سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.
في العرض السياسي للأمين العام لحزب الاستقلال الأستاذ عباس الفاسي في اجتماع الدورة العادية للجنة المركزية حزب الاستقلال كان ولا يزال رائدا في النضال من أجل المسألة الدستورية
عقدت اللجنة المركزية لحزب الاستقلال السبت الماضي اجتماع اللجنة المركزية في دورتها العادية تميزت بعرض للأستاذ عباس الفاسي الأمين العام لحزب الاستقلال حول مضامين الخطاب الملكي الأخير، محددا أبعاده ومراميه ومعتبرا إياه مشروعا لدستور جديد، وبنفس المناسبة ألقى الأستاذ امحمد الخليفة كلمة سنعود إليها لاحقا، وفيما يلي النص الكامل لعرض الأستاذ عباس الفاسي إخواني أخواتي أعضاء اللجنة التنفيذية، إخواني أخواتي أعضاء اللجنة المركزية: نجتمع اليوم في الدورة الخامسة للجنة المركزية في ظروف تاريخية، بالنسبة لمستقبل المغرب السياسي والاقتصادي والإجتماعي والثقافي، أيام تاريخية تعطي أملا جديدا للشباب المغربي. لقد عقدنا اجتماعاً صباح اليوم مع المفتشين وتطرقنا إلى قضايا تنظيمية، وإذا سمح الوقت سنتطرق إليها، وإلى خطة العمل لتنفيذ مضمون بلاغ اللجنة التنفيذية حول النداء من أجل تعبئة حزب الاستقلال وتعبئة الشعب المغربي لتوضيح فحوى الخطاب الملكي وفحوى مشروع الدستور الذي سيعرض على الاستفتاء والمساهمة في إنجاح المرحلة المقبلة. وفي البداية لابد من التذكير ببعض النقط الأساسية التاريخية التي مع الأسف لا يعرفها الكثير وخصوصا شبابنا، ذلك أن حزب الاستقلال كان رائدا في الحياة الدستورية، بدأ ذلك أولا في كتاب النقد الذاتي للزعيم علال الفاسي قبل الاستقلال حيث اعتبره برنامجا للشعب المغربي بعد الاستقلال ونجد فيه مبادئ مهمة وثوابت الأمة المتمثلة في الإسلام والعرش والوحدة الترابية، ثم نجد المفاهيم حول فصل السلط، واختار الزعيم غرفة واحدة بدل غرفتين في ذلك الوقت وتطرق إلى حقوق الإنسان وحقوق المرأة، وبعد ذلك وجه الزعيم علال الفاسي رسالة منشورة في كتاب له اسمه «الديمقراطية وكفاح الشعب المغربي» من أجلها، وهي رسالة موجهة إلى المؤتمر الاستثنائي لحزب الاستقلال المنعقد في أكتوبر 1955، يقول فيها: أقترح ما يلي حكومة يقودها حزب الاستقلال وتكون مهمة الحكومة تحضير الانتخابات من أجل وضع الدستور. وذكر بضرورة وضع الدستور ولم يجد آذانا صاغية، فبقي المغرب دون دستور إلى سنة 1962. وأُذَكّرُ كذلك أنه بعد وفاة المغفور له محمد الخامس، طلب المغفور له الحسن الثاني مشاركة حزب الاستقلال ومشاركة الزعيم علال الفاسي شخصيا في أول حكومة في عهده وطلب الحزب للاستجابة لذلك شيئين من جلالته في انتظار الدستور أولهما إصدار القانون الأسمى للمملكة وهو عبارة عن جميع ماسيرد في الدساتير بعد ذلك باستثناء البرلمان، لأن ذلك يتطلب انتخابات، مما يعني قانون أسمى ينظم المرحلة الانتقالية في إطار مبادئ في مقدمتها تحديد هوية المغرب وحقوق الإنسان وفصل السلط والحريات الفردية والجماعية، المطلب الثاني . كان الإعلان عن تاريخ صدور الدستور. وتجاوب جلالة الملك مع هذا المطلب وصدر فعلا القانون الأسمى للمملكة في الجريدة الرسمية أسبوعين أو ثلاثة بعد تشكيل الحكومة، وأسابيع بعد ذلك وجه جلالته خطابا أكد فيه أن المغرب سيصبح له دستور قبل متم سنة 1962، وصدر بالفعل في دجنبر من نفس السنة، هذا يؤكد أن حزب الاستقلال يحرص على المبادئ الدستورية، ولا يبقى اختصاص دون تعاقد بين السلطة والشعب المغربي. غير أن التجربة أكدت التنافر بين ما هو نظري وعملي، فدستور سنة 1962 إذا درسناه بأعين وفكر تلك المرحلة، فهو مقبول لأنه تضمن المبادئ التي ترد في الدساتير عموما مثل السلطة التشريعية واختصاصاتها والسلطة القضائية واستقلال القضاء وفصل السلط والحريات الفردية والجماعية والمجلس الدستوري، فكان الدستور صالحا في ذلك الوقت، لكن الإشكالية ارتبطت بمجال التطبيق. وفي ماي 1963 طبع التزوير الانتخابات التشريعية، وأفرغت هذه المبادئ من محتواها بإنشاء حزب جبهة الدفاع عن المؤسسات الدستورية وإعطائه الأغلبية المطلقة، لذلك الحقيقة التاريخية تؤكد ضرورة مراعاة التطبيق والممارسة وعدم الاكتفاء بما هو مكتوب، حيث أجهض أول دستور بسبب التزوير. معطى آخر أود التذكير به وهو أن حزب الاستقلال وعندما صودق على الدستور قرر عدم المشاركة في غياب البرلمان وذلك من منطلق حالة الاستثناء التي عاشها المغرب منذ سنة 1965، هذا بالرغم من رغبة بعض الأحزاب في المشاركة في الحكومة، بينما ظل حزب الاستقلال متشبثا منذ سنة 1962 بموقفه بعدم المشاركة في أية حكومة في غياب برلمان، فدخل بذلك معركة الكفاح ضد حالة الاستثناء والدساتير التي شهدت تراجعا. وحتى لا أكون متشائما لابد من الحديث عما كان إيجابيا من ذلك أن المغرب عرف سنة 1992 نقلة نوعية مهمة تمثلت في تعديل الدستور بالاستجابة لكثير من المطالب من قبيل التأكيد على حقوق الإنسان، وأن الملك يعين الوزير الأول والوزراء باقتراح من الوزير الأول، وتمت دسترة المجلس الأعلى للحسابات والمجالس الجهوية للحسابات، وذلك في تجاوب مع مطالب الكتلة الديمقراطية. وتدشن عهد محمد السادس بإصلاحات مؤسسات، حيث أحدث هيئة الإنصاف والمصالحة لفتح ملف التعذيب والاختطاف والاعتقال التعسفي، وعشنا تلك الحقبة واستمعنا إلى الشهود وتفاصيل تلك التجربة، وتقرر التعويض في إطار جبر الضرر عن تلك الأضرار الجسيمة، ومن ضمن القضايا الإيجابية هناك اللائحة الوطنية للنساء في الانتخابات التشريعية، ثم في الانتخابات الجماعية، وتخليق الحياة العامة عبر إنشاء الهيئة الوطنية للوقاية من الرشوة وتضم في عضويتها ممثلين عن المجتمع المدني والجامعيين، ثم قانون محاربة تبييض الأموال وتفعيل مجلس المنافسة ومدونة الأسرة وأوراش التنمية الاقتصادية والاجتماعية والاستثمار الوطني والخارجي مما ساهم في تحقيق معدلات نمو هامة، ومردوديات قطاعية سجلت أفضل الأرقام، وذلك بفضل العناية السامية والانخراط الكامل لأعضاء الحكومة، إضافة إلى هذا شهدت المؤشرات الاجتماعية تحسنا ملحوظا بفضل تعميم الربط مع ماتحقق في جميع القطاعات بدون استثناء وبفضل توسيع دائرة المستفيدين من المبادرة الوطنية للتنمية البشرية لتصل 5 ملايين مستفيد وتوفير مناصب الشغل في الأماكن الأكثر فقرا، إضافة إلى العناية بالتنمية الثقافية عبر إنشاء المعهد الملكي للثقافة ا لأمازيغية، وتحرير الفضاء السمعي والبصري وغير ذلك كثير. مما يعني بكل وضوح أن المغرب تحول خلال العشر سنوات الماضية إلى ورش كبير جدا غطى جميع المجالات وبوتيرة مرتفعة جدا. الاخوة والأخوات لم يعد خافيا الآن أن ما عرفه المغرب بعد الانتخابات التشريعية الأخيرة وخصوصا ما عشناه جميعا بعد الانتخابات الجماعية الأخيرة كان مصدر قلق للغالبية الساحقة من المغاربة، وعبرنا في حينها عن تخوفنا على مصير الديمقراطية في بلادنا، ونبهنا إلى ما يمثل ما حدث من تهديد لمستقبل المغرب، وتجلى تخوف المغاربة من خلال النقاش الذي ساد في المجتمع وكان ضروريا أن يوضع حد لما كان المغرب يعيشه. ثم إن جلالة الملك محمد السادس التزم حفظه الله بالمسار الإصلاحي، ونعتقد أن كثيرا من الإصلاحات تحققت وخرجت إلى حيز الوجود، وكان لابد لعهد محمد السادس أن يتميز بدستور جديد، وهذا ما أعلن عنه جلالة الملك محمد السادس في خطاب يوم 9 مارس الماضي الذي تحدث عن دستور جديد ولم يقتصر على تعديل الدستور، وكان من الطبيعي أن تلقى خطوة جلالة الملك كل هذا التجاوب من جميع فئات الشعب المغربي ومن ارتياح من مختلف العواصم العالمية. إننا نعتبر أن مبادرة جلالة الملك محمد السادس في هذا الشأن المهم تتناسب تماما مع المغرب، فنحن لن نبدأ من الصفر بل أمامنا 14 قرناً من الممارسة، وأننا متشبثون بالثوابت من إسلام ونظام ملكي دستوري ووحدة وطنية وهوية مغربية بجميع مكوناتها. إننا بهذه المناسبة نحيي المبادرة الملكية التاريخية التي فتحت الباب أمام تكريس الطابع التعددي للهوية المغربية وفي صلبها الأمازيغية كرصيد للمغاربة كواقع تاريخي، ومن شأن هذا أن يضع حدا للاستغلال السياسي للأمازيغية. كما نحيي تعزيز الحقوق ودسترتها إلى جانب دسترة توصيات الإنصاف والمصالحة، ثم إقرار الالتزامات الدولية للمغرب والارتقاء بالقضاء إلى سلطة وتعزيز صلاحيات المجلس الدستوري وبرلمان نابع من انتخابات حرة ونزيهة، ولايسعنا إلا الاعتزاز بدسترة المنهجية الديمقراطية والتي تدشنت بحكومة يقودها حزب الاستقلال وهذا يعزز عامل الثقة بين جلالة الملك والوزير الأول، كما نثمن دسترة المجلس الحكومي واختصاصاته وتعزيز دور الأحزاب السياسية. وحزب الاستقلال في كل مؤتمر من مؤتمراته يتطرق بصفة مستفيضة إلى الإصلاحات الدستورية، وجاء في المؤتمر الأخير في 11 يناير 2009: «يرى المؤتمر ضرورة مواصلة الإصلاحات السياسية والخطوات الهامة التي قطعتها بلادنا في بناء الديمقراطية عن طريق إصلاح دستوري جديد يتم بالتوافق التام مع جلالة الملك في اتجاه ترسيخ الخيار الديمقراطي وتعزيز الفصل والتوازن بين السلط وتوسيع نطاق التشريع وتقوية دور البرلمان وإعادة النظر في اختصاصاته وتركيبته». الإخوة والأخوات. إن حزب الاستقلال سيتحمل مسؤوليته كاملة في هذه الظروف كما عهده المغاربة، ولن يدخر جهدا للمساهمة من موقعه في إنجاح هذا الرهان المصيري. ويساعدنا في ذلك رصيدنا التاريخي في هذا الصدد، فقد تحدثت عن نضال حزب الاستقلال فيما يتعلق بالمسألة الدستورية، وكان الزعيم الراحل علال الفاسي سباقا إلى إعطاء هذه القضية ما تستحقه من عناية واهتمام بالغين، وأؤكد أنه لم يخل بيان من بيانات مؤتمرات الحزب من فقرة مهمة تتحدث عن الإصلاح السياسي والدستوري، وهكذا خصص مثلا المؤتمر الخامس عشر للحزب الذي انعقد في 11 يناير 2009 فقرة هامة إلى هذا الإصلاح، كما تطرقت البيانات الصادرة من جميع أجهزة الحزب وتنظيماته إلى هذه القضية، واشتغلت لجن وفرق عمل وحضرت تصورات كما جرى التنسيق مع حلفاء الحزب خصوصا من مكونات الكتلة الديمقراطية ورفعت مذكرات مستفيضة وإخلاصا لهذا الرصيد فإننا نؤكد أن مساهمتنا الحالية سترتكز على توسيع الاستشارات مع فروع الحزب وأجهزته المركزية، وتعميق التنسيق مع حلفائنا. ومن الطبيعي أن يبقى موقفنا النهائي رهين إنجاز الصيغة النهائية للدستور الجديد، فقد تحددت المبادئ والتوجهات، هذا أمر هام جدا. ويبقى الآن معرفة السقف الذي سيصله تحقيق هذه التوجهات.