تشير الأوضاع الراهنة في ليبيا إلى أن الدائرة بدأت تضيق حول النظام الحاكم، وسط أنباء عن مواجهات بين الثوار والكتائب الأمنية في مدينتي الزاوية ومصراتة، مع تأكيدات دولية بأن الثوار باتوا يسيطرون على غالبية حقول النفط والغاز. فقد شنت الكتائب الأمنية، التابعة للعقيد معمر القذافي، هجمات على مدينتي الزاوية ومصراتة القريبتين من العاصمة طرابلس والخاضعتين لسيطرة الثوار ضد النظام الليبي، في حين نقل اللواء المهدي العربي للمعتصمين في إحدى ساحات مدينة الزاوية ، تهديدا من القذافي بقصف الساحة بالطائرات الحربية إن لم يتفرقوا. ويقول شهود عيان في مصراتة أن الثوار يخوضون معارك كر وفر حول المدينة, وأنهم صدوا هجوما شنته الكتائب الأمنية ، ويحتفظون بسيطرتهم على المدينة، وعلى المطار، وجزء كبير من القاعدة الجوية العسكرية، في حين أوضح أحد السكان المحليين أن 50 مدنيا على الأقل قتلوا في قصف قوات موالية للقذافي للمدينة بمدفعية ثقيلة. ونفت مصادر سلاح الجو الليبي سقوط أي طائرة عسكرية في مصراتة، وأكدت سيطرة القوات المسلحة على القاعدة الجوية في معرض ردها على تصريحات لناشطين في ثورة 17 فبراير أكدوا فيها إسقاط طائرة حربية كانت تحاول قصف المدينة. و قال عسكريون ليبيون منشقون عن القذافي في مدينة أجدابيا ، إن سلاح الجو الليبي حاول قصف مخازن للذخيرة قرب المدينة، وإن العسكريين المنضمين إلى الثورة تصدوا بواسطة المضادات الأرضية لطائرتين انطلقتا من سرت، وأكدوا عدم وقوع إصابات في صفوف المواطنين. و أعلن «شباب انتفاضة طرابلس» بيانهم الأول الذي أكدوا فيه استمرار النضال حتى إسقاط النظام في ليبيا ، ورفضهم التفاوض معه، وأعربوا عن تأييدهم لمساعي تشكيل مجلس وطني مؤقت، ودعوا إلى وقفة احتجاجية عقب صلاة الجمعة المقبلة في كل مساجد البلاد. ويسود منطقة تاجوراء على المدخل الشرقي للعاصمة الليبية ، هدوء حذر بعد موجة من الاحتجاجات، حيث ردد محتجون هتافات مناهضة للقذافي ولوحوا بالعلم القديم (علم الاستقلال) الذي صار رمزا للثورة. وحسب شهود عيان، اكتفت قوات الأمن بتفريق المتظاهرين عبر إطلاق الرصاص في الهواء. من ناحية أخرى ، قال العقيد عبد السلام طاهر حميدة رمضان إن جماهير جالو تحكم المدينة التي تضم العديد من حقول النفط، وإن كوادر الثورة شكلوا مجلسا محليا انبثقت عنه لجان عسكرية وأمنية وخدمية بما فيها حراسة جميع شركات النفط. وفي مؤتمر صحفي، تلا اجتماعا لوزراء الطاقة في الاتحاد الأوروبي ببروكسل ، أكد مفوض شؤون الطاقة في الاتحاد ، غونتر أويتنغر، أن القذافي فقد السيطرة على معظم حقول النفط والغاز الطبيعي في بلاده. يذكر أن مجلس الأمن أصدر قبل أيام قليلة القرار 1970 الذي يفرض عقوبات، في إطار الفصل السابع ، على عدد من رموز النظام الليبي، دون الإشارة إلى أي تدخل عسكري. وأكدت مصادر مطلعة أن النظام الليبي لم يعد يسيطر عليه سوى أحياء محددة في العاصمة طرابلس، وسط أنباء عن استعدادات عسكرية لمنع المتظاهرين من الوصول إلى العاصمة، في حين عادت الأمور إلى طبيعتها في المدن الخارجة عن سيطرة النظام بالشرق الليبي. ونقلت مصادر إعلامية عن مواطنين يقطنون منطقة تاجوراء في العاصمة طرابلس قولهم إن قوات الأمن انسحبت من المنطقة كليا بعد خمسة أيام من المظاهرات، لكنهم أشاروا في الوقت نفسه إلى أن الكتائب الأمنية فتحت النار على المجموعات التي حاولت التوجه إلى الساحة الخضراء ، مما أسفر عن مقتل خمسة أشخاص. وأضاف شهود عيان أن المتظاهرين أقاموا متاريس من الحجار والأشجار عبر الشوارع التي تتناثر فيها القمامة، وكتبت شعارات على العديد من الجدران التي بدت عليها بشكل واضح آثار الأعيرة النارية التي دلت على وقوع مواجهات دامية في المنطقة. وفي مدينة الزاوية -التي تقع على بعد 50 كيلومترا غرب العاصمة طرابلس-قال شهود عيان إن عناصر في ثورة 17 فبراير خاضوا قتالا عنيفا مع الكتائب الأمنية ، مما أسفر عن مقتل 50 شخصا وجرح آخرين. وذكر أحد شهود العيان أن قوة من المرتزقة استخدمت المدفعية الثقيلة للإغارة على ميدان الشهداء ببلدية الزاوية ، واقتادت 20 مدنيا إلى مكان مجهول، لافتا إلى أن الجنود أطلقوا نيران أسلحتهم على جموع المتظاهرين في الميدان، مما أدى إلى سقوط عدد كبير من الضحايا بينهم نساء وأطفال. وأكدت وسائل إعلام أجنبية أن الحكومة الليبية ألغت زيارة كان يفترض أن يقوم بها مراسلون أجانب إلى مدينة الزاوية . وفي مدينة مصراتة ، القريبة من العاصمة طرابلس، شارك المئات في تشييع متظاهرين قتلوا على أيدي قوات الأمن الموالية للعقيد معمر القذافي، في حين قال شهود عيان إن مسلحين من قوات الأمن يستقلون مروحية أطلقوا النار على المشيعين وقتلوا عددا منهم. وأظهرت صور بثتها وكالة الأسوشيتيد برس عودة الحياة إلى طبيعتها في مدن الشرق الليبي، حيث أوضحت الصور أطفالا ليبيين يعتلون دبابات وآليات تابعة للجيش، واستيلاء المواطنين على المؤسسات الحكومية في طبرق والمرج والبيضاء. وفي المرج ، قامت مجموعات تابعة للثوار باستخدام الإذاعة المحلية في المدينة لبث برامج تدعو المواطنين في مدن البلاد إلى الالتحاق بالثورة، وفي مدينة درنة ، شرق بنغازي ، شاركت عشرات السيدات في مظاهرة رفعن فيها شعارات مؤيدة للثورة الليبية, تطالب بالانتقام للشهداء وتحرير القدس. كما استولى الثوار في مدينة البيضاء شرق ليبيا, على آليات وأسلحة وقذائف صاروخية للجيش الليبي يقول الثوار إنها أسلحة كيماوية لا ينبغي خزنها إلا في مناطق خاصة. ونسبت مصادر إعلامية إلى شخصيات مقربة من العقيد الليبي قولها إنه «لن يغادر طرابلس إلا جثة هامدة، ولن يتوجه إلى سرت حيث توجد قبيلته ولا إلى أي جهة أخرى». وأكدت المصادر أن القذافي وأبناءه يتحركون في طرابلس بشكل مستمر في إطار حراسة عادية ، مشيرة إلى أن كتيبة من الجيش الليبي يطلق عليها «كتيبة محمد» هي التي تتولى حماية باب العزيزية ، حيث يقع منزل القذافي، في حين يوزع السلاح بشكل مكثف على مناصري النظام في العاصمة الليبية. ويقول خبراء عسكريون مطلعون على الشأن الليبي ، إن القذافي، مع امتلاكه لعدة آلاف من الجنود المدعومين بالمدرعات الثقيلة ، والمنتشرين حول العاصمة ، ومع القمع العنيف الذي يقوم به أنصاره المسلحون للمحتجين داخلها ، قد يساعده على تأجيل الحسم لفترة مؤقتة حتى يتمكن أنصار المعارضة من الحصول على تعزيزات إضافية. وقال الخبراء إن نجل الزعيم الليبي، خميس، يقود حاليا الفرقة 33 المكلفة بمنع وصول التعزيزات إلى معارضي النظام في طرابلس، في الوقت الذي تعمل فيه الكتائب الأمنية بدور جهاز الإنذار لصد أي تسلل محتمل. ويتفق الخبراء العسكريون على أن القذافي قد يستطيع جمع ما بين 10 و12 ألف جندي من الأجهزة الأمنية والمرتزقة ، وبالتالي قد يتمكن - مع سيطرته على ميناء طرابلس ومطارها - من الحصول على الوقت الكافي ليمد جسورا اقتصادية أو شبه عسكرية مع أي من القبائل التي لم تعلن بعد تمردها على النظام.