تحتفل القبائل العطاوية هذا الأسبوع في منطقة ألنيف بالذكرى الثامنة والسبعين لمعركة بوكافر المجيدة، تحت شعار: بوغافر: هوية، مواطنة وتنمية محلية. وبهذه المناسبة الطيبة نقدم للقارئ الكريم نصا غميسا، يعد من أهم الجوانب التوثيقية لهذا الحدث، ونعني بذلك نشر النص الكامل للملحمة الشعرية الغنائية التي خلد بها العطاويون آلامهم ومعاناتهم وانتصاراتهم في هذه المعركة، وسموها ب»ملحمة بوغافر». هذا المتن كان في الأصل عبارة عن رواية شفوية أجريتها مع الحاج أزرور احدا بمنطقة ملعب وذلك يوم 4 يوليو 1996. هذه الرواية مسجلة فوق شريط كاسيت بصوت الراوي وزوجته، في إطار حوار ثنائي رائع بين الطرفين؛ إذ كانت دهشتي كبيرة نظرا لحفظهما عن ظهر قلب لهذا النص الطويل، مع إضفاء طابع غنائي سجي عليه؛ حيث وضح الحاج أزرور ? الذي وافته المنية رحمه الله في عام 2009- أن هذه الملحمة كانت القبائل العطاوية -وحتى المرغادية- ترددها بشكل جماعي في أعيادها ومناسباتها العائلية والاجتماعية كالأعراس وعمليات الختان، أو أثناء مواسم الحرث والحصاد الجماعي المعروف ب «تويزة»؛ إذ كان الفلاحون ينشدون هذا النص الشعري البديع، ويعتزون به أيما اعتزاز؛ لأنه يذكرهم بما حققوه من انتصار تاريخي على المستعمر الفرنسي في معركة بوكَافر البطولية يوم 28 فبراير من عام 1933، عندما استطاعت قبائل آيت عطا أن تكبد الجيش الاستعماري خسائر بشرية فادحة هزت المؤسستين العسكرية والسياسية في فرنسا، وتحولت إلى مادة دسمة للإعلام والصحافة الكلونيالية، والمطارحات البرلمانية في الجمعية الوطنية بباريس، فكانت خطابات المعارض جون جريس نقدا لاذعا للقادة العسكريين الفرنسيين في المغرب. وتابع الرأي العام الفرنسي هذا الحدث باهتمام زائد، بفعل القلق الذي كان ينتاب الأنظمة الديمقراطية التقليدية، كانجلترا وفرنسا، وهي تراقب المد الخطير للأنظمة الكليانية المتصاعد في جملة من الدول الأوربية؛ مثل إيطالية وألمانيا، والشعارات المخيفة التي كان يرفعها قادة هذه البلدان، ولاسيما التملص من مقررات مؤتمر فرساي، والبحث عن المجال الحيوي للتخلص من تبعات ومخلفات الأزمة الاقتصادية العالية لعام 1929. هذه الظرفية الدولية المترجرجة هي التي أعطت بعدا آخر لمعكرة بوغافر، وأرغمت السلطات الفرنسية على بذل أقصى جهودها للتخلص بشتى الوسائل من البؤرة العطاوية بجبال صاغرو المرعبة، فضربت طوقا عسكريا، وحصارا اقتصاديا على المجاهدين في جبال بوكَافر، استمر نحو 45 يوما، استعمل خلاله الفرنسيون كل الأساليب الخارجة عن الأخلاق والأعراف الإنسانية، وأبانوا خلاله عن خسة وصغار كبيرين؛ إذ لم ترق المؤسسة العسكرية الفرنسية إلى مستوى تاريخها الطويل، ولم يراع الفرنسيون مبادئ ثورتهم لعام 1789 التي نادت بالحرية، المساواة، العدالة، الأخوة والتضامن؛ وكانت مهدا لميلاد الوثيقة الشهيرة حول حقوق الإنسان. ربما هذه المبادئ السامية لهذه الثورة لم تكن في ذهن القادة العسكريين الفرنسيين؛ مثل الجنرال كاترو والجنرال هوري والجنرال جيرو، والقبطان سبيلمان وبورنازيل وغيرهم؛ لأن هؤلاء ومن معهم كانوا مسؤولين عن تسميم نقط الماء الموجودة في أودية وسفوح بوكَافر، وتلغيم المواد الغذائية التي ترسل عمدا في اتجاه المحاصرين، وكانوا يأمرون بقصف النساء والأطفال، ويقتلون الجرحى بدم بارد؛ بل حتى الدواب والبهائم لم تسلم من نيران طائراتهم ومدفعياتهم ورشاشاتهم، فأبادوا أكثر من 6000 رأس من قطعان المعز والأغنام التي كانت في حوزة المجاهدين. ورغم كل هذه المعاناة، وهذه التمايزات في مستوى التموين والتسليح؛ فإن العطاويين لم يستسلموا للعدو إلا بشروط اشتهرت باللاءات الستة، وهي: - لا للخضوع لسلطة كَلاوة. - لا لرقص وغناء النساء والفتيات العطاويات في الاحتفالات والمناسبات الفرنسية. - لا لأداء الضرائب للمخزن أو الفرنسيين أخذا بالموقف العطاوي التاريخي المشهور من هذه الجبايات؛ حيث يتناقل آيت عطا أبا عن جد المقولة التالية: «حلف دادا عطا ما يعطي معطى ولو يرجع بوكَافر وطا». - لا للخدمة في الأعمال الشاقة (corvées) التي يفرضها الفرنسيون على الخاضعين لسلطتهم. - لا لتغيير القوانين العرفية العطاوية واستبدالها بقوانين مخزنية أو فرنسية. - لا لاستعمال أبناء آيت عطا كمساعدين «برطيزة» للجيش الفرنسي. هذه الأحداث وثقها العطاويون من خلال هذا النص الفريد الذي ساعدنا الحظ في العثور عليه، والذي نعتقد أنه ينشر لأول مرة، والفضل في ترجمته من الأمازيغية إلى العربية يعود إلى الأستاذ أحمد موعشى بمنطقة ألنيف.