جاء الدستور المراجع بنظرة جديدةإزاء الأحزاب السياسية من حيث تقوية دورها في تأهيل المشهد السياسي وتخليق الحياة السياسية بمعناها النبيل من خلال تحميلها مسؤولية تأطير المواطنين وتكوينهم السياسي وتعزيز انخراطهم في الحياة الوطنية وفي تدبير الشأن العام، والمساهمة في التعبير عن إرادة الناخبين والمشاركة في ممارسة السلطة كما ينص على ذلك الفصل 7 من الدستور، بعد ما كان دور الهيئات السياسية يقتصر على تنظيم المواطنين وتمثيلهم شأنها في ذلك شأن المنظمات النقابية والغرف المهنية والجماعات المحلية كما كان ينص على ذلك الفصل 3 من الدستور المعدل سنة 1996 . إن هذا التوجه الجديد لدور الأحزاب السياسية له دلالات عميقة في إحداث قطيعة مع ممارسات الماضي المشينة التي تعاملت مع الأحزاب الوطنية الديمقراطية كخصم سياسي يقتضي الحيطة والحذر، حيث كانت أجهزة خاصة مكلفة بمراقبة مقراتها ومتابعة أنشطتها وتتبع تحركات قادتها وأطرها ومناضليها لمختلف أقاليم المملكة، مما يجعلهم معرضين لشتى أنواع التعسف والمضايقات والتهديدات والاعتقالات، بل إن المناضل الحزبي كان يعيش في وضعية »المتهم« لايستطيع المواطن العادي الاقتراب منه خوفا من الشبهات، خاصة في البادية، حيث يتحكم أعوان السلطات في رقاب الناس . إن هذا المنظور الجديد لمكانة الأحزاب السياسية ذو رمزية قوية من حيث إعادة الاعتبار للمنظمات الحزبية والانتقال من دورها كواجهة للمشهد السياسي والصرح الديمقراطي الى مؤسسات فاعلة في الحقل السياسي ومدارس للوطنية والمواطنة الحقة لتربية المغاربة على ممارسة العمل السياسي بمعناه النبيل وترسيخ ثقة المواطن وتحفيزه على حسن المشاركة في مؤسساته الدستورية وتدبير الشأن العام حتى يعي بأن مصيره يتوقف على مساهمته الفعالة والفعلية في بناء الصرح الديمقراطي الذي لايمكن أن يتحقق إلا بوجود أحزاب قوية ومسؤولة . كما أن هذه النظرة الجددة للأحزاب السياسية تستجيب لمتطلبات المرحلة السياسية الراهنة التي أبانت خلالها المنظمات الحزبية عن نضج كبير ومسؤولية عالية وروح وطنية صادقة في التعامل مع تداعيات المرحلة بأبعادها السياسية والاقليمية والدولية بعيدا عن أي انتهازية سياسية عندما حرصت على تحمل كامل مسؤوليتها في مواجهة التحديات المطروحة لربح رهان تعزيز الاستثناء المغربي في الساحة العربية وتعبئة جميع إمكاناتها وطاقاتها لربح رهان الاصلاح الدستوري واستعدادها الدائم لمواصلة عملها لربح رهان الاصلاحات السياسية والاستحقاقات الانتخابية لضمان نجاحها بنزاهة الانتخابات تنبثق عنها مؤسسات قوية ذات مصداقية وتحظى بثقة المواطنين . ولكن هذا التوجه الجديد الرامي إلى تعزيز الدور المركزي للأحزاب السياسية على مختلف الواجهات، لن يعطي ثماره كاملة ويحقق الأهداف المتوخاة منه، مالم يقترن بإجراءات مصاحبة ملموسة من قبيل اعتبار المنظمات الحزبية قوة اقتراحية في كل ما يتعلق بانشغالات الرأي العام الوطني، المساهمة في اتخاذ القرارات المرتبطة بالقضايا الوطنية الكبرى، التعامل معها كمؤسسات دستورية للحوار والتشاور في جميع القضايا الأساس، إشراكها في الدبلوماسية المغربية لاستثمار الاشعاع الديمقراطي للمغرب لصالح قضية الوحدة الترابية وتعزيز الحضور المغربي في مختلف المحافل الدولية والاقليمية والجهوية للمساهمة في الدفاع عن القضايا الوطنية الكبرى للأمة، وفي مقدمتها القضية الوطنية الأولى . وتبقى مساهمة الأحزاب السياسية في تدبير الشأن العام أساسية من أجل تحقيق مصالحة المغاربة مع العمل السياسي النبيل وإجراء قطيعة مع بعض المظاهر والسلوكات البئيسة التي تسيء إلى صورة العمل الحزبي وتمس بمصداقيته، وذلك من خلال تمكين الاطر الحزبية من تحمل المسؤولية في تدبير الشأن العام ليس فقط على مستوى الجماعات المحلية والغرف المهنية والبرلمان، ولكن أيضا على مستوى المؤسسات العمومية وشبه العمومية و شركات الدولة والدبلوماسية الرسمية من سفراء وقناصل، المسؤوليات الخاصة بالإدارة الترابية من عمال وولاة وغيرها من الوظائف السامية في الإدارات العمومية من كتاب عامين ومديري الادارات المركزية والجهوية والاقليمية على أساس الاستحقاق والكفاءة وغيرها من المسؤوليات التي تعيد للأطر الحزبية اعتبارهم وتحفيز الشباب على الانخراط الجماعي في البناء الديمقراطي التنموي وتعزيز مصالحته مع العمل الحزبي الملتزم والهادف بما يضمن تحصين تدبير الشأن العام من كل الاختلالات والشوائب والتلاعبات كما أبانت عن ذلك الممارسة في العديد من المؤسسات والمقاولات العمومية وشبه العمومية مادام هؤلاء المحظوظون بدون »عنوان« فهل ستكرس ممارسة تفعيل وتنزيل توجهات ومضامين الدستور الجديد المكانة المركزية للأحزاب السياسية كقوة فاعلة وصانعة للعبة الديمقراطية في ظل التحول الديمقراطي الذي صوت من أجله المغاربة في الاستفتاء الدستوري يوم فاتح يوليوز 2001 لتقوم الأحزاب السياسية بتجسيد هذا التوجه الجديد في مختلف الوظائف المنوطة بها، خاصة على مستوى التمثيل في المؤسسات المنتخبة وتدبير الشأن العام وممارسة السلطة؟