في يوم الجمعة 21 مايو 2010 كنت ممن تشرفوا بالدعوة لحضور الندوة الفكرية والسياسية الهامة التي نظمها حزب الاستقلال ومؤسسة علال الفاسي بمدينة سلا في إطار الاحتفالات على مرور قرن من الزمن على ميلاد المفكر والزعيم علال الفاسي. ولمكانته المتميزة فقد حضرت الندوة وجوه من الحركة الوطنية في مقدمتهم السادة: امحمد بوستة،عبد الكريم غلاب،أبو بكر القادري إضافة إلى أبناء الزعيم ووجوه من اللجنة التنفيذية، وزراء سابقون وحضور مهم وقد نشط الندوة وبامتياز الأساتذة عبدالرحيم المصلوحي، عبدالحي المودن، محمد الطوزي، محمد العري المساري وعبدالعالي حامي الدين ودارت حول ثلاث محاور رئيسية: -النظرية السياسية عند الزعيم علال الفاسي. -مواقف علال الفاسي من التجارب الدستورية والنيابية في المغرب (1956-1974). -العمل السياسي عند الزعيم علال الفاسي. ومع أن العروض كانت جد قيمة إلا أنني كنت أقول مع نفسي إننا نختزل فكر علال الفاسي ونغبن أفكاره أمام غزارة تآليفه، وفي حديث على هامش الندوة مع ابن الزعيم الدكتور عبد الواحد الفاسي بحضور صديقي الدكتور حمدون الحسني قلت له “إننا لحد الآن لم نعط الراحل كل ما يستحق من عناية على ما نظر له على الأقل فكريا ومن خلال مؤلفه السابق لعصره وبكثير وأقصد طبعا كتاب النقد الذاتي والذي وإن قرأناه فإننا نقرأه قراءة انتقائية، حينها حضرت ببالي فكرة إعادة قراءة الكتاب لمزيد من الشرح وإعطاء تصورات بمفاهيم وقراءة جديدة إن أمكن لأطروحات هذا الزعيم لماذا لا يتجرأ على قراءة الكتاب بشكل آخر؟لماذا لا نلبي رغبة الفقيد وقد طلب منا قراءته والإضافة إليه بل حتى نقده إذ أمكن في نقد للنقد؟ لماذا لا نحاول قراءة الكتاب على ضوء الحاضر؟لماذا لا نقرأ ما بين سطور هذا الكتاب؟ فكتابات علال الفاسي تقرأ في ظاهرها وما بين سطورها والتي هي في الواقع شروح وتعميق لظاهر نصها الفكري. في قراءتي هذه للكتاب سنقرأه على أساس برنامج سياسي للحزب نظر له علال الفاسي لذا سأتكلم فيه عبر مراحل فهرسته بشكل مخالف للكتاب. إن مسألة الفكر عند علال الفاسي مرتبطة ويصعب الفصل ما بين الفلسفي والسياسي فيها فهي وحدة عضوية وموضوعية وهذا طبيعي عند مفكر كعلال الفاسي إنما حاولت تقسيمه لقسمين فلسفي وسياسي لتسهيل عملية استيعابه فالأفكار تبدو مبسطة ولكن الواقع هي عكس ذلك لأنها أولا تشكل برنامجا سياسيا ثم أنها منظرة لمرحلة قادمة ليس التي كتبت فيها الكتاب في أواسط الأربعينات ما بين 1945-1949 على ما أعتقد وهذا الأرجح وإن صدر الكتاب سنة 1951 ثم أننا نقدم فكر لمفكر ومنظر والغلط في قراءته على ظاهره، فالعملية معقدة ومركبة ويمكن قراءة كتاب النقد الذاتي من زوايا متعددة حتى أكاد أجزم أنه ماهو إلا ملخص لمجمل أفكار علال الفاسي حاول إيجازها وتبسيطها لتسهيل عملية استيعابها وحتى تتم قراءته من طرف الكل الشخص العادي القارئ المتمرس. وانطلقت في هذا الجزء مما أسماه الزعيم علال الفاسي بارتجال التفكير وهذه مسألة أظن أنها تهم بالأساس أصحاب السياسة لأن عواقبها وخيمة في حين عواقبها عند الفرد العادي يمكن التحكم فيها مادامت غير مؤثرة بدرجة تأثير الفئة الأولى. يقول علال الفاسي»من أخطر الأدواء التي يشتكي منها العرب اليوم والتي كان لها نصيب كبير في فشل كثير من شؤونهم لأنهم لا يعدون ذلك أمر عدته ولا يحتاطون له قبل حينه ولكنهم يظلون في تغافل وتردد ثم يرتجلون الأفكار على ضوء الحاضر السريع ويرتجلون بعدها للعمل على حسب ما تقتضيه الظروف»ص32. إنه لا يمكن لنا إلا أن نتفق مع الزعيم علال الفاسي فالسمة الطاغية علينا هي الارتجال وعدم التخطيط والتوقع للآتي والاحتياط له، إذ أننا نبقى في عمل تام إلا حين ظهور الآتي إذ لا نكون أمام الصدمة لذا تكثر عندنا الصدمات إذ لا يبقى لدينا أمام وقوفنا أمام ما يمكن أن نسميه بالأمر الواقع والحادث الطارئ والذي ما كان ليكون لو فكرنا فيه لا يبقى لنا سوى الارتجال سواء في أفعالنا أو في تفكيرنا الأهم هو الخروج من المأزق أو الصدمة وتمر المرحلة بسلام أو على الأقل بأقل الخسائر دون أن نعي أننا ف ذلك الارتجال نخلق أرضية لمشاكل مستقبلية تكون أقوى وأعنف. فعلال الفاسي يدعونا للقيام بدراسات علمية مستقبلية تحدد الأولويات وتضع التصورات والسيناريوهات وتوجد الحلول وتسمى الأهداف وتقوم بتوقعات وتطرح السؤال في حالة وقوع كذا ماذا يجب فعله؟ وبالتالي ينتفي هنا عنصر المفاجئة والصدمة ولا نكون أمام ارتجال إنما أمام برنامج محدد سلفا بقواعد علمية هامش الخاطئ إن لم يكن فيه منعدما يكون ضعيفا وتكون حلولنا واقعية لا أنصاف حلول أو حلول ترقيعية أو آنية لحظية تكون تبعاتها مؤلمة وفي حالة بدأنا نحاول تجاوزها عن طريق خلق مكاتب دراسات ووضع مخططات وأيام دراسية ولقاءات وندوات ووضع تصورات إلا أننا لازلنا لا نفكر بعمق في المشاكل المستقبلية ولكن على كل حال نحن على الدرب الصحيح في انتظار مزيد من النضج حتى نستطيع الحيلولة دون وقوع العوارض وحتى إن وقعت نسيطر عليها بسرعة متناهية علينا وكما دعانا علال الفاسي لذلك أن نحاول فهم المستقبل انطلاقا من معطيات الحاضر،لذا فهو يدعونا أن نعتبر مثل هذه الأمور بمثابة واجب لذا وجب لتفكير أيضا بالواجب فيقول»وكان يمكنني أن أقول الشعور بالواجب ولكنني أثرت كلمة التفكير لأنني أريد أن يكون الواجب هو شغل الفكر الشاغل ص36. هو في الحقيقة يريد أن يقول إجبارية التفكير بالواجب لأنه واجب وجوب حتمي فهو ليس بالشعور الذي يبقى على كل حال إحساس قد يأخذ شكل هلاميا لا يحتم على صاحبه وجوب التفكير إذ يبقى حسيا ولا يرقى إلى المستوى العملي ولكن حين نقول وكما أكد على ذلك الزعيم علال الفاسي بالقول التفكير بالواجب فإننا أمام مسؤولية حتمية وإجبارية ولسنا أمام شعور وتعاطف بل أمام واجب مقدس يأخذ قدسيته من وجوبه ولا اختيار لا في ذلك كما ينتقد وبشدة تفكيرنا المنحصر في المصالح الخاصة وحيرتنا وعدم فاعليتنا إزاء الواجب حتى أنه يرى بأننا نعتبر الواجب شيئا ثانويا بينما هو أولوية قصوى وهو الشيء الذي يحز في نفس هذا الزعيم الفذ وبالفعل لازلنا نرى كثيرا من الناس لا يستهويهم الواجب مفضلين مصالحهم الشخصية مما يحتم خلق تربية للأجيال تحترم وتقدس الواجب لخلق لمواطن الصالح الذي لا يضعف أمام المغريات والحديث عن الواجب يجر علال الفاسي للحديث عن مفهوم الوقت تحدث عنه في زمن لم يكن للوقت فيه قيمة فهو سبق عصره، بل تفوق حتى في العصر الراهن إذ لازال مفهوم الوقت لم يأخذ مكانته الطبيعية وعامله القوي، بدءا من عدم احترامنا للمواعيد حتى أننا نضيع كثيرا من الأشياء بسبب عنصر الزمن والوقت في حين نجد أن لهذه المسألة أهمية قصوى في تفكير علال الفاسي وفي منظومته السياسية التنظيرية الشاملة فهو وهذا صحيح طبعا يربط عامل الوقت بالإنتاج كما ينتقد الزعيم تلك الفئة الاجتماعية التي تخلق لها أعذارا انطلاقا من مفهوم الوقت في تقاعسها عن الواجب فيقول «وظاهرة أخرى من آثار هذا النقص الذريع هي أن فئة من إخواننا تستطيع أن تنتج للحركة كل ما تطلبه منها ولكنها دائمة الاعتذار بشغل الوقت وضياع الذهن»ص37. وفي نفس الصفحة يطرح الزعيم علال الفاسي فكرة عميقة المعنى فنجده يقول»ولقد بقيت بعض جهات البلاد بعيدة عن التطور الذي أصاب المغرب كله، لأن لا أحد لا يريد أن يهاجر إليها ليصلحها ويقوم بشؤونها. فهو هنا يتحدث عن التكامل الجهوي بالمفهوم الحديث بل ويعتبر هجرة الكفاءات إلى المنطقة المتخلفة عن ركب التطور في البلاد واجب وطني لأجل العمل والنهوض بها حتى لا تحدث الفوارق الجهوية والتي تؤدي إلى هجرة معكوسة نحو أقطاب الإغراء مما يخلق مشاكل موازية من سكن،آفاق اجتماعية، إخلال اقتصادي إلى غير ذلك من المشاكل المعروفة وإذا طبقنا ما فكر فيه علال الفاسي في هذا التنظير فمعنى ذلك تعدد أماكن الجلب وخلق التوازن على كافة المستويات مع التقليل من حدة الهجرة القروية التي تخلف خلل في التوازن داخل المدينة نفسها وبدرجة أكبر بين القرية والمدينة وحتى في وقتنا الراهن فإننا نجد كثيرا من الشباب العاطل الذي يفضل العطالة على الهجرة إلى منطقة أخرى يصفها بالنائية لانعدام وسائل الجاذبية فيها بمعنى أن هذا الشخص لا يملك أي استعداد لتطوير مناطق هي في أمس الحاجة لكفاءته خاصة من الأطر العليا، فمثلا كثير من الأطباء والمهندسين يرفضون العمل بالمناطق التي يعتبرونها نائية حتى أننا نجد بعض من القرى لا تتوفر حتى على طبيب واحد،ولنحاول أن نتخيل اقتراح علال الفاسي وتطبيقه ولو بشكل نظري فلو أعطينا مثلا أرضا في قرية ما لا تتوفر على عناصر الجذب لمجموعة من المهندسين ليستغلونها وفي نفس الوقت يستفيدون منها وبشكل موازي أوجدنا مستوصفا بطبيب أو طبيبا مع مساعدين تقنيين للفئة الأولى والثانية إضافة إلى إنشاء مدرسة لتعليم الناشئة والكل كانت له رغبة للذهاب والعمل هناك حتما سنخلق قرية نموذجية تعرف تطورا لا محالة في بضع سنين وستعرف منسوبا اقتصاديا مقبولا وسيكون هؤلاء الأطر في غنى عن الحديث عن مشاكل الدخل الفردي لأنه ببساطة ستكون الضغوط المادية عليهم شبه منعدمة إن لم يحققوا الرفاهية وستحصل الوفرة في الدخل والإنتاج وتتطور التقنيات المستعملة في هذه المنطقة وستخرج ساكنتها من دائرة الانغلاق والتهميش وستأتي المدنية إليها عن طرق التأطير الاجتماعي الغير المباشر الذي يقوم به هؤلاء الأطر الذين افترضنا مساهمتهم والزعيم علال الفاسي في هذا الأمر يوجه اللوم في مسألة الواجب على وجه الخصوص لحملة الأقلام والذين يتخلون عن دورهم في التنوير وهو نفس اللوم الذي يوجهه للصحافة أيضا. وينتقل الزعيم في شرح برنامجه ويتحدث عن ارستقراطية التفكير وهو الوصف الذي يقوم بإسقاطه على الطبقة المتنورة بدون أي خلفية وصفية بل تمييز لمكانته الفكرية ويبدأ متسائلا هل لنا فعلا ارستقراطية فكرية؟ أي فئة مثقفة متنورة توجه الأفراد ويخلص إلى أننا لم توجد هذه الطبقة بعد وأن ما هو مسيطر هو الفكر العادي أي المنتوج الخالص للشارع والذي يبقى بسيطا على كل حال لا يرقى لتحقيق طموحات التنمية والتطور فيقول علال الفاسي إن الفكر الرفيع الذي يستطيع التحرر من القيود التي تحيط به من جميع جهاته ويسمو في آفاق النظر العالي ليشرف على كل الأشياء من المحل الأرفع كما يعبر ابن سينا» ص40. فعلال الفاسي إذن يدعو إلى إنتاج فكر رفيع يعتمد على أسلوب التحرر من كل الأفكار الموروثة ونماذجها الجاهزة يدعو أيضا إلى التحرر من كل الإكراهات والمعيقات التي تحد مجال ابتكاره داعيا إلى التأمل والتفكير العميق بمعزل عن كل ما يحد من طاقة الفكر وخصوبة خياله حتى يستطيع فهم الأمور لكل تجلياتها، بشكل شمولي حتى يمكن التنظير لها وإيجاد الحلول المناسبة مبديا إعجابه بابن سينا حتى أننا نستطيع أن نقول أنه يفضله عن ابن خلدون على عكس المرحوم المفكر محمد عابد الجابري الذي كان يفضل الثاني عن الأول وأظن أن تأثيره بابن سينا جاء من نظرية هذا الأخير في النفس والتي أكثر ما اهتم بها ورأى أن لوجودها برهانين الأول طبيعي يعتمد على مبدأ الحركة وهي نوعان إما ناتجة عن دفعة خارجية تصيب جسما متحركة أو حركة لا قسرية والثاني وهو البرهان النفسي ويقوم على ألأفعال الوجدانية ومن أهم خصوصيات الإنسان الكلام واستعمال الرموز والإشارات وإدراك المعاني المجردة واستخراج المجهول من المعلوم ويظهر أيضا تأثيره بابن سينا في كتبه في العلوم الآلية من منطق ولغة وشعر وفي العلوم العملية في كتب الأخلاق وتدبير المنزل وتدبير المدينة والتشريع وقد سقت هذا الموجز عن بعض من فكر ابن سينا حتى نظهر مدى عقلانيته ومواضيعه ويبدو إذ طبيعيا أن يتأثر به الزعيم علال الفاسي أكثر من ابن خلدون الذي ركز كثيرا على علم العمران أي علم الاجتماع فعلال الفاسي إذن يدعو لمناقشة بواطن الأمور والتمحيص وقراءة ما بين السطور والتدقيق في الأشياء ولو في جزئياتها والتي قد تبدو دون فائدة إلا أن الكل بالنسبة له له أهمية فإن لم تستطع الفهم به ساعده على الأقل للإدراك وكل هذا حتى نحصل على نظرة صائبة ثاقبة تحلل الأمور بأدق تفاصيلها وبكل جدية حتى تتم المعالجة بشكل يراعي كل الجزئيات والتفاصيل ويكون هامش الخطأ ضعيف أو شبه منعدم مع استحضار روح المسؤولية عند المعالجة فهي دعوة إلى التركيز وسمو الفكر ويطلق على هؤلاء اسم المفكرين الممتازين أو ما عرفه بالارستقراطية الفكرية وهو ما نطلق عليه اليوم اسم النخبة الفكرية أو الأنتلجنسيا التي تنطلق من فكر تأملي مستنبط للأحكام معتمد على الدراسة والمقارنة والمقاربة والتي تستحضر كل حالها دون الوقوع في إسقاطات أو تبني أحكام ونماذج جاهزة قد لا توافق طبيعة مجتمعنا بل قد تستأنس بأفكار أخرى. وأمثلة من مختلف مناطق المعمور ولكن للتنوير أو للتنظير أي أخذ ما يمكن أن يوافق خصوصياتنا، فالأفكار تطبق على المجتمعات التي نظر بها لها فمثلا لا يمكن تطبيق الأسلوب الديمقراطي السويدي أو الغربي عموما على المغرب لأنه دولة إسلامية بموروث حضاري عربي وبربري فلابد من ابتكار أسلوب يراعي هذه الخصوصيات وحين يدعو علال الفاسي فئة المتنورين للتأمل فهو يدعو إلى خلق وإيجاد فلسفة جديدة وفكر سياسي يستمد قوته من طرح الأسئلة المركبة وتقبل الأجوبة أو الحلول التي تستحسنها الأغلبية لتكون بذلك القاعدة التي تبنى عليها النظرية وقد ينتقد الناقد مصطلح الارستقراطية الفكرية الذي استعمله علال الفاسي لأنه قد يوحي بنوع من التعالي والنرجسية إلا أن استعمال علال الفاسي للمصطلح وكما أشرف في بداية هذه الفكر لم يكن يحمل أي خلفية واستعمال الزعيم لهذا المصطلح لشيوعه في هذا الوقت الذي كان يكتب فيه كتابه وهو إنما يتحدث عن المنهاج الفكري السامي والذي قابله بالارستقراطية الفكرية والدليل هو أنه حذر هذه الفئة من مغبة السقوط في مواجهة الشارع عن طريق طرح أفكار جديدة دون سند أو إيجاد أرضية مقبولة للتبليغ خاصة أمام قدسية الأفكار الموروثة المتجذرة في النفوس والتي ألفتها العامة فهو يدعو هذه الفئة إذن للتحصن بالأدوات الفكرية اللازمة للاقتناع بأفكار جديدة متنورة قائمة على أسس مثينة ونزع كل الأفكار القديمة المتجدرة والتي يشوبها شائب فنجده يقول»إن أخطر ما يواجهه هؤلاء المفكرون الممتازون هو منطق الشارع الذي يستولي على أذهان الغالبية المطلقة من الناس هذا المنطق الذي ليس من السهل إهماله وعدم الاعتداد به مع أنه ليس إلا مجموعة من النظريات التي تكونها أجيال مختلفة، ولكن الناس يتلقونها قضايا مسلمة دون نظر ولا إمعان لأنهم سمعوها في طفولتهم وسمعوها في شبابهم وسمعوها وهم شيوخ محترمون فوقرت في نفوسهم كشيء مقدس لا سبيل إلى المساس به ولا إلى الدعوة لمخالفته ص41. كما أنه يدعو هذه الفئة إلى البحث في الدين لما يتوفرون عليهم من إمكانات علمية هائلة ويقر ويعترف في ذات الوقت بأنهم سيجدون صعوبة كبيرة في تبليغ خلاصاتهم الفقهية إلى العامة على اعتبار أنها ألفت الموروث ويسيطر على فكرها الديني طابع الخرافة والأسطورة فيقول في نفس الصفحة»ويتغلغل منطق الشارع في الدين فيمزجه بالخرافة لينتقل للحديث عن دور هذه الفئة في تفعيل الاقتصاد فيقول فينفس الصفحة أيضا «وينقلب المال الذي هو وسيلة للحياة لا ينبغي أن يستعمل في غير ما وضع له غاية تضحى في سبيلها كل المقدسات وترتكب من أجلها سائر الخيانات». فهو يرى أن المال أصل من أصول الشرور ملمحا إلى غول الرأسمالية معتبر التشبث بالمال أصل المفاسد لأنه قد يدفع بالشخص للقيام بأي شيء ومخالفة كل قواعد الأخلاق حتى وإن أدى به الأمر للخيانة ومع ذلك فإنه يرى صعوبة إقناع العامة بذلك مع أن المال بسبب جوهري في العنف الاجتماعي الذي ألفته العامة،كما ينتقد بوضوح عدم مجاهرة الأمة بهذه الحقائق على اعتبار أنه من الأفيد لها ذلك حتى وإن كانت الحقائق هادمة فهو يدعو إلى المصارحة حتى تعود على المكاشفة والشفافية ويرقى ضمير الأمة والتي تتفق ومع ذلك في من يصارحها وهنا تكمن المصداقية معلنا أنها الوسيلة الوحيدة لانتصار الفكر الحر البرغماتي ويقول في هذا الإطار «ولكنني أتقد على العكس من ذلك أن الأمة يجب أن تخاطب في كل شؤونها بكامل الصراحة وبكل بيان» ص42 ليتوجه إلى انتقاد الحاضر العلمي والذي للأسف لم يتغير كثيرا عن ما وصفه علال الفاسي واصفا إياه بالقول «إن حاضرنا العلمي أفقر أن يسد حاجة شبابنا» ص43 وبالفعل فحتى اليوم وأمام كثرة الجامعات فما زال ميدان البحث العلمي ضعيفا والجامعات لا تتمتع باستقلالية مالية كما أن الميزانية المخصصة للبحث العلمي من الميزانية العامة للدولة جد هزيلة ولا تفي بالغرض المطلوب مع قلة الباحثين الجادين بل حتى أن كثيرا مما يدعون البحث العلمي يعتمدون على النسخ ويغيب عليهم الابتكار والتحليل.