كان المغرب من طنجة إلى الكويرة يوم الأحد 28 نونبر 2010 على موعد مع التاريخ لتجديد الوفاء للثوابت التي تجمع المغاربة فلم تحمل سوى صور جلالة الملك والأعلام الوطنية ...، على امتداد شارع محمد السادس والأزقة المتفرعة عنه ووصولا إلى نقطة الالتقاء مع شارع الفداء، كان المغاربة شيبا وشبابا نساء وذكورا وزراء ومواطنيين عاديين يهتفون بصوت واحد يؤكد الصحراء قضية وطنية وخطا أحمر ، حقيقة المسيرة لم تبدأ ولم تنتهي، كيف؟ جموع المواطنين الذين كانت لهم رغبة المجيء للدارالبيضاء هي أضعاف من حضروا، والذين تمكنوا من الحضور ضاعوا في أمواج بشرية بعفوية كاملة، حيث كان صعبا ضبط مسيرة بملايين المشاركين ، الجميل والمعبر في آن واحد، أنه لم يقع أدنى حادث يشوش على حدث حضاري كبير رغم أن المسيرة جمعت كل ألوان الطيف السياسي بالمغرب ...هذه المسيرة هي عبارة عن رسائل لم تكن موجهة فقط للخارج وخاصة الإسبان بل أيضا إلى الداخل ونتمنى أن يكون استيعابها بالكثير من الجدية والمسؤولية قد تم ، كيف ذلك : 1. الرسالة الأولى تقول أن مسيرة البيضاء أثبتت من جديد أن الشعب المغربي هو جدار الصد الأول في وجه خصوم المغرب وكل وهم آخر مصيره مزبلة التاريخ « إلآ قبلات عليه «. 2. الرسالة الثانية تقول أن هذا الشعب العظيم الذي يلبي النداء في كل وقت وحين عندما يتعلق الأمر بقضايا الوطن، يستحق أن تُحترم إرادته في كل المحطات الانتخابية وأن يُحترم ذكائه بوقف مسلسل مسخ الحياة الحزبية والسياسية والديمقراطية، لأننا أصبحنا أضحوكة في العالم الذي يُحصي أنفاسنا. 3. الرسالة الثالثة تقول أننا لا يمكن كبلد أن نُخاطب الخارج سوى بأدوات ديمقراطية، فمسيرة تدعو إليها الأحزاب ليست كمسيرة تدعو إليها السلطة، مسيرة الأحزاب لها مصداقية لدى الرأي العام الدولي، أما مسيرة السلطة فتكرس صورة قروسطية يحملها البعض عنا ويعمل على توظيفها أسوأ توظيف ، فلا بديل عن الأحزاب التي تحظى بالاحترام في الخارج، الأحزاب التي تملك علاقات خارجية مهمة ومصداقية وتاريخا طويلا عريضا في الدفاع عن الديمقراطية، على عكس «أحزاب» يوم دخلت من النافذة خرج الخير من الباب، «أحزاب» يجب أن نستر عوراتها بدل تقديمها وتلميعها في وسائل الإعلام الرسمية والخاصة، وتقديمها للخارج للحديث بإسم المغرب الذي يمثل وجودهم فيه اليوم أكبر علامة على تخلفنا الديمقراطي ..ونتساءل رغما عن لماذا لا يصدقنا الغرب؟ 4. الرسالة الرابعة والأخيرة التي حملتها مسيرة البيضاء، هي أن الشعب المغربي لازال لم يخرج للتظاهر تضامنا مع نفسه ، ففي كل مرة كان يخرج لنصرة قضايا إنسانية أو وطنية، وإذا إستمر البعض في إهانته وإهانة نخبه وأحزابه ونقاباته وجمعياته وصحافته والمقامرة بمستقبله إرضاء لطموحات مريضة، فإنه ساعتها لن يحده ضعاف الموهبة واللذين لا يملكون أي سند شعبي وليس لهم أي امتداد إجتماعي ولا يتجاوز تاريخهم أحد أمرين، سيرة معتبرة من خيانة ثوابت الأمة وأخرى طويلة عريضة في قمع الحريات وتزوير إرادة الأمة تخطيطا ومشاركة وصمتا واستفادة. هذه هي الرسائل التي حملتها مسيرة الدارالبيضاء وبكل تأكيد أن بعض الرسائل قد وصلت، وأن بلادنا مطالبة بأخذ التحديات المستقبلية بجدية، ليس فقط تلك التي تصدر عن الخارج على أهميتها، بل أساسا التحديات التي تواجهنا من الداخل والتي تشكل اليوم أكبر خطر يواجه المغرب واستقراره، وأن الاستمرار في إدمان الصمت والسلبية في التعاطي مع الأوضاع الجديدة وتغليب فئة ممن لا ماضي ولا حاضر ولا مستقبل لهم خارج ريع السلطة وأموال السلطة ووسائل السلطة ونفوذ السلطة، على حساب تيارات وطنية قوتها نابعة من الالتحام اليومي مع قضايا الجماهير، تجر وراءها تاريخا مجيدا من التمسك بالثوابت ..من شأنه أن يدفع إلى مراجعات فكرية وسياسية وتنظيمية كبيرة لتقديم الجواب المناسب على ضعف البصيرة الذي يُدمنه البعض، الوضع جدي جدا، وحرج جدا، ودقيق جدا ...إلى متى سوف تستمر مؤامرة الصمت على الوطن؟. [email protected]