بهذه الصرخة المعبرة، تساءل الزعيم عبد الخالق الطريس النائب البرلماني عن دائرة تطوان أمام النواب الحاضرين خلال الجلسة العمومية التي عقدها مجلس النواب لمناقشة الميزانية الفرعية لوزارة الأنباء برسم مشروع القانون المالي لسنة 1964 . لقد اغتنم الأستاذ الطريس رئيس الفريق الاستقلالي للوحدة و المشروعية مناسبة مناقشة الميزانية الفرعية للقطاع الحكومي المسؤول والوصي على الإذاعة والتلفزة ليطرح سؤالا له دلالته السياسية العميقة ليعبر من خلاله عن التعامل السلبي للإعلام الرسمي مع قضايا وانشغالات و اهتمامات المواطنين و الكيفية التي يشتغل بها و فق التوجهات والتوجيهات و الطريقة التي يتحرك بها حسب التعليمات دون حسيب ولا رقيب ليصل الإعلام المغربي إلى مرحلة الإعلام المخدوم بكل المعايير و المقاييس ليفقد بذلك مصداقيته و دوره الحقيقي و ثقة المواطنين ويصبح أداة طيعة في يد أصحاب التعليمات الوازنة دون احترام لأدنى متطلبات أخلاقيات المهنة كما هو متعارف عليها دوليا . بعد مرور أكثر من 40 سنة على طرح هذا التساؤل العريض و العميق الذي يؤرخ لمرحلة سوداء في الحياة السياسية المغربية، من حقنا جميعا أن نعيد طرح نفس السؤال بصيغة أخرى تنسجم مع مرحلة الانتقال الديمقراطي: إلى أي مدى أصبح الإعلام الرسمي أداة في خدمة الشعب؟ و إلى أي حد تمكن الإعلام الرسمي من الاستجابة لطموحات و تطلعات المواطنين و مسايرة قضاياهم و انشغالاتهم واهتماماتهم و مواكبة سياسة الانفتاح التي نهجتها البلاد بأبعادها السياسية والاقتصادية و الاجتماعية بروح وطنية صادقة ؟. علينا أن نعترف بأن القطاع السمعي البصري المغربي قد عرف تطورا ملحوظا على مختلف المستويات بفضل سياسة الانفتاح و التحرير و ما ترتب عن ذلك من تنافس في تحسين الخدمات . و لكن علينا بالمقابل أن نعترف بأننا لازلنا نشم رائحة سياسة الإعلام المخدوم كما يتبين ذلك بوضوح من خلال النقل التلفزي لبعض التظاهرات أو اللقاءات أو الندوات التي تهم قضايا تشغل بال المواطنين و تستأثر باهتمام الرأي العام الذي من حقه تتبع مثل هذه الأمور و الإطلاع على مضامينها، في هذا السياق، يمكن القول أن مشروع القانون المتعلق باللوائح الانتخابية العامة و عمليات الاستفتاء و استعمال وسائل الاتصال السمعي-البصري العمومية بمناسبة الحملات الانتخابية والاستفتائية كما صادق عليه البرلمان مؤخرا يحدد القانون القواعد التي تضمن الاستفادة على نحو منصف من وسائل الإعلام العمومية و الممارسة الكاملة للحريات و الحقوق الأساسية المرتبطة بالحملات الانتخابية و بعمليات التصويت و تسهر السلطات المختصة بتنظيم الانتخابات على تطبيقها، يشكل خطوة مهمة نحو انفتاح وسائل الاتصال السمعي البصري العمومية على مختلف الأحزاب السياسية المشاركة في الانتخابات كيفما كانت توجهاتها و مهما كان حجمها، لتمكينها من الاستفادة من وسائل الإعلام السمعي-البصري العمومية في حملاتها الانتخابية بشكل منصف و منظم على قدم المساواة على أساس تمثيلية الأحزاب في مجلسي البرلمان انطلاقا من معايير سيحددها مرسوم يتخذ باقتراح من السلطات الحكومية المكلفة بالداخلية و العدل و الاتصال فيما يخص مدد الحصص الزمنية و شروط و كيفيات ومسطرة ترتيب هذه الحصص بمناسبة الانتخابات المعنية . إن هذه الخطوة التي تجسد إرادة الحكومة القوية في تحقيق نزاهة الانتخابات وتخليق الحياة السياسية تؤشر على القطيعة مع الممارسات السابقة عندما كانت وسائل الإعلام العمومية في خدمة حزب أو أحزاب معنية، عندما كانت الإذاعة والتلفزيون في خدمة توجه بذاته و رأي بعينه، عندما كانت الإذاعة والتلفزة تسخر لصنع خرائط سياسية تنبثق عنها مؤسسات منتخبة هشة و مغشوشة لا تتمتع بأي مصداقية و لا تحظى بثقة المواطنين تنبثق عنها حكومات ضعيفة تفتقد إلى التمثيلية الديمقراطية الحقيقية، عندما كانت الإذاعة و التلفزة تساهم في تزوير الانتخابات و إفساد الحياة السياسية بإقصاء الأحزاب الوطنية الديمقراطية من ممارسة حقها في الاستفادة من وسائل الاتصال السمعي البصري العمومية للقيام بحملاتها الانتخابية و التعبير عن رأيها و تقديم برامجها بما يضمن تكافؤ الفرص بين الأحزاب السياسية في هذا المجال الذي لا تخفى أهميته من حيث التأثير على إرادة الناخبين . فهل ستشكل هذه الخطوة نموذجا تنفتح من خلاله وسائل الاتصال السمعي البصري العمومية على مختلف المواطنين فرادى و جماعات، أحزابا سياسية، هيئات نقابية ومنظمات المجتمع المدني أم أن الأمر يقتضي إخراج إطار قانوني يصبح معه الإعلام العمومي ملزما بالانفتاح على المواطنين ليس فقط أثناء الحملات الانتخابية و لكن أيضا و بالأساس في كل الأوقات يصبح معه في خدمة المجتمع أولا و أخيرا .