بينما تتوالى اعترافات دول أميركا الجنوبية بالدولة الفلسطينية الجديدة اعترافا واضحا صريحا لا لبس فيه، نجد دولا أوروبية مثل فرنسا ترفض الاعتراف، ولو على سبيل الضغط على اسرائيل، بقيام الدولة الفلسطينية وتسوق الدول الغربية ذرائع لامتناعها عن الاعتراف بانها لا تريد ان تستبق الأحداث، وتتخذ خطوات تعرقل المفاوضات الثنائية بين الفلسطينيين والاسرائيليين، على الرغم من علم كل العواصمالغربية ان هذه المفاوضات متعثرة ومتوقفة بسبب المواقف الاسرائيلية . فقد أرخت هذه الدول وبخاصة في اطار ما يعرف باللجنة الدولية لسلام الشرق الأوسط، الزمام لاسرائيل كي تتمرد على إرادة المجتمع الدولي وتنتهك كافة القوانين والمواثيق، وتمتنع عن تنفيذ اتفاقات يقطعها القادة الاسرائيليون على أنفسهم في كافة مراحل العملية التفاوضية السابقة. منذ اتفاقات اوسلو في مطلع تسعينيات القرن الماضي، مرورا بكل الاتفاقات والتفاهمات التي صدرت بعد ذلك. أي ان الدول الاوروبية والولايات المتحدة لم تكتف بأنها صنعت المشكلة من الأساس بدعم قيام الدولة الاسرائيلية على الاراضي الفلسطينية، ولم تكتف بانها تقاعست عن تنفيذ قرارات مجلس الأمن الصادرة عقب عدوان الخامس من يونيو 1967، تلك القرارات التي صدرت بموافقة تلك الدول، وبصياغاتها. بل تمادت تلك الدول التي زعمت أنها تلعب دور (الوسيط النزيه) في التسويف والتمييع والضغط على الشعب الفلسطيني وقياداته، دون ممارسة أي ضغط على اسرائيل، وفي النهاية تعلن واشنطن أنها غير قادرة على الضغط الكافي لوقف بناء المستوطنات الاسرائيلية، وفي نفس الوقت تعلن على لسان وزيرة الخارجية هيلاري كلينتون في حوار المنامة هذا الاسبوع ان بلادها ستواصل مساعيها من اجل السلام، وهي نفس المصطلحات التي يرددها الاسرائيليون دون ان يكون لها أي مضمون عملي. لقد استجابت دول اميركا الجنوبية للمطلب الفلسطيني الذي ورد على لسان صائب عريقات كبير المفاوضين الفلسطينيين في التاسع من الشهر الماضي بدعوة المجتمع الدولي للاعتراف فورا بالدولة الفلسطينية في حدود الرابع من يونيو 1967، بعد رفض اسرائيل التوقف عن بناء المستوطنات، بينما تتردد الدول التي تسمي نفسها (قوى عظمى) عن اتخاذ موقف مماثل. وقد دلت المفارقة الساخرة التي احدثتها المقارنة بين الموقف الاوروبي وواشنطن المتقاعس من جهة، وبين موقف دول صغيرة مثل بيرو والأوروغواي أو ناشئة مثل البرازيل والأرجنتين المتعاطفين مع شعب اصابه من الظلم ما أصابه، دلت على ان القرار السياسي أمر يعود الى الضمير الانساني قبل ان يعود الى قوة الدولة او ضعفها. فالدول العظمى تتمادى في النفاق السياسي دون ادنى خجل انسياقا وراء ضغوط اللوبي الصهيوني العالمي ومقره واشنطن، غير عابئة بالمواثيق التي اصدرتها بنفسها. واعتمادا على هذا النفاق تستمر اسرائيل في صياغة مواقف غير مسبوقة كضم الاراضي المحتلة والاستيطان عليها وإعلان اسرائيل دولة لليهود فقط، وتكرار القلق على الامن الوجودي لاسرائيل الى غير ذلك من الترهات التي تزيد من اندفاع اسرائيل نحو العزلة والتقوقع لتعيد الى الذاكرة مآسي قابعة في بطون التاريخ كمأساة قلعة (الماسادا) التي ظن بنو اسرائيل انها ستحميهم من عدوهم فإذا بها تتحول الى محرقة تبيدهم وتتحول بعد ذلك الى عقدة نفسية ارتبطت في التاريخ اليهودي بالقلعة ذاتها. وهاهم الاسرائيليون مرة اخرى يفرحون بتماديهم في الغولة بدعم من انصارهم في العواصمالغربية، بينما يتوالى المعترفون بالدولة الفلسطينية التي ستقوم من جديد، رغم أنف اسرائيل وداعميها، فالتغيرات في قيام وسقوط الدول يتم بحتمية تاريخية لا تقوى أي جماعة أو قوة كبرى على تغييرها، وها هي بوادر الحتمية التاريخية لقيام الدولة الفلسطينية تنطلق من أقاصي الأرض..من أميركا الجنوبية.