أول ما كان يبدأ به الآباء مسلسل تربية أطفالهم تحفيظهم كتاب الله العزيز، لعلمهم اليقيني بأن سعادتهم وسعادة أسرهم ومجتمعهم في المستقبل تنبع من حفظ القرآن الكريم وتعلم أحكامه ومواعظه وأخلاقه وآدابه وعلومه. فبهذا أفلح الرعيل الأول من هذه الأمة المباركة وبه يفلح آخرها إن شاء الله، وبه يصلح. كما قال إمام دار الهجرة مالك بن أنس رضي الله عنه: «لايصلح آخر هذه الأمة إلا بما صلح به أولها». وهذه مهمة الآباء، والمدرسين، قبل كل شيء، وهي تتطلب من الصبر والمثابرة والإخلاص والرفق ما يجعلها تؤتي ثمارها يانعة، وتخرج للإنسانية أجيالا تلو أجيال تحمل رسالة النور، وتعمل بها، وتبلغها، وتحفظها. ولايخفى أن بناء شخصية الطفل على أسس التربية القرآنية التي عمادها حفظ كتاب الله تعالى أو الشروع في حفظه على الأقل، يجعلها شخصية ناجحة قويمة زادها التقوى، وديدنها الإحسان، وسمتها الصواب والحكمة. فتسعد الأسرة بطفل يحفظ القرآن، كما يسعد المجتمع. ولما كان كتاب الله المجيد نبع العلوم الفياض، ومنهل الحكم الثرّ، كان حفظه المدخل الى تلك العلوم والحكم. بل إن التزكية الروحية، والتقويم والترشيد، إذ تتأسس على فيوض هذا النبع والمنهل، تسري روحها في كيان الطفل الناشئ سريان النور، لاسيما وأن هذه الفترة من العمر تمتاز بذاكرة غضة طرية قابلة قبولا رائعا فطريا لانتقاش المعلومات فيها، وتخزينها، واستحضارها بيسر ومرونة، ولاسيما كذلك أن القرآن الكريم ميسر من الله العظيم الرحيم للذكر والحفظ والتعلم. قال سبحانه: (ولقد يسرنا القرآن للذكر فهل من مدكر) [القمر: 17]. إن تحفيظ الأطفال القرآن الكريم في هذه السن المبكرة يحفزهم على مواصلة مسيرة الحفظ والتعلم والتفقه في الدين، مثلما يهذب أخلاقهم، ويرشد ملكاتهم النفسية، ببركة نور القرآن، ورحمة القرآن، وشفاء القرآن، وهداية القرآن. وما أجمل أن يتبع الآباء طريقة الترغيب والمكافأة في هذا المضمار، فكلما حفظ أطفالهم سورة أو حزبا أو ما تيسر من القرآن كافأوهم، وشجعوهم، ورغبوهم ،فينمو مع الطفل حب القرآن في نفسه، والنفس تميل إلى من أحسن إليها. تقوم وزارة الأوقاف والشؤون الإسلامية بجهود عظيمة مشكورة من أجل تحفيظ أطفالنا كتاب الله تعالى، وذلك عن طريق المساجد، وتنظيم مسابقات تشجيعية ومنح جوائز تقديرية، وغير ذلك من الأساليب الميسرة لمتابعة المسيرة القرآنية للأطفال. فقارئ القرآن الكريم مع السفرة الكرام البررة، جعلنا الله منهم. آمين.