إسهاما في النقاش العام حول الأمازيغية، ومدى تنوع تراثنا الوطني وموروثنا الثقافي، وتسليطا للضوء على الجانب العلمي والبحث الأكاديمي الذي تعرفه مختلف جوانب الأمازيغية، وخاصة البحوث والعروض المنجزة من طرف خريجي وطلبة مسلك الدراسات الأمازيغية بكلية الآداب والعلوم الإنسانية بجامعة محمد الأول بوجدة، ارتأيت من محاولتي هذه أن أشارك القراء ببعض من هذه المنجزات، وربما مساهمة كذلك في تدوين موروث ظل لقرون عديدة محفوظا في ذاكرة يهدده النسيان والاضمحلال... المعتقدات الشعبية: إن المعتقد الشعبي بصفة عامة، هو إرث تناقلته الأجيال فيما بينها، ورثوه أبا عن جد، ومن خلال الاسم ?المعتقد- الذي يدل على نفسه، أي من فعل اعتقد يعتقد في اللسان العربي، يقابله اتغيراس، اتغير tghias , itghir، بالأمازيغية، طالما شغل بال المعتقدين بها، وطالما شغل بال الدارسين والباحثين المهتمين به، والمهتمين بالشأن الأمازيغي على وجه التحديد، إذ أصبحت هذه المعتقدات في كثير من الأحيان مسلمات يؤمن بها من عاش حادثا يتوافق مع المعتقد الذي يجول في ذهنه، وغالبا ما تستمد هذه المعتقدات من حوادث تصادف شيئا ما، كموت أحد في المنزل الذي تنعب (تصرخ) فيه البومة، والإفراط في تبذير المال لمن جاءته حكة في يده اليسرى، إضافة إلى جوانب أخرى لها من الطقوس ما يربطها بثقافات الشعوب ?خاصة في الريف- فهناك ما يرتبط بالحيوانات وتصرفاتها، وهناك ما يرتبط بالنساء دون غيرهم من الرجال، وعكس ذلك، وما يرتبط بطقوس زيارات الأضرحة (هذه المعتقدات يمكن دراستها، وسلوك ممارسيها بمعزل عن موضوعنا، لما لها من ارتباط وثيق بسلوكات روحية حسب المحيط الذي تمارس فيه)، كما يمكن تصنيف هذه المعتقدات حسب نفسية المتأثرين بها، فمنها ما ينذر بالشؤم والسوء، ومنها ما يبشر بالخير والفرح. المعتقدات الشعبية في الريف: إن الأبحاث والدراسات التي تناولت المعتقدات الشعبية في منطقة الريف ضئيلة جدا وتكاد تكون منعدمة، إلا بعض المداخلات المحتشمة في موائد مستديرة أو مقالات قصيرة في مجلة أو جريدة معينة، وهذا ما جعل الطالبة لبنى بوخو تستأثر بهذا الموضوع، لكونه مجالا خصبا لبذل المزيد من الجهد، من أجل الرقي ببحث إجازتها إلى دراسة أكاديمية تغطي جانبا من موروثنا الوطني، وتضيف الباحثة في مقدمة بحثها بعد أن استشهدت بأمثلة من المعتقدات لدى شعوب العالم: «المعتقد يمكن اعتباره كنوع من الخرافة. في المغرب وخاصة في الريف، المعتقدات لها أهمية كبرى في الحياة اليومية، ومن أجل ذلك اخترت هذا الموضوع من أجل مقاربة بعض المعتقدات المهمة والكثيرة الاستعمال في حياتنا اليومية، وأيضا لتدوين المعتقدات الريفية التي تحاول لعنة النسيان طيها»*. ورغم التطور الحاصل، والتقدم العلمي والتكنولوجي في العالم، وباعتبار الريف منطقة مطلة على الحوض المتوسط وقربها من أوربا، واستفادتها المباشرة من التقدم الحاصل، فإن العديد من الناس لازالوا يعتقدون بمثل هذه الأمور ويسلمون بها، وخاصة المتقدمين في السن، وتعتبر الباحثة أن ذلك نوع من الإديولوجية التي ولدت معهم، ونمت وترعرعت معهم أيضا عبر سنين وسنين جعلتهم ينقلونها إلى أبنائهم وأبناء أبنائهم. كما تشير الباحثة إلى كون المعتقدات تشير بشكل مباشر إلى توقع مستقبلي، فمن خلال ما جمعته من مادة، تبين لها ربط الوقائع الحالية باستشراف للمستقبل إما بالشؤم أو التبشير، وذلك بدون تبرير، فعلى سبيل المثال: ويني إي يات غيمان خ تسونتا إتيجاد غارتيحنجرين من يجلس على الوسادة لا يلد إلا الإناث*، فحينما يقول الناس بمثل هذا المعتقد يجعلون من الفعل أمرا محتوما دون تبرير النتيجة، وإن يكن في بعض الأحيان لهذه المعتقدات تبرير يخدم مصلحة أحد ما أو مجموعة على حساب الآخر، وعلى سبيل الذكر: ويني إتيتين تسا ن أوازيد إتغيما د ماكواد من يأكل كبد الدجاج سيصبح جبانا*، وليس تبرير ذلك هو كون مضمون المعتقد صحيحا، وإنما كون ألذ ما في الدجاج هو كبده، ولصغر حجمه، وعدم التمكن من تقسيمه بين أفراد الأسرة الواحدة، جعله الكبار محرما على الصغار ليظفروا بلذته، وتجدر الإشارة أنه ليس من يقولون به يعون بذكاء من فكر في الأمر، فكما أسلفت القول فأغلبية الناس يؤمنون بذلك ويسلمون بكون كبد الدجاج لا يؤكل إلا من طرف الكبار، كما يعلم ذلك الصبية الشجاعة، فهم يتربون على سلوك ألا يكونوا خائفين. وقد ضمنت الباحثة عملها 148 معتقدا يستعمله سكان الريف، ثم صنفت المعتقدات المدونة، فوزعتها على النحو التالي: ما يتعلق بالطفل، مثلا: ويني إيتيكن فوس خ أوغيزمار إتغيما د أيوجير من يسند ذقنه على يديه، يصبح يتيما،* مارتا تيزراك تاهتاتا تيغماس أداك ويدانت إذا رأت الحرباء أسنانك، سيسقطون،* ومنها ما يتعلق بالمرأة، مثلا: مارا تيني غا واروينتيسا زي كا ن سيجات أد تازيغ المرأة الحامل، إن أكلت من شجرة ما سوف تجف* تيني غا يقيمين ديك يومشان ن تيسريت أد تيميش التي ستجلس في مكان العروسة، سوف تتزوج* ومنها ما يتعلق بالرجل: مارا أرياز يكوا س إيجي ن تسيرت أد أس تيميت تيمغارت إذا انتعل رجل فردة واحدة من حذائه، ستموت زوجته* إضافة إلى تقسيمات أخرى، منها ما يتعلق بالحيوان، وما يتعلق بالفضاء (داخلي-خارجي)، لتنتقل الباحثة بعد ذلك إلى مقارنة ما جمعته من معتقدات، بمشابهاتها في المناطق الأمازيغوفونية، ثم إلى تحليل دلالة المعتقدات والرموز الواردة بها، وهو موضوع مقال آخر قيد الكتابة، وسنوافي به المنابر الإعلامية متى انتهى ذلك. *ما ورد في البحث الأصلي إما باللغتين الفرنسية أو الأمازيغية، أما ما يتضمنه المقال فمحاولة للترجمة إلى العربية من طرف الكاتب.