من بين الرسائل التي بعث بها الدبلوماسيون الأمريكيون إلى وزارتهم في الخارجية، نلاحظ رسالة تتعلق بارتسامات الرئيس عبد العزيز بوتفليقة بشأن جلالة الملك محمد السادس. في هذه الرسالة بنعت الرئيس الملك بقليل الخبرة. نعتقد أنه للحكم على رئيس دولة كالملك محمد السادس بقليل الخبرة، كان على بوتفليقة أن يكون رئيسا مثاليا، كانت لخبرته آثارا إيجابية على الجمهورية الجزائرية التي يترأسها منذ 27 أبريل 1999، بخبرة تناهز الخمسة عقود كمسؤول حكومي، منذ شتنبر1962، حين عينه الراحل أحمد بن بلة وزيرا للسياحة. مع الأسف الشديد، نلاحظ أن سياسة عبد العزيز بوتفليقة إبان مساره السياسي كرئيس دولة، لم يعمل إلا على إغراق الشعب الجزائري الشقيق في الفقر المقذع. هذا الرئيس "ذو الخبرة" بقي إبان حكمه دمية بين أيدي الجهاز العسكري الذي تبثه في الحكم. مع أن مداخليه من البترول و الغاز و مشتقاتهما تقارب سنويا الستين مليار دولار، إلا أن بوتفليقة لم يستطع أن يوفر لفقراء بلده و لو نصف كيلوغرام من اللحوم أو من البطاطس يوميا. و لم يستطع أن يوفر لكل الجزائريين سكنا لائقا. حيث أن مداخليه المالية هذه، مع الأسف، لا تستغل إلا في دعم انفصاليي البوليساريو بتندوف، و إلا لإرسال الإرهابيين لفتك الأرواح و تخريب الممتلكات بالعيون، و إلا لزرع الكراهية بين الشعوب. مداخيله من البترول و الغاز، لا تستغل مع الأسف إلا لدعم بعض الجمعيات و وكالات الأنباء و الصحف الإسبانية التي رسمت لها هدفا وحيدا ألا و هو تدمير المملكة المغربية، البلد الذي أصبح يلفت الانتبا،ه و الذي أصبح يزعج بفضل نموه السريع الباهر. الجزائر استثمرت في قضية الصحراء منذ 1975 ما يناهز ال 200 مليار دولار في دعم التقتيل و التدمير، ضعف ما استثمر المغرب في أقاليمه الصحراوية في البناء و السعي في العيش الرغيد للمواطنين هناك. كان هدف الجزائر بإيعاز من جهازها العسكري، زعزعة استقرار جارتها المغرب، لتطوقه من الشرق و من الجنوب، و لتضمن منفذا إلى المحيط الأطلسي خصوصا و أنها لا تتوفر إلا على شواطئ بشبه بحيرة البحر الأبيض المتوسط، و كدا ليصفو لها المجال لزعامة إفريقيا، و الأهم من هذا كله كان هدفها الثأر من المغاربة لما ألحقوه بهم الجيش المغربي من هزيمة سنة 1963. الجهاز العسكري المهيمن على السلطة، أمر كل الرؤساء الجزائريين، من بومدين إلى بوتفليقة، بتدمير المغرب، إلا المرحوم بوضياف الذي حاول إيجاد مخرج لهذا المأزق، الذي دام أكثر من 35 سنة و أدى بذلك الثمن غاليا لمحاولته التقرب من المغرب حين تم اغتياله بتاريخ 29 يونيو 1992. هنيئا، سيادة الرئيس، لقد استمررتم خلال حكمكم في إشعال نار الفتنة بين بلدينا على حساب العيش الرغيد لشعبكم و إهدار أمواله و اقتسامها بين أفراد الجهاز العسكري لديكم. اسمحوا لي، سيادة الرئيس، لأن أرفع إلى علمكم الكريم، أن كل ما قمتم به منذ توليكم الحكم، و ما تزالون تقومون به تجاه شعبكم و شعب جيرانكم، ما هو إلا إخفاق تام جدير برئيس دولة "ذي خبرة جد كبيرة". لنحاول الآن تسليط الأضواء على مسار الملك الشاب "القليل الخبرة" الذي منذ تربعه على العرش منذ أكثر بقليل من عقد، لا يفتأ أن يذهل المتتبعين بفضل لباقته و حسن تدبيره و حكامته الجيدة في الحقل السياسي و الاقتصادي و الاجتماعي. في الميدان السياسي، أرسى الملك العلاقات الاقتصادية مع أقوى الدول الغربية و مع الأشقاء العرب و الجيران الأفارقة حيت أصبح المغرب من أقوى المساهمين في تمتين العلاقات السياسية و الاقتصادية الجنوبية- الجنوبية، و بالداخل سهر على ضمان الحريات السياسية و إجراء انتخابات نزيهة بشهادة المتتبعين الأجانب أنفسهم. المغرب، خلال حكم الملك محمد السادس، أطلق و ما زال يطلق في الميدان الاقتصادي العديد من المشاريع العملاقة، كتشييد ميناء طنجة المتوسط و المنشآت الطرقية و السككية و الصناعية و السياحية و كذا التأهيل في ميادين النقل الحضري و الطاقات المتجددة و المواصلات إلخ... في الميدان الاجتماعي، أرسى الملك الشاب أسس سياسة اجتماعية متينة لفائدة الطبقة المعوزة بإنجاز "المبادرة الوطنية للتنمية البشرية" و "التغطية الصحية الإجبارية" وتشييد المنشآت الرياضية و الاستشفائية و السكنية، و التمدرس و إيصال الكهرباء و الماء الصالح للشرب بالعالم القروي. منذ توليه زمام الحكم، لم يفتأ العاهل المغربي من ضمان حرية التعبير بشتى وسائله، إذ أصبح مستوى الحرية بالمغرب يقارب نضيره بالبلدان المتقدمة و أصبح بذلك الشعب المغربي الأكثر حرية في العالم العربي و الإفريقي. و في ميدان المشهد السمعي البصري، أسس العاهل "الهيأة العليا للاتصال السمعي البصري" التي أخرجت إلى الوجود العديد من القنوات الإذاعية و التلفزيونية. يضل المغرب الرائد على المستوى العالمي في ميدان الماء بتشييده أكثر من 120 سدا و الذي لم يشعر بفضلهم خلال السنوات العجاف بمترتبات الجفاف، و بفضل هذه السدود ينتج المغرب و يصدر منذ سنين العديد من المنتجات الفلاحية. الملك الشاب اختار المشي على خطى المرحوم والده في ميدان تشييد السدود و بفضل هذه السياسة الناجعة ينظم سنويا المجلس الدولي للماء جائزة الحسن الثاني للماء. إذا أقمنا جدولا نقارن فيه منجزات الملك محمد السادس و الرئيس عبد العزيز بوتفليقة منذ توليهما الحكم في بلديهما، النتيجة ستخجل هذا الأخير و معاونيه في الجهاز العسكري و سترفع العاهل المغربي في الصفوف الأولى لكبار رؤساء الدول، وهكذا يكون الملك محمد السادس قد دخل التاريخ من بابه الواسع في أوائل هذا القرن الواحد و العشرين. نلاحظ بكل مرارة أن خبرة بوتفليقة كرئيس دولة لم تخدم بتاتا نهضة الشعب الجزائري و تقدمه السياسي و الاجتماعي و الاقتصادي و بذلك يتبين لنا أن خبرة السيد الرئيس، الذي يتجاوز سنه سن العاهل المغربي بقرابة ربع قرن، أقل بكثير من خبرة الملك الطموح الشاب محمد السادس. جواد التهامي كاتب و صحفي مستقل الدارالبيضاء، في 11/12/2010