غادرنا يوم 21 أكتوبر الأديب المصري والكاتب الصحفي الكبير الأستاذ أنيس منصور عن سن 87 سنة، في زحمة الأحداث اليومية لم ننتبه لهذا الغياب لكاتب من معدن مختلف..أنيس منصور عرفه المغاربة من خلال عموده اليومي في الصفحة الأخيرة من جريدة «الشرق الأوسط « حيث جاور في نفس الصفحة ولسنوات عديدة الكاتب اللبناني الكبير سمير عطا الله و أعتقد أن الأستاذ عطا الله هو من أكثر الناس تأثرا بفقدان جار عزيز كالأستاذ أنيس منصور، عرف أنيس بكتابة عموده بالأسلوب السهل الممتنع، حيث الكلمة المسؤولة والقضايا الجادة والأسلوب المرن، فكانت قراءة عموده اليومي أشبه بطقس لا تكتمل غواية القراءة والكتابة دون الوفاء به. ولد أنيس منصور في 24 غشت 1924 بمدينة المنصورية بمحافظة الدقهلية، كان الأول على كل تلاميذ مصر بمناسبة الحصول على شهادة الباكالوريا، ورغم أن مجموعها وفق النظام التعليمي المصري كان يخول له دخول مدارس الهندسة وكليات الطب، فإنه بحسه الأدبي والفلسفي إختار كلية الآداب والدراسات الأدبية والفلسفية بجامعة القاهرة، حيث تخرج من شعبة الفلسفة ودرس فيها لسنوات قبل أن ينتقل إلى جامعة عين شمس لبضع سنوات، حيث تفرغ بصفة كلية لعشقه الأول وهو الكتابة بجريدة أخبار اليوم حيث كانت البداية مع مشوار طويل، عاصر فيه كبار الكتاب المصريين مثل طه خسين عباس محمود العقاد وسلامة موسى، فكان أنيس من جيل الكتاب الشباب الدحين يبحثون لأنفسهم عن موقع ضمن الكبار، استمر في أخبار اليوم إلى العام 1976 حيث انتقل للإشراف على إدارة دار المعارف ثم فيما بعد أصدر مجلته الأولى «الكواكب». كانت لأنيس منصور عاحات في الكتابة شأنه شأن الكتاب الكبار، حيث عرف عن أنيس أنه لا يكتب في النهار بل يكتب في تمام الساعة الرابعة صباحا، وكان لا يكتب إلا وهو حافي القدمين و لابسا قميص النوم، وعرف بقلة خلوده للنوم وهذا لم يمنعه من العيش طيلة 87 سنة، عاصر فيها جمال عبد الناصر ومحمد أنور السادات الذي كانت تجمعه به علاقة صداقة خاصة. كان أنيس أيضا شديد العلاقة بزوجته رجاء حيث تأثر كثيرا لمرضها قبل سنوات، وهنا يقول صديقه الكاتب والصحفي عماد الدين أديب الذي خلفه في الصفحة الأخيرة من «الشرق الأوسط»: «وإذا كان البعض يؤمن بأن وفاة الأستاذ أنيس الجسدية قد أعلنت منذ أيام، فإن الذين يعرفون الرجل جيدا يعرفون أنه مات معنويا ونفسيا منذ أن ألم المرض الشديد بشريكة عمره السيدة رجاء...توقفت حياة كاتبنا الكبير منذ ذلك التاريخ. فكان يأكل ويشرب ويكتب وينام ويتحدث من قبيل تمضية الوقت، وأذكر أنه قال لي في باريس متأثرا بما ألم بالسيدة رجاء «هي كل حاجة في حياتي، أنا موش عارف، أنا عايش ليه». رحم الله الأستاذ أنيس منصور الذي هو تماما ما كتبه في حقه عماد الدين أديب عندما عرفه بأنه رجل له عقل فيلسوف، وقلب طفل، ومعدة عصفور، وجسد شيخ، وأحلام مراهق، وزهد الصالحين؟!