فى يوم البراءة التاريخي لرجال نظام مبارك المتهمين في قضايا فساد، ووسط جدل وردود فعل مختلفة، قضت محكمة جنايات القاهرة الثلاثاء، برئاسة المستشار محمد فتحي صادق ببراءة رجل الأعمال ياسين منصور، رئيس مجلس إدارة شركة بالم هيلز، والمهندس أحمد المغربي وزير الإسكان السابق، والمهندس محمد عهدي فضلي، رئيس مجلس إدارة أخبار اليوم السابق ورجل الأعمال الإماراتي وحيد متولي، من تهمة الإستيلاء وتسهيل الإستيلاء على المال العام في قضية "أرض أخبار اليوم". وأصدرت المحكمة أيضاً حكما ببراءة كل من وزير الإعلام السابق أنس الفقي ويوسف بطرس غالي وزير المالية السابق وهو هارب، لاتهامهما بالإضرار العمدي بالمال العام، وذلك في الدعاية الإنتخابية للحزب الوطني. كما قضت المحكمة بعدم قبول الدعوى المدنية، حيث تضمنت التحقيقات قيام وزير الإعلام السابق بطلب 36 مليون جنيه من وزارة المالية، للإنفاق على التغطية الإعلامية لانتخابات مجلسي الشعب والشورى، وتمويل الحملة الإعلامية الخاصة بتغطية الأحداث السياسية المهمة والإنجازات التي تحققت خلال الفترة من عام 1981 وحتى العام الماضي 2010، التي تولى فيها نظام الرئيس السابق حسني مبارك إدارة البلاد، فوافق وزير المالية السابق على صرف هذا المبلغ من الأموال المخصصة لاحتياطات السلع والخدمات الإستراتيجي. وأشارت التحقيقات إلى أن وزير الإعلام السابق أنس الفقي، أنفق جانبا من تلك المبالغ بالمخالفة للمعايير المعتمدة من مجلس الوزراء، كما خالف هذا الإنفاق أحكام قانوني انتخابات مجلس الشعب والإنتخابات الرئاسية، التي تحظر استخدام المال العام في الإنفاق على أغراض الدعاية الإنتخابية. وقضت المحكمة غيابياً بمعاقبة رشيد محمد رشيد بالسجن المشدد 5 سنوات، وإلزامه برد مليونين و 504 آلاف جنيه وغرامة. كما عاقبت المحكمة غيابيا كلا من أدهم النديم المدير التنفيذي لمركز تحديث الصناعة بالسجن 5 سنوات، وإلزامه برد مليونين و 206 آلاف جنيه، وغرامة مساوية لهذا المبلغ، وحلمي أبو العيش بالحبس مع الشغل لمدة سنة، وإلزامه برد 12 مليوناً و 730 ألفا وغرامة مساوية لهذا المبلغ، وعزله من وظيفته، وأمرت بوقف تنفيذ الحكم لمدة 3 سنوات، وذلك بعد اتهامهما بالإضرار العمدي بأموال ومصالح مركز تحديث الصناعة التابع لوزارة التجارة والصناعة، والتربح والحصول على منفعة من أعمال وظيفته. وكشفت تحقيقات النيابة العامة في البلاغ الذي تلقته بتاريخ 27 فبراير الماضي، عن أن المتهمين حققوا لأنفسهم وغيرهم منافع مالية بدون وجه حق، وبالمخالفة للقواعد القانونية المقررة إذ جمعوا ما بين عملهم الوظيفي في رئاسة وإدارة مركز تحديث الصناعة وبين صفاتهم كأصحاب شركات خاصة، ومساهمين فيها، تتعامل مع هذا المركز، وتتلقى دعماً مالياً منه، وأن المتهم حلمي إبراهيم أبو العيش بصفته رئيس لجنة الإدارة بمركز تحديث الصناعة حصل بدون وجه حق على دعم بمبالغ مالية من أموال المركز لشركات يساهم فيها مقدارها 12.730000 جنيه. كما أن المتهم أدهم أسعد نديم بصفته المدير التنفيذي لمركز تحديث الصناعة سمح بصرف مبلغ 2 مليون و206 آلاف جنيه من أموال المركز لإحدى الجمعيات التي يعمل أميناً للصندوق فيها، كما ثبت أن المتهم رشيد محمد رشيد بصفته وزيراً للتجارة والصناعة ورئيس مجلس إدارة مركز تحديث الصناعة سمح بصرف دعم بمبالغ مالية مقدارها 2 مليون و 514 ألف جنيه من أموال المركز لشركات يساهم فيها. وأمرت المحكمة بإخلاء سبيل أسامة الشيخ رئيس اتحاد الإذاعة والتليفزيون السابق، ووضع إسمه على قوائم الممنوعين من السفر ما لم يكن محبوساً على ذمة قضايا أخرى، لاتهامه بإهدار المال العام في قضية الإشتراك في الأعمال الفنية مع القطاع الخاص. كما قررت المحكمة قبل الفصل في موضوع الدعوى بانتداب لجنة فنية، برئاسة عميد معهد السينما بأكاديمية الفنون، وعضوية 3 أعضاء من هيئة التدريس المختصة بالدراما بفروعها، وعضوية 3 من غرفة صناعة السينما قسم الفيديو، على أن تقوم اللجنة بمشاهدة الأعمال الفنية الواردة بأمر الإحالة، ومراجعة ميزانيتها النقدية لبيان ما إذا كان التعاقد عليها بهذا الفعل يشوبه غلو من عدمه، وبيان العناصر الفنية لهذا الغلو مقارنة بالسعر السائد في السوق، وتقرير اللجنة، ومراجعة شروط التعاقد لبيان ما إذا كانت تتضمن مزايا تعود بالنفع على التلفزيون، ومقدار هذا النفع، مع تكفله بدفع مبلغ 30 ألف جنيه للجنة لوضع تقريرها. وحددت المحكمة جلسة 7 يوليو الجاري للنظر في الدعوى في حالة عدم سداد المبلغ وجلسة 8 سبتمبر للسداد. من جهة أخرى، قال المتحدث الرسمي باسم النيابة العامة إن النائب العام المستشار الدكتور عبد المجيد محمود أصدر تعليماته إلى نيابة الأموال العامة باتخاذ إجراءات الطعن بالنقض في أحكام البراءة التي أصدرتها الثلاثاء، محكمة الجنايات في القضايا التي أتُهم فيها كل من الدكتور يوسف بطرس غالى وزير المالية السابق وأنس الفقي وزير الإعلام السابق في قضية أموال دعاية الحزب الوطني، والمهندس أحمد المغربي وزير الإسكان السابق ومحمد عهدي فضلي رئيس أخبار اليوم الأسبق والمهندس ياسين منصور رئيس مجلس إدارة شركة بالم هيلز ورجل الأعمال الإماراتي وحيد متولي في قضية أرض أخبار اليوم. وسوف تطعن النيابة العامة في هذه الأحكام على أساس عدم اتفاق أسباب البراءة مع أدلة الإتهام التي توافرت نتيجة التحقيقات، وذلك استعمالا لحق النيابة العامة في طلب نقض الأحكام ومحاكمة المتهمين أمام دائرة أخرى. وفي نفس السياق وسط المطالبات بسرعة القصاص للشهداء وإتمام محاكمات رموز الفساد السابق جاء الحكم بالبراءة كمن يسكب الزيت على النار هذا ما قاله محمد الأشقر المنسق العام لحركة كفاية معتبراً أن الثورة المضادة وفلول النظام مازالت تعمل بشكل كبير وتسيطر على كافة مؤسسات الدولة من تنفيذية وتشريعية وللأسف القضائية أيضا والدليل على ذلك كما قال الأشقر هو المستشار عادل عبد السلام جمعة الذي نادينا بأننا لا نقبل أن يحاكم العادلي ولكن لا حياة لمن تنادي. مشيرا إلى أن هذه الأحكام المستفزة للشعب ستعطي فرصة لاستعادة الثورة مرة أخرى، وهو ما أكده باسم كامل أحد القيادات الشابة بالحزب المصري الديمقراطي بقوله: استفزاز الناس بتبرئة هذه العصابة سيساعدنا في الحشد لمليونية 8 يوليو والتي لن تمر مرور الكرام وسيشهد الميدان اعتصام الكثيرين مضيفاً: براءة المغربي وفضلي والفقي وغالي تعني أنهم "بيطلعولنا لسانهم ويقولوا لنا ورونا بقى هتعملوا إيه"! واعتبر خالد السيد عضو المكتب التنفيذي بائتلاف شباب الثورة الحكم استمراراً للمسلسل الذي يقوده المجلس العسكري في الإبتعاد عن المسار الرئيسي للثورة، ويجلس فيه عصام شرف في مقاعد المتفرجين، مضيفاً: سنقف بكل حزم ضد هذه السياسيات التي تعيد مصر إلى ما قبل 25 يناير، وردنا سيكون في ميدان التحرير يوم 8 يوليو والذي سيكون يوم مصيري سينتهي بالإعتصام في ميدان التحرير". في حين رأى طارق الخولي المتحدث باسم شباب 6 ابريل الجبهة الديمقراطية السبب في هذه الأحكام هو تأجيل طلبهم بتطهير القضاء قبل بدأ المحاكمات وأن القضاة أنفسهم يتحدثون عن عدم وجود استقلال قضائي كامل وإن كان لا يمكنه التعليق على حكم قضائي ولكنه رأى أن من حق الناس أن تتشكك وهو ما سينعكس على مشاركتهم في المليونية. وطالب محمد عيد أحد مؤسسي حزب المصريين الأحرار بشفافية ووضوح المحاكمات حتى يعرف الناس تبرئة المتورطين في قضايا الفساد الكبرى تمت على أي أساس؟؟ مشيرا أن الرأي العام لن يقتنع بهذه الأحكام وهو ما سيؤدي لزيادات الإحتقانات والإعتصامات مضيفاً: فمن غير المنطقي أن ينعم رموز الفساد بملايينهم خارج الأسوار بعد أن شاركوا في إفساد وتخريب البلد فمن المفترض أن هناك ثورة جاءت للتغيير والتطهير. ورأى أمين إسكندر وكيل مؤسسي حزب الكرامة أن الأحكام جزء من إنقضاض منظم على الثورة يشرف عليه المجلس العسكري يريد أن يوصل رسالة للمصريين من خلاله بأنهم أخطؤوا بقيامهم بالثورة وأن الذين سرقوهم وقتلوهم شرفاء وعلى الثوار أن يهاجروا من البلد أو يدخلوا السجون، مضيفا: لقد قذفوا كرة لهب في ملعب مليء بالبنزين وأتوقع أن يعود الثوار للميدان الجمعة المقبلة وسنظل به حتى نسترد ثورتنا أو ننهزم ولن نموت إلا واقفين. من جانبه وصف الدكتور أيمن نور زعيم حزب الغد والمرشح المحتمل للرئاسة الأحكام بأنها صدمة كبيرة مشيرا إلى أن رد الفعل الشعبي سيكون في غاية الخطورة. أما سامح عاشور رئيس الحزب الناصري فقال أنه من الصعب التعليق على أحكام القضاء ولكن بالطبع الأحكام ستؤثر سلبا على الشارع المصري وستثير ردود أفعال قد تصل لعودة الإعتصام بميدان التحرير. ورأت صحيفة "واشنطن بوست" الأمريكية أن تبرئة ثلاثة وزراء سابقين في حكومة الرئيس المخلوع حسني مبارك يغذي الغضب العارم المتوهج أصلا في صدور المصريين من شعورهم بأن النظام المصري بعد الثورة لا يفعل ما يكفي لإدانة مسئولي النظام السابق الذين تسببوا في إفقار البلاد ويضعها على حافة الإنهيار. وقالت الصحيفة الثلاثاء أن قرار المحكمة المصرية بتبرئة وزراء في عهد مبارك متهمين بالفساد، بجانب تبرئة المتهمين بقتل الثوار يغذي الغضب من ضعف الدولة المصرية الجديدة في مواجهة فساد هؤلاء الوزراء. وأضافت أن هذه الأحكام تجعل الكثير من المصريين لا يزالون يشعرون بأن المحاكم والنظام لم تفعل ما يكفي في ملاحقة مسؤولي النظام السابق، ويجعل البلاد تذهب إلى المجهول، فيصعب على أي أحد توقع ماذا سيحدث في الأيام القادمة إذا تزايد هذا الغضب.