تحدث أبو مصعب السوري أحد أهم منظري التيار الجهادي منذ سنة 2004 في كتابه الضخم «دعوة المقاومة الاسلامية العالمية» عن نظرية «الإعلام والتحريض» التي تعتبر الأنترنت والفضائيات المحورين الرئيسيين في تماس الدعوة إلى المقاومة مع الجماهير، إن الأمر كان ولايزال يتعلق بالخطاب التحريضي أو المحرض، وإذا كان من المستحيل محاصرة هذا النوع الخطير من الخطاب في عالم الأنترنت الفسيح والمفتوح، وإذا كان من الصعب على أي كان أن يفسح المجال أمام هذا الخطاب في الأنترنت، فإن ركوب هذا الخطاب القنوات الفضائية يتوقف أساسا على موافقة القناة الفضائية على مضمون هذا الخطاب لتمريره. إن الأمر يتعلق في هذه الحالة بقرار القبول، وهنا يختلف الوضع عما هو عليه بالنسبة لاستعمالات الأنترنت، حيث تطوعت بعض القنوات الفضائية لتحمل للجماهير مضامين الخطاب التحريضي. وإن هذه الممارسة تطرح بإلحاح إشكالية مهنية جديدة تتعلق بأخلاقيات التعامل مع الخطاب التحريضي، خطاب قد يحرض على العنف تارة، وتارات أخرى قد يحرض على الكراهية والعنصرية والفتنة، المهم أنه يحرض على ما يمس عميقا القيم التي توافقت بشأنها المجتمعات الانسانية كتعاقدات تحقق السلم والأمن والاستقرار في العالم. دعنا نعرض لبعض التفسيرات التي تساعدنا على فهم خطورة التطوع بنقل الخطاب التحريضي لجهات راديكالية متطرفة حتى لا نقول إرهابية. واضح الآن أن ساحة الحرب الحقيقية بين تنظيم القاعدة وأجهزة الأمن هي الساحة الإلكترونية بكل تأكيد، حيث السيادة لامتلاك المعرفة والتحكم فيما أتاحه الفكر الإنساني من تطورات مذهلة في عالم الاتصالات الحديثة، عالم يكاد يكون منفلتا بصفة شبه مطلقة من الرقابة وحتى من التوجيه. عالم يستغله رجالات القاعدة البارعون في تنشيط ما يسمى «بالمنتديات الجهادية»، إننا بصدد جيل قاعدي (من القاعدة طبعا) تكنوقراطي ماهر جدا دخل هذا العالم بعد أحداث 11 سبتمبر2003 التي هزت عرش الولاياتالمتحدةالأمريكية، جيل قاعدي جديد جاء نتيجة المتغيرات الجوهرية التي أدخلها تنظيم القاعدة والتي حولته من تنظيم عمودي برأس واحدة إلى تنظيم أفقي بأطراف مترامية في العديد من مناطق العالم بما يشبه الأخطبوط. بعد أحداث 11 سبتمبر 2003 أضحى من الضروري التمييز بين البناء التقليدي لهذا التنظيم الذي كان يعتمد على قيادة واحدة توجه عمل التنظيم في العالم، وكانت تستقر في مناطق القبائل الممتدة على جزء مهم من الحدود الأفغانية، الباكستانية، وكانت هذه القيادة تركز على توفير شروط حماية نفسها ومساعدة حركة طالبان داخل أفغانستان والتخطيط من هناك لتوجيه ضربات للغرب من خلال تنفيذ عمليات، وأيضا خوض حملة فكرية منظمة لمواصلة الجهاد. المتغير البنيوي الذي حصل يتمثل في إدخال تعديلات جوهرية من خلال الإبقاء على جزء من الاستراتيجية القديمة لكن مع اعتماد منهجية الوكالات أو الفروع، وهكذا خرجت إلى الوجود قاعدة جزيرة العرب المتمركزة في اليمن والسعودية والقاعدة في بلاد المغرب الاسلامي والمتمركزة في منطقة المغرب العربي ومنطقة الساحل الافريقي والقاعدة في بلاد الرافدين والمستقرة في العراق والقاعدة في القرن الافريقي والتي تتخذ الصومال حقلا رئيسيا لممارسة نشاطها. وهكذا أضحى لهذا الوحش الخطير مخالب في أكثر مناطق العالم سخونة يحركها من ساحة المعركة الرئيسية (ساحة الاعلام)، ومن هنا يتضح أن تطوع بعض القنوات الفضائية بحمل ونقل الخطاب التحريضي يندرج في صلب عمل الأوساط الجهادية في العالم المشتغلة بعولمة الجهاد بما يفرض قيما ومثلا جديدة في العالم الذي تنشده هذه الأوساط، عالم يلعب فيه الفهم الخاص لأي دين، الدور الحاسم في صياغة السلوك المجتمعي، فهم خاص يستند إلى العنف والإكراه. فهل من قبيل الصدفة أن يحدث هذا التطوع؟ هذا تحديدا هو السؤال المؤرق الذي يقض مضاجعنا.