إن اعتماد الدستور الجديد وإجراء انتخابات تشريعية نزيهة وتشكيل حكومة من النتائج التي أفرزتها صناديق الاقتراع، وتقديم البرنامج الحكومي ومصادقة البرلمان عليه، كلها محطات مهمة في درب بناء المجتمع الديمقراطي ، إلا أن هذه المحطات لن تكون ذات مصداقية وفعالية، إلا إذا تم الاحتكام إلى روح الدستور، والشروع في التفعيل السليم والتنزيل الصحيح لمقتضياته، ذلك أن الإسراع بتنزيل مضامين الدستور يمثل أحد الرهانات الأساس لمواصلة مسلسل الإصلاح والتغيير، والعمل على تلبية انتظارات المواطنين المتعطشين الى العيش الكريم والعدالة والانصاف ، وتحقيق التنمية الاقتصادية والاجتماعية.. والواقع أن التنزيل السليم لمقتضيات الدستور تتوزع على مختلف الأبواب والنصوص وتهم مختلف المجالات المؤسساتية والتنظيمية. وتبعا للأحكام المهمة التي جاء بها الدستور الجديد والتي تتعلق بإحداث هيئات ومؤسسات دستورية جديدة، وإدخال تغييرات على مؤسسات دستورية أخرى كانت موجودة، فإن الحاجة ملحة إلى الانكباب على معالجةهذه الجوانب في إطار التوجهات الهادفة الى ترسيخ دعائم المجتمع الديمقراطي وتقوية دور وصلاحيات المؤسسات الدستورية وتحصين الحريات والحقوق. وتهم عمليةالتنزيل السليم لمضامين الدستور مختلف المؤسسات والهيئات المنصوص عليها دستوريا، والجانب المتعلق بالقوانين التنظيمية ومسطرة التعيينات بالوظائف الحديثة السامية، ومسطرة المصادقة على مشاريع القوانين والمراسيم، والجوانب المتعلقة بالحريات والحقوق الأساسية وغيرها. وتنويرا للرأي العام تبادر العلم الى تناول مختلف المحاور المذكورة بالدراسة والتلحيل، وتبدأ بالحديث عن المؤسسات والهيئات المنصوص عليها في الدستور سواء المحدثة أو تلك التي كانت قائمة وأدخلت تغييرات في إطارها القانوني وتعززت صلاحياتها وتنظيمها. وتتوزع هذه المؤسسات على القضايا اللغوية والثقافية والأمنية والقضائية والاقتصادية والاجتماعية والبيئة بالإضافة الى هيئات حماية حقوق الإنسان والنهوض بها. وفي مقدمة هذه المؤسسات هناك: المجلس الوطني للغات والثقافة المغربية، وهو مجلس أحدثه الدستور الجديد، ويحدد قانون تنظيمي صلاحياته وتركيبته وكيفيات سيره. المجلس العلمي الأعلى، وهو مجلس كان قائما وارتقى إلى مؤسسة دستورية في الدستور الجديد، وتحدد اختصاصاته وتأليفه وكيفيات سيره بظهير. المجلس الأعلى للأمن، وهو مجلس أحدثه الدستور الجديد، ويحدد نظام داخلي للمجلس قواعد تنظيمه وتسييره. المجلس الأعلى للسلطة القضائية، ويحل محل المجلس الأعلى للقضاء، ويحدد قانون تنظيمي انتخابه وتنظيمه وسيره، والمعايير المتعلقة بتدبير الوضعية المهنية للقضاة ومسطرة التأديب. المحكمة الدستورية، وتحل محل المجلس الدستوري، ويحدد قانون تنظيمي قواعد تنظيم المحكمة الدستورية وسيرها والإجراءات المتبعة أمامها ووضعية أعضائها. المجلس الاقتصادي والاجتماعي والبيئي، ويحل محل المجلس الاقتصادي والاجتماعي، ويحدد قانون تنظيمي تأليفه وتنظيمه وصلاحياته وكيفيات تسييره. وقد تم التنصيص أيضا في الباب الثاني عشر من الدستور المتعلق بالحكامة الجيدة على عدد من المؤسسات والهيئات، وهي كما يلي: ٭ هيئات حماية حقوق الإنسان والنهوض بها: - المجلس الوطني لحقوق الإنسان، الذي سبق أن حل محل المجلس الاستشاري لحقوق الإنسان، بموجب ظهير. مؤسسة الوسيط، التي سبق أن حلت محل ولاية المظالم بموجب ظهير. مجلس الجالية المغربية بالخارج، الذي سبق أن أحدث بموجب ظهير. الهيئة المكلفة بالمناصفة ومحاربة جميع أشكال التمييز، وهي هيئة جديدة أحدثت بموجب الفصل 19 من الدستور. ثم هيئات الحكامة الجيدة والتقنين وتهم: الهيئة العليا للاتصال السمعي البصري، التي سبق إحداثها بظهير. مجلس المنافسة، الذي سبق إحداثه بمرسوم. الهيئة الوطنية للنزاهة والوقاية من الرشوة، وهي هيئة محدثة بموجب الفصل 36 من الدستور، وتحل محل الهيئة المركزية للوقاية من الرشوة التي سبق إحداثها بمرسوم. ثم هيئات النهوض بالتنمية البشرية والمستدامة والديمقراطية التشاركية وتهم بالأساس: المجلس الأعلى للتربية والتكوين والبحث العلمي، ويحل محل المجلس الأعلى للتعليم الذي سبق إحداثه بظهير. المجلس الاستشاري للأسرة والطفولة، وهو مجلس جديد أحدث بموجب الفصل 32 من الدستور. - المجلس الإستشاري للشباب والعمل الجمعوي وهو مجلس جديد أحدث بموجب الفصل 33 من الدستور. وينص الفصل 171 من الدستور على أن تأليف وصلاحيات وتنظيم وقواعد سير المؤسسات والهيئات السالفة الذكر تحدد بقوانين.