في خضم ما يعيشه العالم العربي في الوقت الراهن، من ثورات، وانتفاضات وانقسامات في مختلف المناطق العربية رغم روابط الأخوة والدم والتاريخ والدين والعروة الوثقى التي تؤلف بين أقطار الأمة العربية، أرى أنه من الضروري معرفة الداء الخطير الذي تغلغل في الجسم العربي حاليا وهو أولا: أن الأمة العربية مشتتة ومجزأة وأصابها داء الإنقسام، والإختلاف عوض الاتحاد ثانيا: أن العرب أمة متخلفة وتخلفها ناتج عن واقعها السياسي والاجتماعي والاقتصادي، ثالثا: أن الأمة العربية أمة تابعة ولازالت بعض أراضيها محتلة، رابعا: اختلاف المصالح وتعدد البرامج السياسية خامسا الاستعمار الذي قسم الشرق العربي إلى دويلات ومزقه وخلق الفتن بين الشعوب العربية. وجود الكيان الإسرائيلي الذي عمق فجوة الاختلاف بين العرب، تم وجود النفط في بعض الدول العربية دون الأخرى، هذا النفط الذي لم يوحد العالم العربي بل زاد في تفرقته وتمزقه زيادة على أن هذا النفط خلق تحالفا مصلحيا وتبعيا جديدا هو التحالف العربي الإسرائيلي من جهة، والتحالف الدول العربية المنتجة للنفط مع دول أوروبا الغربية والولايات المتحدةالأمريكية من جهة أخرى، تم أن هذا النفط خلق شعورا غريبا عند العرب وهو الشعور بأن الجار هو الخصم مثلا، النزاع المفتعل بخصوص الوحدة الترابية للمملكة المغربية. ونحن في هذه المرحلة الحاسمة من حياة الأمة العربية، لابد من الرجوع الى التاريخ لمعرفة الأسباب التي عمقت التجزئة والتمزق والانقسام العربي، حيث يتضح عند التأمل في المحطات التاريخية التي عاشها ويعيشها العالم العربي اقتصاديا وسياسيا واجتماعيا، كيف تسابقت دول أوروبا الغربية على المناطق العربية التي كانت تحت السيطرة العثمانية سعيا منها لتأمين حاجاتها بالمواد الأولية، وكذا تأمين طرق المواصلات إلى مستعمراتها البعيدة. وتحقيق مخططاتها العدوانية. فكان احتلال بريطانيا لمصر سنة 1882 وعدن 1839 واحتلال فرنسا للجزائر تونس والمغرب قبل الحرب العالمية الأولى. اعتراف دول أوروبا الغربية لإيطاليا بكل الحقوق والامتيازات التي كانت تخص الإمبراطورية العثمانية في ليبيا. وبمقتضى اتفاق سايكس بيكو 16 ماي 1916 - بين فرنسا وبريطانيا وروسيا اعترف لفرنسا بالسيطرة على أجزاء من سوريا، ولبريطانيا العظمى بالعراق، وفلسطين، وتقسيم مناطق أخرى بين النفوذ الفرنسي والإنجليزي، وبمقتضى معاهدة كليمنصو في دجنبر 1918 ضمت منطقة الموصل إلى النفوذ البريطاني ومنح فرنسا نصيب من النفط العراقي. وبمقتضى وعد بلفور سنة 1917 اعترفت بريطانيا لليهود بحق إقامة وطن لهم في فلسطين. وانطلاقا من سنة 1921 بدأت تتضح ملامح التبعية للدول الأوروبية الرأسمالية، وبدأ يتغلغل في المنطقة العربية مبدأ تقرير المصير في ظاهره أنه يعطي لكل واحد الحق في اختيار الدولة التي يود العيش فيها، ولكن في العمق إعمال هذا المبدأ في المنطقة العربية كان الهدف منه خلق الاختلاف الديني، والقبلي، والعرقي، ومحلي ليوقع بالتالي المنطقة العربية في سلسلة من التمزقات التي يتكون منها الوطن العربي، دويلات وإمارات ومشيخات، وصراعات على الحدود والمصالح، حفاظا على أمن إسرائيل التي تم الإعلان عن قيامها يوم 15 ماي 1948 من جهة والتبعية للرأسمالية الغربية من جهة أخرى. وهكذا أصبح العرب يعرفون عدوهم الذي هو إسرائيل التي اتخذت من تأسيسها جميع الاحتياطات السياسية والعسكرية لحماية كيانها وأمنها ودرست بعمق الواقع الاستراتيجي والسوسيولوجي والسياسي للأمة العربية، واتخذت جميع الاحتياطات لمواجهة ليس فقط الدول العربية المحيطة بها بل الأمة العربية ككل فإسرائيل جعلت من نفسها دولة عسكرية منذ تأسيسها، فهي تتسلح باستمرار بل أكثر من هذا فأمريكا زيادة على تزويد إسرائيل بالأسلحة والعتاد العسكري فهي ساعدتها على خلق صناعة عسكرية جد متطورة وجعلها تعتمد على التطورات التكنولوجية العسكرية الحديثة والمتقدمة الشيء الذي ساعدها على التنمية الاقتصادية والاجتماعية وبناء بنيتها التحتية بناءا قويا وخلقت فرص العمل وحاربت البطالة، لتتغلب على المشاكل داخل كيانها الصهيوني وجعلت نفسها في مواجهة دائمة مع أعدائها المجاورين لها، بل وحتى الدول العربية التي تفصلها بينهم مسافات طويلة لهذا جعلت من أولوياتها التفوق العسكري على جميع الدول العربية التي تفتقر كليا للسلاح وربما السلاح الذي تملكه الدول العربية هو فقط لمواجهة الجيران فيما بينهم فإسرائيل إذن هي مصدر الخطر على الأمة العربية. رغم كل هذا لم يلاحظ في هذه الثورات والانتفاضات العربية جميعها أي عداء لإسرائيل ولم يرفع أي شعار ضدها، والملاحظ هو وجود شعوب غاضبة على الحكام وعلى الوضع بصفة عامة، وغضبها مشروع. إن الشعب يغضب ويثور إذا أحس أن الحكومة في جهة وهو في جهة أخرى، وأما إذا أحس الشعب أنه هو والحكومة في الموقف نفسه، فهو يتفاعل معها، ولا ينقلب عليها وأن المسألة هي مسألة ثقة بالدرجة الأولى، وهذا ما حصل بالضبط في هذه المناطق التي ثارت فيها الشعوب على الحكام الذين اعتقدوا أن شعوبهم غافلة عنهم. في المغرب الوضع يختلف ولفهم هذا الاختلاف لابد من التمعن في التطورات التاريخية للمغرب كيف حارب المغاربة الاحتلال الفرنسي والإسباني وما هي الأساليب والسياسات التي نهجها المستعمران الفرنسي والإسباني كما يجب أن نوضح ما يمتاز به المغاربة من روح وطنية عالية وصادقة، مقدسين لروح التضامن والتعايش، متشبثين بمطالبهم العادلة والشرعية. لقد كانت ثورة الملك والشعب التي انطلقت في 20 غشت 1953 ضد الاستعمار الذي سيطر على المغرب منذ 1912 والذي وصل إلى أعلى مراتب الاستبداد والظلم، والاستيلاء على خيراته وخلق البورجوازية التابعة لتشكيلته الاستعمارية، ووضع نظام المجالس في القبائل والقرى وساعد على تقوية نفوذ القواد والباشوات بمنحهم جزءا كبيرا من الثروة والنفوذ حتى يتمكن من تنفيذ سياسته المبنية على ترسيخ تبعية هذه البورجوازية وتحالفها معه، ولقد أراد الاحتلال تحطيم كل الجسور التي توحد البلاد بخلقه مجموعة فقيرة، متأزمة غير قادرة وأخرى غنية تسهل له تنفيذ أطماعه وجعل من أهدافه الحكم المباشر ومحو سيادة البلاد، هذا ما حصل بالضبط في غشت 1953 حيث استطاع الاستعمار بمساعدة القواد والباشوات على تنفيذ خطته، وعزل السلطان، والأراضي الزراعية الشاسعة التي منحت لهم والوظائف الحكومية خاصة والوظائف بالأقاليم، لقد كان هدف الاستعمار هو زرع الشقاق، وروح التفرقة بين عناصر الأمة، البورجوازية التي صنعها والطبقة الفقيرة المتأزمة. وهذا ما حصل بالضبط في غشت 1953 حيث استطاع الاستعمار بمساعدة القواد والباشوات من تنفيذ خطته، وعزل السلطان محمد الخامس عن عرشه، ولقد اعتمد على هؤلاء القواد والباشوات بواسطة الإعانات المالية، والأراضي الزراعية الشاسعة التي منحت لهم والوظائف الحكومية خاصة والإقليمية، لقد كان هدف الاستعمار هو زرع الشقاق، وروح التفرقة بين عناصر الأمة، الشيء الذي حصل هو رفض المغاربة للاحتلال ومخططاته ظهور الروح المغربية لحماية السيادة والنضال من أجل الحرية، وحماية الملك الوفي لشعبه الذي لم نخن الأمانة ولا البيعة التي تربطه بشعبه. لقد وجد الاستعمار نفسه عند دخوله إلى المغرب، وإعلان الحماية في 30 مارس 1912 أمام شعب يرفض التدخل الأجنبي، لقد كان ارتفاع المستوى الاقتصادي والسياسي والعلمي للمغاربة الحافز القوي للمطالبة بتحرير وطنهم، فهذا المستوى الرفيع الذي ميز المغاربة على مر العصور جعل الجنرال ليوطي يقول في أحد تصريحاته في 26 فبراير 1926 في ليون بفرنسا، بينما وجدنا أنفسنا في الجزائر إزاء مجتمع في حكم العدم مسيطر عليه وخاضع منذ قرون لسلطات متعددة، وأمام وضعية مهلهلة قوامها الوحيد نفوذ الرأي التركي الذي انهار بمجرد وصولنا، ولسنا أمام الفلاح المصري الوديع ولا أمام التونسي القليل النشاط، إذا بنا قد وجدنا في المغرب على العكس إمبراطورية تاريخية مستقلة تغار إلى النهاية على استقلالها، وتستعصي على كل استبعاد، وكانت هذه الدولة حتى السنوات الأخيرة تظهر بمظهر دولة قائمة الذات بموظفيها على اختلاف مراتبهم، وتمثيلها في الخارج، وهيئاتها الاجتماعية التي لا يزال معظمها موجودا بالرغم ما لحق السلطة المركزية أخيرا من انحطاط تصوروا أنه لايزال بالمغرب عدد من الأشخاص كانوا منذ ست سنوات خلت سفراء المغرب المستقل ببترسبورغ وبرلين، ومدريد، وباريس، يحف بهم كتاب وملحقون، وكان هؤلاء السفراء رجالا ذوي ثقافة عامة واسعة، تفاوضوا مع رجال الدولة الأوروبية أندادا لأنداد، ولهم اطلاع واسع على المسائل السياسية»، وفي تقرير للحكومة الفرنسية سنة 1920 يقول: «لقد وجدنا هنا - أي في المغرب - دولة وشعبا، وكانت الدولة فعلا تجتاز أزمة وفوضى ولكنها أزمة حديثة العهد نسبيا، وهي أزمة حكومية أكثر منها اجتماعية». وفي 17 أبريل سنة 1921 صرح الجنرال ليوطي بالدار البيضاء قائلا: «يجب أن لا ننسى أننا في بلد ابن خلدون الذي جاء إلى فاس وهو ابن عشرين سنة، وفي بلد ابن رشد وليس خلفهما غير جدير بمهما، ولازلنا لانعلم تماما ما تضمنه بين جدرانها تلك الدور العتيقة بفاس والرباط ومراكش من رجال جعلوا منها مأوى للدراسة والتفكير، والبحث، وفي كل مرحلة أكتشف من جديد رجالا لهم شغف بخزائنهم العلمية، قد تفتحت عقولهم بكل ما يجري في العالم، واشتد طموحهم لمشاهدة بلادهم تساهم في الحركة الفكرية». إذن فالاستعمار وجد صعوبة كبيرة للسيطرة على المغرب والاستيلاء على دواليب الحكم، ذلك أن المغرب هو أقرب الدول إلى أوربا وأكثرها إغراءا نظرا لما تمتاز به من مركز جيوغرافي متميز بين الدول، وموارد اقتصادية متنوعة ورقعة أرضية شاسعة ومتنوعة التضاريس والمناخ. لقد كان تاريخ المغرب حافلا بالمجد يمتاز دائما بالدول القوية المستقلة وكانت أطماع أوروبا متجهة نحوها، وسر القوة والمجد المغربي يرجع إلى الشعب المغربي وإلى ملوك الدولة العلوية، الذين كان هدفهم المحافظة على الدولة ضد النفوذ الأجنبي تم إلى الرفع من مستوى البلاد من الناحية الداخلية، وحمايته من كل تدخل أجنبي ولهذا فهجرة الإسبان مثلا إلى أمريكا واستعمارها كانت أقرب منالا من الحصن الذي كان على مرأى بصر من شواطئهم رغم المحاولات التي كان يقوم بها الاسبان للاستفادة من شواطيء المغرب الممتدة بين البحر الأبيض المتوسط والمحيط الأطلسي. فالشعب المغربي كان دائما شعبا يحب الحرية، يكرم الضيف، لايحب حكم الأجنبي، ولا يغفر أن تمس حرمة داره وجاره وشرفه ومورد رزقه، إنه شعب قائم الكيان، والمملكة المغربية «دولة» متسلسلة الوجود، و«حضارة» متينة الأمس قوية الدعائم. فالمواطن المغربي المنتمي حضاريا للعصر الحديث الذي يستمد قوته من تاريخه المجيد يمشي بخطى ثابتة نحو تنمية اقتصادية واجتماعية وثقافية فنحن لسنا في حاجة أن نتعلم من تونس ولا من المنتحرين ولا من مصر ولا من البحرين ولا من اليمن ولا من ليبيا هذه الأخيرة التي تعيش الآن ثورة من أعنف ثورات هذا العصر ضد الحكم المستبد، كم من ثروة نفطية، وكم من شيك، وكم هي الأموال التي قدمها بعض الحكام العرب رشوة وفسادا لحكام إفريقيا وممثليهم في المؤتمرات الإفريقية من أجل التصويت ضد المغرب، ضد وحدتنا الترابية ضد مشروعية مطالبنا، رغم ذلك فالمغرب أول من كان يناضل من أجل الوحدة الإفريقية التي جعلها من أولويات اهتمامه ووضعها في دستوره حيث جاء في دستور: وبصفتها أي المملكة المغربية - دولة إفريقية ، فإنها تجعل من بين أهدافها تحقيق الوحدة الإفريقية - ، هذه الوحدة الإفريقية التي لم تتحقق بعد. والمغرب ملكا وشعبا كان دائما ينادي بتوحيد العرب وخلق سوق عربية موحدة ومغرب عربي موحد، المغرب مع الاتحاد ضد الاختلاف. لأن المغرب يؤمن أنه بالإتحاد يمكن أن نواجه الغرب القوي باتحاده وبتكتله وتضامنه. لقد ناضل المغاربة دائما من أجل دستور يكون هو أسمى تعبير عن إرادة الأمة، وانتخابات نزيهة وديمقراطية، وتشبث الشعب المغربي دائما بتعدد الأحزاب وناضل دائما من أجل الفصل بين السلطات، التشريعية والتنفيذية والقضائية، المغاربة دائما أرادوا برلمانا قويا يمثل الشعب، وحكومة مسؤولة وكفأة منبثقة من الإنتخابات ومن الأغلبية البرلمانية وقضاء عادل ونزيه ومستقل، والشعب مستعد للتضحية من أجل الملكية التي تربطها بالشعب البيعة، هذه البيعة المبنية في الشريعة الإسلامية على شروط يلتزم الطرفان احترامها، الملك يدافع عن الدين والوطن والعدل ورعاية مصالح المواطنين والشعب عليه الحفاظ على العهد وأداء الواجبات الوطنية والدفاع عن الوطن والدولة وصيانة الواجبات الاقتصادية والدينية، والتضامن الوطني في حالة الكوارث والدفاع عن الوحدة الترابية للمملكة، إذن فلسلامة واستقرار الوطن يجب على الطرفين عدم الإخلال بشروط هذه الرابطة المقدسة بين العرش والشعب، التي هي البيعة. من هنا جاءت ثورة ملك وشعب حديثة هادئة ورزينة أعلن عنها جلالة الملك في خطابه يوم تاسع مارس 2011 فبإعلانه عن الإصلاحات الجهوية، والاقتصادية، والبرلمانية، والدستورية، تكون المملكة المغربية قد أعلنت تشبثها الراسخ بالديمقراطية الحقة المبنية على أسس دستورية برلمانية واجتماعية في دولة دينها الإسلام تحترم الممارسة الدينية للأفراد ، كما أعلن جلالته عن ضمان جميع الحريات والحقوق. ولنجاح هذه الثورة التي أبهرت العالم، يجب قطع الطريق على أولئك الذين يستغلون بعض الشباب للوصول إلى أهدافهم، يجب حث الشباب على دراسة تاريخ بلادهم يجب على الدولة أن تنمي في الشباب الشعور بحب الوطن في المدارس والجامعات والمعاهد ، يجب أن يعرف الشباب أن مشاركتهم في العمل السياسي تبدأ بذهابهم إلى مخادع الاقتراع، واختيار من سينوب عنهم بكل ثقة، يجب أن يسهر هؤلاء الشباب على نزاهة الانتخابات، وأثناء الانتخابات يجب قطع الطريق على المفسدين، والمزورين يجب فضح كل تلاعب بإرادة الأمة، فلكي يكون البرلمان فعلا ديمقراطيا يجب أن يكون ناتج عن انتخابات نزيهة مبنية على اختيار نابع عن قناعة وصدق ومشاركة مكثفة لكل المواطنين المسجلين في اللوائح الانتخابية من مختلف الأعمار، فالمشاركة الديمقراطية السليمة تبدأ بالمشاركة في الانتخابات التشريعية والمحلية والمشاركة الفعلية في الحياة السياسية تبدأ بممارسة العمل السياسي، لقد تولد لدى المغاربة الشعور بالانتماء الحزبي منذ الثلاثينيات وذلك إيمانا منهم بالنضال الوطني لمقاومة الاستعمار. أما الآن فإن النضال هو بناء المغرب اقتصاديا، وسياسيا بانتماء سياسي مبني على المنافسة الشريفة بين الأغلبية والمعارضة. المعارضة الديمقراطية البناءة هي تلك التي توجه الأغلبية، لأن كلا من الأغلبية والمعارضة في الأخير يصبان في بحر واحد هو الصالح العام.