يزاول امحمد المنصوري مهنة الخبرة القضائية بمراكش وهو رئيس جمعية الخبراء القضائيين بنفس المدينة، يمارس في مجال الخبرة العقارية لأزيد من 20 سنة بعدما تخرج من فرنسا. يحدثنا في سياق هذا الحوار عن دور الجمعية وموقعها إلى جانب الهيئات القضائية في جسم العدالة، ومهمتها كصوت للخبراء وللمهنة من أجل تجويد مجال العمل والارتقاء بأداء الخبير. ويؤكد في هذا اللقاء أن في مقدمة انشغال الجمعية تحسين التعويضات أو الأتعاب واحترام جدول الخبراء واحترام الاختصاص. س: متى تأسست جمعية الخبراء القضائيين، وكيف كانت ظروف تشكيلها؟ ج: جمعية الخبراء القضائيين التابعين لمحكمة الاستئناف بمراكش حديثة النشأة حيث لا يتجاوز عمرها ثلاث سنوات، يضم مكتبها ثلاثة نواب للرئيس وثلاثة مستشارين وأمين للمال وكاتب، وهي تشمل خبراء في جميع الاختصاصات في الطب والهندسة والعقار والطبوغرافيا والميكانيك، بمعنى أن كل الاختصاصات التي تنضوي ضمن الخبرة القضائية ممثلة في هذه الجمعية. وقد كانت هناك هيئة مماثلة في السابق لكنها لم تشتغل بالدينامية المطلوبة، فجاء إلحاح من الزملاء الممارسين في الميدان قصد تأسيس جمعية تعطي إشعاعا للمهنيين وتبرز في الساحة، وتشتغل وفق أهداف نبيلة وسامية ترتقي بمستوى الخبرة القضائية والخبير بصفة عامة سواء في الدفاع عن وضعه ومهنته وتمثيليته وحقوقه. والحال أنه لوحظ فراغ في الساحة لاسيما عندما تعقد هيئة القضاء اجتماعا مع المزاولين للخبرة، ولمسنا ضرورة إيجاد محاور أساسي في شكل تمثيلية قانونية، وقد تم تجاوز هذا المشكل، وحاليا نعقد اجتماعات نناقش خلالها مشاكل كل تخصص في مجال الخبرة القضائية، فضلا عن احترام الدورية الوزارية التي تنص على ضرورة عقد المسؤولين القضائيين لقاءات مع الخبراء، ومن ثم يتجسد موقع الخبير كجزء من منطوق الأحكام التي تصدر عن هيئة القضاء. س: هل تفتح جمعيتكم العضوية للخبراء على المستوى الوطني؟ ج: الجمعية لها حضور وازن على المستوى المحلي، وكل ممارس للخبرة القضائية في مدينة مراكش يعتبر نفسه منتميا للجمعية، لكن على المستوى الوطني لا توجد تمثيلية، فكل مدينة تتوفر على جمعية، ومثلا في الدارالبيضاء هناك جمعيتان أو ثلاث جمعيات، بينما في مراكش هناك جمعية واحدة، وبمعنى هذا أن جميع الخبراء يثقون فيها، لأن الهدف الذي نسعى إليه سامي ولا تشوبه وصولية أو أهداف خاصة، فمسار الجمعية سليم في إطار مقاصد ظهير 1958، ونحن ننتظر أن يأتي قانون ينظم مهنة الخبرة على غرار التوثيق العدلي والمحاماة، وبعد ذلك يمكننا أن نؤسس نقابة بفروع محلية مستقبلا. وفي انتظار ذلك فإن إطارنا الجمعوي يقوم بدوره أحسن قيام حيث يعقد بانتظام لقاءات مع الخبراء، ويصاحب الملتحقين الجدد من الخبراء مهما ارتفع مستواهم العلمي، لأن الممارسة والتمرين مهم، والتفاصيل في هذا المجال متعددة لذلك كل زميل يساعد زميله الجديد ويهيئ له أسباب نجاح اندماجه وانطلاقته، لأننا نعتبر أنفسنا جسما واحدا، يجب أن يبقى سليما وسائرا دون تعثر في مهمة مساعدة القضاء وتحقيق المنفعة العامة، فإذا ما قام خبير بخبرة ليست في المستوى أو تعتريها أخطاء مسطرية فستكون ملغاة، وهذا يؤثر بلا شك في مسار الخبير، فالرأسمال العلمي مهم ويجب أن يلازمه السلوك الحسن. س: من هذا المنطلق ما هو التعريف الذي يمكن أن تقدمه للخبرة القضائية؟ ج: الخبرة القضائية تحقيق فني وعلمي محض لا علاقة له بالقانون، فعندما يعرض على المحكمة نزاع ما لكي يتم الفصل فيه لابد من رأي خبير كمستشار لا غير، أي لا اتصال له بالحكم، ورأيه غير مجبر للأطراف ولا للمحكمة، يقدم رأيه بمعقولية ونزاهة وجدية واستقامة دون تحيز. إضافة إلى هذا يساعد الخبير المحكمة ويجيب بتفصيل عن كل الأسئلة التي يطرحها الحكم أو القرار التمهيدي أو الأمر الرئاسي، لكن هناك خبرات يجب أن تأخذ بها المحكمة مائة في المائة مثل الخبرة الطبية، فعندما يحدد الطبيب العجز ب 7 في المائة لا يمكن للمحكمة أن تؤوله إلى 12 في المائة أو 14 في المائة، ويمكنها أن تأمر بإجراء خبرة مضادة وعندما لا تعطي نفس النتيجة تستعين بخبرة ثلاثية للحسم بين الرأيين. س: هل تنوع نتائج الخبرات مثار إحراج للخبراء تجاه المعنيين بها؟ ج: الخبرة دائما في المحك لأن إرضاء كل الناس غاية لا تدرك، ولو التزم الطرفان المتنازعان بالحقيقة وبظاهر الأمور لما لجآ إلى المحكمة، وأنا كخبير عندما أقدم رأيي لا بد أن يرضي طرفا دون آخر، ومن الصعب أن يرضي الطرفين. ولابد هنا أن أتطرق إلى نقطة مهمة تخص الفصل 63 من قانون المسطرة المدينة حيث كان يلزم الخبير بإجراء محاولة للصلح قبل البت في عمله، وقد أسقطت محاولة الصلح من الفصل 63 وأضيفت إليه ضرورة إرفاق محضر تصريحات الأطراف ضمن التقرير واليوم يجب استدعاء الأطراف ونوابهم والإدلاء بدوافع استدعائهم إما عبر العون القضائي أو البريد المضمون. س: كيف هو تجاوب هيئة القضاء مع الجمعية؟ ج: يمكن أن نعتبر أنفسنا محظوظين لأننا نوجد في دائرة قضائية مثالية نظرا لانفتاح وتفهم الرئيس الأول والوكيل العام، فمكتباهما مفتوحان في وجهنا دوما. وهذا الواقع ينسحب كذلك على المساعدين القضائيين والرئيس الأول في المحكمة التجارية والمحكمة الإدارية، وكل نقاش حول المحكمة يتضمن في طياته النقاش حول الخبراء لذلك التواصل معنا متواصل والمحكمة لا تعرف أية مشكلة مع الخبراء. س: ما مدى تواصل جمعيتكم على المستوى الوطني؟ ج: أكيد أننا رغم ديناميتنا المحلية، نحن نواكب كل ما يتعلق بالمهنة على المستوى الوطني، ومؤخرا شاركنا في نشاط في الدارالبيضاء بهدف صقل تجربتنا المهنية، وأؤكد من هذا المنبر أن مشاكل الخبراء في الدارالبيضاء أو تطوان أو مراكش واحدة تتمثل في محدودية الأتعاب وهذا يتصدر قائمة مطالبنا إضافة إلى الإعفاء من الضرائب، فمن جهة المسؤولون يتفهمون هذه المطالب، ومن جهة أخرى يظل الخبير مستعدا للمساهمة في ورش إصلاح العدالة، الذي يستشرفه المغرب، وهذا مرده التحول النوعي في مستوى تكوين الخبراء، ف 95 إلى 98 في المائة منهم جامعيون، فإذا لم يكونوا حاصلين على الإجازة فهم حاصلون على الماستر أو الدكتوراه. وفيما يخص التواصل دائما نحن حاليا نربط اتصالات مع جمعية فرنسية لعقد لقاء شبه دولي للخبراء العقاريين قريبا في مراكش، ونعتزم كذلك عقد لقاء دراسي بحضور أساتذة مختصين حول الطب الشرعي نظرا لأهمية هذا الموضوع وتنامي دوره في المجتمع، وهذا سيكون محل اهتمام وإفادة للقضاة والمحامين كذلك، فدور الطب الشرعي في الجنحي وقضاء الأسرة أضحى أساسيا ونحن كجمعية للخبراء نؤكد مواكبتنا لكل المستجدات ضمانا للتكوين المستمر لأعضائنا. ولا أنسى أن أؤكد أن الخبير كإطار في هرم العدالة أصبح متعمقا كذلك في تقنيات المعلوميات طلبا للسرعة ولتجويد العمل في مجال الخبرة الطوبوغرافية والميكانيكية والمعمارية والطبية. س: ألا ترون في ظل القضايا التي طرحتم أن التنسيق على مستوى وطني ستكون له مردودية أكبر وأسرع على أوضاع الخبراء؟ ج: هذا أكيد، فالاتحاد قوة وكلما ناقشنا مشاكلنا بشكل عام كلما كان الأمر أفضل وأحسن من مناقشتها بشكل خاص أو محلي، وقد قلت سابقا أن الخبير في طنجة أو وجدة أو أية مدينة يبحث عن حماية مهنته ماديا ومعنويا، ويسعى إلى تقاضي أتعاب محترمة وتحفيزية على العمل وبذلك سيقوم بواجبه، بينما الأتعاب الهزيلة تبقى غير محفزة وهذا في كل المجالات كما أن الخبير لن تكون أمامه إكراهات إذا احترم تعيين الخبراء باللائحة واحترام الاختصاص حتى لا يكون احتكار لأسماء دون أخرى ، كما أن المواطن العادي يعتبر الخبير هو سبب المشكل إذا صدر في حقه طرد من عقار أو زيادة في سومة كراء، أو شيء من هذا المثيل، والحال أن المحكمة تصدر هذه القرارات وليس الخبير، الذي يساعد فقط، فالخبير مراقب دوما من طرف الرئاسة والنيابة العامة وسمعته هي رأسماله وأصله التجاري، لذلك من غير المنطقي أن تزول الثقة بينه وبين هيئة القضاء لأنه في هاته الحالة يشطب عليه. كما أن الخبراء، وهذا جانب مهم في هذه المهنة، يظلون طوع المحكمة لمساعدة العدالة، فهم من باب التطوع يهتمون بملفات المعوزين من المتقاضين.