للعملية السياسية برمتها شروط، بل ولها منطق يحكمها، حتى إذا لم تحترم الشروط، وحتى إن زاغت على المنطق تحولت إلى نوع من أنواع العبث الذي يسود عادة فضاء الفوضى، وللعملية السياسية مراجع ثابتة وواضحة على المستوى القانوني والتنظيمي والإيديولوجي والأخلاقي أيضا، وحتى وإذا لم تعترف الممارسة بهذه المراجع تحولت العملية السياسية برمتها إلى شيء هلامي يحق لكل طرف أن يوظفه بالطريقة التي يراها مناسبة. لسنا هنا في جامعة أو معهد متخصص في السياسة لنقدم دروسنا في العلوم السياسية والقانون الدستوري لبعض المبتدئين ممن تقلبوا في الحقل السياسي إلى أن اهتدوا إلى الطريق التي راهنوا عليها لتوصلهم بالسرعة المطلوبة إلى الأهداف المنشودة، ولكنا نحن هنا نعبر عن حرصنا الشديد لحماية الوطن، ليس من الأعداء الخارجيين الذين أضناهم الزمن ولم ينالوا من هذا الوطن، بل من الذين يمارسون السياسة بطريقتهم الخاصة جدا ولا يأبهون بالأضرار التي يمكن أن تلحق بهذا الوطن. كثير من الناس، وجزء غير قليل من الرأي العام الوطني، يجد صعوبة كبيرة في فرز القضايا المتشابكة وترتيب الأولويات إزاء ما يحدث، وكثير منهم يطرح أسئلة حارقة فحواها إلى أين تسير الأمور في هذه البلاد في ضوء ما يحدث؟ . دعنا من هذه الأسئلة الكبيرة جدا التي تزداد أهمية مع مرور الوقت الذي نضيع جزءاً غير يسير منه فيما لا ينفع البلاد والعباد، ونحتمي في هذه الأسئلة الصغرى التي تفرزها أحداث يومية متتالية، من قبيل ما يحدث كل لحظة وحين بالبرلمان المغربي. فتارة يحرص البعض على اقتناص الفرص لتوجيه الضربة القاصمة أو هكذا يعتقد البعض من خلال إسقاط ميزانية قطاعية، ويبدو أن أولويات هذا الطرف ليست في تسريع وتيرة إنجاز الطرق والطرق السيارة ولا في مواجهة آثار الفيضانات ولا في المساهمة في توفير شروط تسريع إنجاز الأوراش الكبرى، بل الأولوية هي لحسابات سياسية غريبة، فالذي يناضل من أجل إسقاط ميزانية قطاعية معينة يسارع إلى التصويت لفائدة ميزانيات قطاعية أخرى.. ألم نقل لكم إن العقول الصغيرة تشتغل بالحسابات الصغيرة، وتارات أخرى يتحول فضاء البرلمان إلى حلبة للهرج والتمييع واستعراض العضلات بما يدفع المواطنين إلى الإسراع بتغيير القناة للتخلص من أعباء المهازل السياسية الحاصلة أمامه، وتارات أخرى تجد الألسنة الطويلة لأصحاب الحال ممتدة ومنتشرة في الصحافة بتصريحات صحافية تدعو للشفقة على أصحابها وللحزن على ما يحدث في هذا الوطن، وقد نكون في بعض الأحيان في حاجة إلى القيام بعملية مونتاج بسيطة جدا لتصريحات تاريخية سابقة لنفس الألسنة الطويلة، لنكتشف كم أن هذا الوطن غفور رحيم فعلا. لا أحد يتضرر من هذا الذي يحدث غير الوطن برمته، فالناس يشمئزون من الساسة والسياسيين ويزيد نفورهم من العمل السياسي وتتعمق الهوة في الثقة في هذا العمل، وتزداد المساحة شساعة بين ما تقوم به المؤسسات الدستورية والحاجيات الحقيقية للبلاد، إنهم يسعون من حيث يدرون أولا الى تتفيه المؤسسات وتمييع العملية السياسية، في زمن يعتبر الوطن في أمس الحاجة إلى جهود جميع أبنائه ومؤسساته من أجل كسب رهان التنمية الحقيقية هذه المرة التي يقودها بإخلاص وأمانة وتفان وصدق جلالة الملك محمد السادس نصره الله، والشعب.. كل الشعب ملتف حول هذه الإرادة الملكية التي تمثل أقوى ضمان لمواجهة كافة التحديات.