، وصديقي وأنا نحك فراشات على شَتْلَتَي تفاحينا. كخ كخ كخ قطف النجوم فول وحمص وحلوى وبراد ينقط عسلا. وكانت الدنيا زوينة بزاف. نظر أبي إلى السماء: الكَمْرَة كَطَّلْ على وليدي « سمعون» يا لالة نجمة. ضحكت أمي. طفقت بكلتي يدي أمسك نجوما تتقافز في حضن «زلافتي» السحرية. يلحسان سماء يدي. النجوم والفنيد والزرقة والحمرة تتلألأ على محييهما. ويضحكان ويضحكان .. كرنفال صور تتهادى في ذاكرتي. أبي وأمي قريبين بعيدين، وسارد باسم يغمس يده في طفولتي ويرصع ذاكرة قُصَيْصَته. نوم قصصي أخيرا نامت مروة. سحبت يدي، وأطفأت شمعة حكايتي الأخيرة. تدنو. تلامسني. حك ظهري واحك يا بابا. يغمغم طفل بداخلي : حك واحك يابَّا. تتلألأ، في ظلام الغرفة، أطياف جدي وجدتي وأبي. يشعلون فوانيس الحكي، فيخرج الغول وهاينة و حديدان والثعلب والقنفذ . يضفرون لنا شواطئ حلمية . نجري، نتسابق، نتراش ماء الحكي ، ثم نغطس في بحيرة النوم. فاكهة الذاكرة يفتح ساردي متحف ذاكرتي. يشعل قنديلا ويخترق دهاليز متشعبة. يصل إلى حومتنا فينفخ على الغبار الذي يغطيها. يخرج من منزلهم. يدق باب دارنا. أعرض عليه دروس البارحة وأذوقه من خبزي. نذهب إلى المدرسة. وفي طريق العودة نحصِّلُ أطفالا وبناتا ونهرب. نجري في الدريبة. نرمي حجرا في الظلام، نجلس خلف الجامع نتبادل حكايات صغيرة. يفتح لي ساردي صندوق ذاكرته. أشعل.. أخترق .. أمسح الغبار عن طفلين جالسين خلف الجامع. أجلس قربي وقربه. نقشر فاكهة يومنا، ونضحك كثيرا. نضع الصندوق في المتحف ونغلق علينا. روافد القصة في الألبوم، مدرسة محمد الخامس بحي الأقواس. قسم التحضيري 1970. في ذاكرة التخييل، حصة الرسم. في الطفل، يقطف معلمي أحمد المومني من أصابعه السحرية شقائق نعمان ويغرسها في رحم اللوحة. يأتي الحقل إلى بيتي. ترتعش السنابل والورود والنحل في جسدي، فيسقط مني كاتب قصة قصيرة جدا. أدنو ويدنو، و في، أنا القصة، يذوب الألبوم والذاكرة والطفل والكاتب في نهر الحروف. دمار شامل ذبحوهم في صبرا وشاتيلا فأصابتنا يقظة جماعية. تظاهرنا في شارع الرباط. حكوميون، حزبيون، معارضون، مثقفون وأنتم وأنا. رددنا غضبنا، قرأنا أشعار محمود درويش وأصدرنا بيانات. رفعنا أكف الضراعة. بكينا حتى تعبنا. وغلبنا النوم فرأينا لحظتها عجبا. أشلاء ودماء فوق رؤوسنا ترسم شارة النصر، ثم تبصق ع ل ي ن ا . . . حُمَّى الذاكرة 1992. دخل المعيد قاعة درسي. علّق ورقة استدعاء على السبورة، فضج تلاميذي. أخذتها باحترام وموضوعية. لبست نسختي الاحتياطية، و قصدت مكتب المدير. قتلني الانتظار فدسست عيني اليمنى في فتحة الباب. رأيتني ضئيلا ومديري بلباس كومسير. كمشني. أسمعني دروسي. نهضة معاقة. عقليات متحجرة. رشوة. تزوير. أخرج أصبعه من جمجمتي، ثم ركلني. تلصصت بالعين اليسرى. رأيت تلاميذي ينتظرونني. حبوت حتى مكتبي، استعدت نسختي الأصلية وواصلت درسي. في تمام العاشرة والربع صباحا من 1 أكتوبر 1985. كنت أتوسد الراديو. انسل المذيع، ورفع عقيرته: 16طائرة ردارت عربية عمياء حمام الشط الحبيب بورقيبة لا ري سبيكس شرطي رصاصة واحدة قصفة زيتون وكر حمام لاجئ محمود درويش صبرا وشاتيلا جامعة منظمة تحرير. قطعت أطرافي وعرضتها للغارات الشاتية على غرفتي. لَفْراجة اشتقت إلي. أشعلت شاشة ذاكرتي، و جلست أتفرج. طفل يجري صوب الرجل الذي صاره. رجل يجري صوب الطفل الذي كانه. يتعانقان. تتشكل أنا.. تجلس جنبي. تشعل شاشة ذاكرتها . طفل يجري .. رجل يجري. يتعانقان .. تتمدد أنا بجانبنا. تشعل .. أنا وأنا وأنا تتوعني فقاعات القصيصات. عسل انسحب النهار وطمرتني فلول الليل في غرفة دواخلي. يدخل أبي. نتسابق. نأكل من يديه. نقفز على ظهره. نضحك و نتزاحم. يدفعني السارد، أدفعه، نضع الرأس على الرأس ونتكور في حضن قصص دافئة في صدر أبي.