إننا ونحن في مفترق الطرق بين ما نريده وما يمكن تحقيقه، والحقيقة التي لا يمكن لأي مواطن صادق أن يتغاضى عنها، هذه المطالب التي أصبحت مُلحة وضرورية لما تكتسيه من أهمية بالغة لدى المواطنين بمختلف فئاتهم العمرية، كانوا شبابا أو أطفالا أو كهولا أو شيوخا، وهي: الحق في التمدرس والشغل والسكن والمعاش المحترم، ورغم أن هذه التظاهرات تتزعمها فئات الشباب، إلا أنه وفي جميع ديمقراطيات العالم المتقدم لا يمكن لفئة مجتمعية أن تستثني فئة أخرى. وبالرجوع إلى مطلب الشباب العاطل فهي مطالب ظرفية ومُلحة يمكن حلها بتظافر الجهود لكن هذه المطالب ورغم أهميتها لا يمكن في أي حال من الأحوال أن نراهن عليها لبناء نظام دستوري جديد يتقرر من خلالها مسار أمة بكاملها. أغلبية المتظاهرين يطالبون بحياة مستقرة وكريمة، فلا مجال إذن لركوب البعض على ما يحدث من تطورات للمساس بالمكتسبات واستغلال هذه الظرفية لتحقيق بعض المكاسب السياسية الضيقة. إن الأحداث والتطورات التي تعرفها المنطقة العربية أكدت أن التميز الديمقراطي الرائد الذي تعرفه المملكة المغربية ليس وليد الصُّدف أو الإكراهات بل هي ثقافة مغربية مُتجدرة عُرفت عبر تاريخه من حيث الشورى في التسيير، ولم يكن السلطان منفرداً بحكم البلاد حتى قبل أول دستور مغربي بل كانت المشورة بين الوجهاء والحكماء والعلماء وشيوخ القبائل تجسد الحكم الديمقراطي للمملكة، وكان للملك ومايزال الدور القيادي المسؤول في تطور المغاربة وإنفتاحهم للوصول إلى نضج سياسي ومسؤوليات تتقاسمها مختلف الفئات الاجتماعية، حتى تتمكن من مواكبة التطور بطريقة عقلانية وغير إنفعالية أو مرتجلة - لقد تمكن المغرب بفضل البناء السياسي والتعددية الحزبية من مواجهة التيارات والإيديولوجية الدخيلة والتي حاول متزعموها إختراق الخصوصية المغربية المتميزة بالأصالة والمعاصرة. فقد حافظت الملكية بالمغرب في ظل كل المتغيرات التي عرفها العالم على خصوصيتها وكان للملكية المتطورة دور فعال في مواجهة تلك التيارات والإيديولوجيات الظرفية التي لم تُعمر طويلا رغم أنها اكتسحت شعوباً لم تكن لها من المناعة ما كان للمغرب وقتها، فكان إنهيار المعسكر الشيوعي سبباً رئيسياً في تراجع التيارات التي كانت تقدمية في ظاهرها وشمولية في عمقها وهذا ما سبب لها إخفاقات لدى شعوبها لأنها لم تكن وفية بالتزاماتها ووعودها. إن مسار البناء الديمقراطي بالمغرب قد قطع أشواطاً هامة عبر تاريخه الطويل، وها هم المغاربة اليوم مقبلون على استفتاء آخر للدستور ولولا الثوابت الوطنية التي حافظ عليها المغاربة بكل حب وإجلال ما كان ليتسنى لهم اليوم التعبير بصراحة عن رغبتهم في المزيد من الحريات لكن الحرية مسؤولية يجب حمايتها من كل الانزلاقات الغير مسؤولة بإصلاح دستوري يضمن استقرار البلاد ووحدتها واستمرارية نهجها الديمقراطي وذلك بالمحافظة على الثوابت الأساسية التي لا جدال فيها أبداً والتي تجسد ثورة الملك والشعب عبر مراحلها ومحطاتها التاريخية والمستقبلية.