يقول الشاب خالد في أغنيته الشهيرة عن وهران : إيه روحي يا وهران روحي بالسلامه بالسلامه بالسلامه القلب اللي كان يبغيك أنا نكويه دعوتي للجدود أنا راهي مبليه جميع اللي يتعدى أنا راها تديه ... حتى الحمري ولا شيكاغو إيه الليل مع النهار الرصاص يعايط فيه يظلوا يطاوعوا في الكافيه و إذا طاح الليل أنا نخاف عليه إييه حتى الكمين و لا شيكااااغو إيه الليل مع النهار الرصاص يعايط فيه يظلوا يطاوعوا يانا في البوليسيه و إذا طاح الليل أنا نخاف عليه الشاب خالد استطاع أن يصور ليالي الجزائر المظلمة والتي يشتعل فيها الرصاص هذه الأيام تماما كما كان يشتعل لحظة صدور هذه الأغنية الحزينة، بداية التسعينيات والتي تختصر واقعا سياسيا واجتماعيا واقتصاديا جاثما على الجزائر منذ انحراف الثورة وتحولها إلى مجرد انقلاب عسكري على شاكلة الانقلابات العسكرية في البلدان المتخلفة في إفريقيا وأمريكيا اللاتينية وبعض النماذج المتناثرة في أسيا.. وزاد النفط والغاز اللذين كان بإمكانهما أن يكونا نعمة على شعب الجزائر فإذا بهما يصبحان أكبر نقمة، إذ بهما استطاع النظام السياسي الفاسد في الجزائر أن يستمر من زمن الديناصورات في الحرب الباردة إلى اليوم ويأخذ معه ليس فقط الشعب الجزائري رهينة لطموحاته المريضة، بل مجموع شعوب منطقة المغرب الكبير، بفعل تخصيص جزء كبير من عائدات النفط والغاز لدعم مرتزقة البوليساريو ضدا على المغرب واستقراره وضدا على حق الشعب الجزائري ومستقبل الجزائر في تنمية مستدامة واستقرار مستقبلي في سياق دولي لا يؤمن بالكيانات القزمية والكتل الإقليمية المنقسمة، لذلك لم يكن غريبا أن يعمد الشعب الجزائري في ثورته الكبيرة يوم 4 أكتوبر 1988 عبر حرق مقرات جبهة البوليساريو أينما أدركتها العين، الشعب الجزائري الذي يستحق قيادات أفضل من هذا الجيل الذي لازال ممتدا من بومدين إلى اليوم، والذي لم يستطع أن يتطور بل يعاني أزمة مزمنة في كروموزوم التطور، إذ كيف يصبح شعب بلد غني بموارده في وضع شعوب تفتقر بلدانها إلى أبسط مقومات العيش، وكيف تطور الفساد السياسي ليخلق أجنحته من الفساد المالي والإداري، حيث أصبحت الرشوة والتلاعب في صفقات الدولة مسألة يومية وتوزيع عيني لمقدرات الجزائر المالية .. الانتفاضات الأخيرة التي تعرفها مدن وقرى الجزائر، لا تؤشر فقط على كون السكين بلغ العظم، بل تفوق ذلك باعتبارها انتفاضة تنتصر أولا على الخوف الذي استطاع النظام السياسي أن يحوله إلى حصان طروادة خاصة مع موجة الإرهاب التي تورط فيها الجيش ومختلف الأجهزة الأمنية في فترة التسعينات، والهدف من وراء كل ذلك هو جعل سقف مطالب الشعب الجزائري محصورا في الأمن، الجزائريون اليوم يقولون إنه لا أمن بدون ديمقراطية ومساواة وكرامة وشغل وسكن لائق.. الاضطرابات الأخيرة ظلت مكتومة لمدة طويلة وقد ساهمت موجة الشعور الوطني الجارف بتأهل المنتخب الجزائري إلى نهائيات كأس العالم في جعلها تتوارى إلى الخلف ، حيث عمل النظام على استثمارها وتدجين الغضب الكامن في نفوس الناس تماما كما كانت تفعل أعتى الديكتاتوريات في الأنظمة الشمولية، التي يعتبر النظام الجزائري واحدا منها من التي لازالت على قيد الحياة ..لقد تساءل الكاتب الجزائري رشيد خشانة في الصحيفة الالكترونية «جزايرتايمز» يوم 23 نونبر 2009 في مقال بعنوان « هل أطفأ كأس العالم نيران الأزمات الاجتماعية في الجزائر؟ « قائلا : « « المستقبل... هو الشاشة التي لا يكاد أحد يتبين ما كُتب عليها خلْف غُبار مسيرات الفرح التي جابت جميع مدن الجزائر. والأرجُح، أن نزول درجة حرارة الحماسة والعواطف مع مرور الأيام سيجعل مارد الاحتجاجات الشعبية يستيقظ من قمقمه مجددا، ويستأنف جولاته عبر المناطق الجزائرية. « وهو ما يحصل اليوم.. الصحفي حبيب الخروبي، وهو من أنصار الرأي الذي يقول إن النظام في الجزائر استفاد من الحماس الوطني في مباراة مصر والجزائر بالشكل الذي افتقده منذ بداية التسعينيات، قال ل swissinfo.Ch، مُحذرا «علينا أن نعرف إلى أين سيُوجه الحكم هذه الهِبة الشعبية العارمة: هل سيُواصل قيادة الشعب الجزائري بالأسلوب السابق، أي إبقائه على الهامش وتجريده من مقتضيات السيادة؟» وأجاب على السؤال بقوله «إذا كان الأمر كذلك في المستقبل، فسيكون الإغواء خطرا، لأنه سيقود إلى نتيجة مُدمّرة وغير قابلة للإصلاح». درس الجزائر يقول إن الشعوب عصية عن التخدير، وأن النظام السياسي إذا لم يتغير في الاتجاه الذي يعزز ثقافة حقوق الإنسان ويكرس التعددية الحزبية والسياسية بما يضمن قيام نظام ديمقراطي يعزز الاستقرار في منطقة المغرب الكبير، بدل الانشغال بدعم الانفصال في المغرب واللعب بالنار من خلال السكوت والتوظيف والتآمر مع الجماعات الإرهابية في منطقة الساحل والصحراء ...قد يستطيع النظام إخماد الانتفاضة الحالية بالنظر إلى الفائض من العملة الصعبة الذي يتوفر عليه ، لكن ذلك سوف يكون آخر مسكن يتوفر عليه نظام بوتفليقة الذي وصفه السفير الأمريكي السابق بالجزائر روبرت فورد من خلال وثائق وكيليكس الخاصة بالجزائر « نظام مريض ورئيس مريض «...