مما يروى عن الشعب الدانمركي قبل عشرات السنين، أنه كان غالبا ما يلقي بما استغنى عنه من لوازم حياته، من أثاث وملابس وأجهزة، أصبحت في نظره غير ذات قيمة وعوضت بما هو أفضل، إما خارج المنازل أو في أماكن رمي الأزبال. وقيل أيضا إنه قد يفعل ذلك تحت ظرف طارئ، كمغادرة البلد لآخر على وجه الاستعجال، أو رغبة في التخلص من آثار عشرة لم تدم، لسبب من الأسباب. إلا أن هذه الظاهرة تقلصت مع تعاقب السنين إلى أن أصبحت شبه منعدمة في هذا الوقت، خاصة مع تبرع عدد من المسنين للدولة بما تحتويه مساكنهم بغثها وسمينها بعد مماتهم، لتفعل به ما تشاء. في المقابل انتشرت ظاهرة أخرى تتمثل في تخصص فئات من الناس في إقامة المزادات بالنسبة لكل ذي قيمة فنية أو تاريخية، ولذلك انتشرت دكاكين الأثريات في كل مكان وقد كتب عليها بالخط العريض أنتيك وقلما تخلو منها منطقة قريبة أو نائية بالمدن أو الضواحي. كما انتشرت ظاهرة ثانية تتمثل في اهتمام آخرين ببيع الخردة بالنسبة للأشياء العادية جدا. ولهذا الغرض تخصص نهاية الأسبوع خلال فصل الصيف لعرض الخردة في أماكن عمومية بذاتها في مناطق متفرقة من المدينة أو على مشارفها، حيث تتجمع عربات وسيارات ومقطورات من كل حجم ونوع، محملة بكل أنواع المعروضات. وهكذا يهرع الناس منذ الصباح الباكر، للطواف عليها علهم يتصيدون ما قد يكون ذا فائدة للبيت، أو قيمة أثرية بالنسبة للهواة ومن تستهويهم ممارسة هذه التجارة. في الحقيقة لا تملك سوى الدهشة مما يقع تحت العين كلما ساقتك قدماك لارتياد هذه الأماكن. خليط من كل ما يخطر على البال أو قد لا يخطر بالمرة؛ قطع أثاث متنوعة الأشكال والأحجام، بضاعات بعدد الجهات، ومختلف المستويات والسنوات، بل إن بعض أصحاب الخردة يبيع أثاث آبائه وأجداده، وحتى صور العائلة، في ألبوماتها أو إطاراتها المزركشة، من لحظات الميلاد مرورا بلقطات النجاح في المدارس والمعاهد فالزواج وهلم جرا ... شيء مؤلم حقا أن يصل الإنسان إلى بيع ذكرياته. أما الأثمنة، فقطع ترتفع قيمتها ارتفاعا خياليا وأخرى تتدنى لتصبح رمزا وكفى، وجموع غفيرة من كل الأعمار تبحلق هنا وهناك عساها تحصل على مبتغاها. لكن وسط كل هذا ينبري السؤال : من أين جيء بهذه القطعة أو تلك؟ وماذا حصل لصاحبها؟ هل استغنى عنها بمحض إرادته؟ أم أنه اضطر لذلك؟ أو أنه تركها للورثة؟ وها هو شخص آخر في هذه اللحظة تستهويه القطعة نفسها التي استهوت غيره سابقا، بل ويتمسك بها وكأن لها سحرا خاصا فتألقت من جديد، وربما يتكرر نفس الظرف مع القطعة بعد حين وقد تمر بنفس الموقف، من يدري؟ والحق يقال أن الزائر يصعب عليه أن يتحكم في مشاعره وجيبه أمام الإغراءات المتنوعة، فيقبل على الشراء رغم أنفه. لكن يبقى عليك أن تكون في الوقت المناسب والمكان الأهم لاصطياد ما قل ثمنه وغلت قيمته، وحتى تصل إلى هذه المرحلة عليك أن تقوم بسلسلة من الاستطلاعات والتنقلات، وتحشر أنفك وسط هواة التحف عفوا البالي وإذا ما جربت فقد تحلو لك اللعبة ومن ثم تصبح مدمنا ... ! وقد تصير خبيرا تطلب الاستشارة والنصيحة !! من يدري ؟؟