بالنسبة لنا نحن في اليسار الاشتراكي الموحد، منذ البداية بدا أن الخطاب الملكي ليوم 9 مارس تضمن بعض الأشياء الإيجابية، ولكن بقي هذا في حدود ما يمكن أن نسميه في الدستور بالطابق السفلي، لم يتحدث عن الطابق العلوي للدستور، بل هناك إيحاءات ببقاء الحال على ما كان، ولكن الملاحظ هو أن الأحزاب السياسية المغربية، لا أقول كل الأحزاب السياسية، بل الأحزاب الوطنية والديمقراطية، الملاحظ هو أنها في المقترحات التي قدمتها تناولت الطابق العلوي، وهناك اليوم من يريد أن يعاقبها لأنها تناولت هذا الطابق العلوي. الطابق العلوي هو ماهي مكانة الملكية في النظام السياسي المغربي، لايمكن أن نوسع صلاحيات البرلمان أو الحكومة إذا لم نمس صلاحيات المؤسسة الملكية. لأننا يمكننا أن نوسع هذه الصلاحيات وستظل هناك ازدواجية، وستظل الملكية اعتمادا على الفصل 19 تمارس نفس تلك الصلاحيات، فتوسيع هذه الصلاحيات في ظل الطابق العلوي بنفس الوضعية معناه أننا نضيف للبرلمان أو للحكومة صلاحية ما لم تمارس من الأعلى، بمعنى أن ممارسة المسؤوليات على المستوى الحكومي والبرلمان والوزير الأول تصبح مجرد صلاحيات تمارس بالتفويض وليس بالأصالة، لأنها فقط وكلت وليست صاحبة سلطة، لأن صاحب السلطة الأصل هو أمير المؤمنين الذي يستمد شرعيته من البيعة، أي من المجال الديني، والذي لايمكنه أن يقارن مع المجال الدنيوي الذي هو أدنى منه. هذا في نظرنا هو عمق الاشكال، والحمد لله أن هذا الإشكال الاستراتيجي الآن يناقش، ويناقش من طرف عدد من الأحزاب الوطنية الديمقراطية التي قدمت مقترحات في هذا الصدد، ونظن أننا في اليسار الاشتراكي الموحد، نتعاطى إيجابيا مع هذه الأفكار ومع جرأتها في معالجة القضايا المتعلقة بالطابق العلوي. الملاحظة الثانية هو أنه ربما أراد البعض أن يكون النقاش السياسي حبيس لجنة مراجعة الدستور، وكانت نظرتنا في حزب اليسار الاشتراكي الموحد أن يصبح المجتمع المغربي كله لجنة لمراجعة الدستور، أن يكون هناك نقاش عام في الساحة العامة، ومرن أخرى أحيي الأحزاب التي قامت بإعلان مذكراتها ، أو التي قام قادتها بإعلان بعض التفاصيل التي جاءت في مذكراتها، هذا شيء مهم، فقد خرجنا من منطق المذكرات السرية الى منطق المذكرات العلنية، الآن مثلا، إذا لم تتخذ لجنة المنوني عددا من الأفكار التي قدمها الاتحاد الاشتراكي، غدا سوف نتساءل لماذا قبل هذه النقطة ولم يقبل تلك، بمعنى آخر، أنه في الماضي كانت تقدم مذكرات سرية، وكنا لانعرف ما الذي تم قبوله وما الذي رفض، ولماذا، إذن أظن أنه أن يتحول المجتمع المغربي الى فضاء عمومي لمناقشة هذه القضايا وأن ننتقل من مناقشة متعلقة بالطابق السفلي لمناقشة متعلقة بالطابق العلوي أعتبر أن هذا أمر جيد. بالنسبة إلينا في الحزب الاشتراكي الموحد طرحنا تساؤلات على الدستور المغربي الحالي، طرحنا تساؤلات من قبيل هل الدستور المغربي يؤسس للملكية كسلطة فوق دستورية، أم أن الملكية مقيدة بالدستور؟ فأجبنا أن الدستور المغربي لايقيد المؤسسة الملكية ولايعطينا ضوابط لتقييدها. طرحنا على أنفسنا سؤالا من أين تستمد الملكية شرعيتها؟ هل من الدستور أم من البيعة؟، لاحظنا أن الجواب هو أن المؤسسة الملكية تستمد شرعيتها منهما معا، من البيعة ومن الدستور وهذا نوع من الخلط، لأن علينا أن نختار، فالإعلان العالمي لحقوق الإنسان يقول: إرادة الشعوب هي مناط سلطة الحكم. ويكون التعبير عن هذه الإرادة بواسطة انتخابات دورية. إما البيعة وإما الانتخابات، أما اللعب بهذه الثنائية فأنا أعتقد أنها تفتح مجالا للخلط، وإذا ماكان هناك مجال للخلط فإن ذلك سيفتح مساحات لمرور الاستبداد. ونحن يجب علينا أن نغلق كل المنافذ التي يمكن أن يمر الاستبداد منها. المسألة الثالثة، هل الملكية نفسها تقبل أن يكون القضاء الدستوري رقيبا عليها، أجبنا أيضا بالنفي، وأخيرا، طرحنا على أنفسنا سؤالا جعل الدستور الذي هو لدينا الآن، هل هو دستور لملكية حاكمة أم تقبل أن يكون القرار بيد المنتخبين وأن تكون الملكية حكما وليس حاكمة. انطلاقا من هذا اعتبرنا أن الإشكال الرئيسي في المغرب هو دسترة الدستور نفسه، هو أن ينزل الطابق العلوي إلى الطابق السفلي، يمكن أن نأخذ كثيرا من المكتسبات في الطابق السفلي، ولكن كلها تتحول إلى صكوك استثنائية يمكن أن يعمل بها ويمكن أن لا يعمل بها. وانطلاقا من هذا اعتبرنا بأنه يجب أن تحل كثير من الاختلالات والإشكالات الموجودة، على مستوى هذا الطابق العلوي ولاحظنا أن هناك أحزاباً شقيقة وصديقة قدمت أفكارا في هذا الاتجاه، وفي نظري هذا شيء إيجابي ويمكنه أن يؤسس لمرحلة تعاون إن شاء الله في المستقبل. أولا إمارة المؤمنين في تكوينها الحالي، أظن أنه بدأت أفكار حاليا تقول إن إمارة المؤمنين يجب أن تتحول من مؤسسة فوق الدستور إلى لقب يعني الإشراف الملكي على الشؤون الدينية، على أساس أن الملك بوصفه رئيسا للدولة لا يمكن له أن يستعمل إمارة المؤمنين لخلق دستور بهذا الوجه أو ذاك، أو لتعطيل مقتضياته، أو باعتبار جميع السلطات الممنوحة للمؤسسات الأخرى ممنوحة على سبيل التفويض، ويمكن أن يسترجعها الوكيل أو المفوض متى شاء. المسألة الثانية هي أن الإضافات التي أضيفت في دستور سنة 70، الملك ممثل أسمى للأمة، يجب أن تراجع، وفعلا هناك مقترحات بأن الملك ممثل للدولة وليس للأمة، وهناك فرق بينهما. أيضا، قلنا بأن شخص الملك مقدس لاتنتهك حرمته في المادة 23، يمكن أن تعدل، ولاحظنا بأن أحزابا حاضرة معنا اليوم قدمت اقتراحات في هذا الصدد. شخص الملك مقدس لاتنتهك حرمته، تتحول لتصبح: الملك يتمتع بالحصانة، أي أننا ننتقل من القداسة إلى الحصانة. السيادة للأمة تمارس بطريقة مباشرة عن طريق استفتاءات وبطريقة غير مباشرة عن طريق المؤسسات الدستورية، فعلا هناك اقتراحات بأن تتحول المؤسسات الدستورية إلى المؤسسات المنتخبة. الخطب الملكية، هل هي حسب الفصل 28 موضوع نقاش، صحيح أنه حتى في دساتير أجنبية لدول أخرى تقدمية ديمقراطية حداثية تعتبر خطاب رئيس الدولة لا يعقبه نقاش في البرلمان، وليس موضوع نقاش. إذن أن تستعيد الملكية بشريتها. ما نطلب نحن في الحزب الاشتراكي الموحد من الأحزاب الحاضرة معنا اليوم هو أن تتمسك بالنقاط التي طرحتها لتعديل الدستور، ولا تتخلى عنا، فهي نقاط أساسية، هناك من يعتبرنا راديكاليين، وهناك من يعتبرنا منشقين، ونحن اليوم نأتي كي نقول لكم إن عددا من أفكاركم هي إيجابية وتلتقي مع أفكارنا وأحذر من تضييع هذه الفرصة لأننا قد أضعنا الكثير من الفرص. مسألة أخرى، تتعلق بقضية لم تبرز كثيرا في مقترحات الأحزاب الوطنية، وهي تلك المتعلقة بعلاقة المجلس الوزاري والمجلس الحكومي، على كل حال، يجب على صلاحيات المجلس الوزاري أن تحال على المجلس الحكومي، يعني أن المراسيم ومشاريع القوانين يجب أن تمر في المجلس الحكومي للبت فيها، إذن في نظرنا يجب أن يكون هذا المجلس استثنائيا يعقد في ظروف استثنائية، الملك قبل أن يلقي الخطب الملكية مثل ما يحدث في الملكيات البرلمانية يأتي للمجلس وبعلم المجلس بمضمون خطابه. وهذه المسألة تبدو مستبعدة، وهناك من سيقول إنها مسألة غير مرغوب فيها، ولكن نحن نقول إن الملك لا يجب أن يكون له برنامج، يجب أن يتبنى برنامج الفريق الذي انبثق عن صناديق الاقتراع. الدستور المغربي الذي نزمع إخراجه إلى النور، علينا أن نسترشد بأخطاء الماضي وأن نستمع لتجارب الأحزاب الوطنية التي شاركت في الحكومات السابقة لتبرز لنا المشاكل والإشكالات الدستورية التي اعترضتها، وهي المشاكل التي أعرب عنها الأستاذ عبد الرحمان اليوسفي حين قال بوجود ازدواجية بين سلطة الدولة وسلطة الحكومة، وعندما قال بأن الحكومة لم تكن لديها الوسائل الكافية لتطبيق برنامجها، وعندما قال إن الحكومة كانت مقيدة بتقاليد عتيقة، أنا متفق مع سي سعد الدين العثماني عندما قال إنه بإمكاننا تعطيل تلك التقاليد العتيقة بنصوص، مثلا وزراء السيادة علينا إيجاد تقنية دستورية تمنع هذا الأمر، ولو أنها يجب أن لا تكون هناك وزارات سيادية أصلا. انطلاقا من هذا، على الدستور المغربي حل المشكلات التالية، أولا كيف يمكننا الخروج من عهد الانتخابات المضبوطة، مثلا كيف يمكن للدستور المقبل أن يحمينا من التركيبة الحكومية التي يتحكم فيها النظام ويصبح حزب التقنوقراط هو الحزب الأول، المشكلة الثالثة وهي كيف يمكن أن لا يبقى للملك برنامجه الخاص، مسألة رابعة، كيف يمكن أن يصبح الخطاب الملكي منسجما مع التصريح الحكومي؟ خامسا، كيف يمكن أن نتفادى أن يصبح الملك مشرعا باستعمال الفصل 19؟المسألة السادسة، كيف يمكن أن نتفادى اتصال القصر الملكي بالوزراء مباشرة دون الرجوع إلى الوزير الأول. سابعا، كيف نتفادى أن تتم كل العلاقات الخارجية في غياب الحكومة، ثامنا، كيف يصبح لدينا مجلس وزراء لديه صلاحيات استراتيجية. تاسعا، كيف نقيد الأجهزة الأمنية ونخضعها لإشراف الحكومة ومراقبة البرلمان. عاشرا، كيف نتوصل إلى قضاء حقيقي؟