حج مئات الآلاف من المواطنين، صباح أمس الأحد، إلى نقطة انطلاق المسيرة الوطنية المنددة بمواقف الحزب الشعبي والإعلام الإسبانيين، المعادية للمغرب والمنحازة للطرح الانفصالي. ووقف حوالي 3 ملايين مغربي ومغربية، حسب محمد محب، من اللجنة التنظيمية، جميعا للتنديد والتعبير عن سخطهم تجاه مواقف الحزب الشعبي الإسباني، وبعض وسائل الإعلام، اللذين اختارا نهج سبيل المغالطات للإساءة للمغرب. توقعوها مليونية فبلغت 3 ملايين تجاوزت المشاركة كل التوقعات، إذ كان المنظمون يريدونها مليونية، غير أن الرقم تضاعف بثلاث مرات، إذ التقى 3 ملايين مواطنة ومواطن، في مسيرة شعبية حاشدة، حسب المنظمين، ومليونان ونصف المليون، حسب السلطات المحلية. حل المشاركون من مختلف المدن المغربية، بملتقى شارعي شعيب الدكالي ومحمد السادس، بالدارالبيضاء، وحولوا المسيرة إلى احتفال وطني من نوع خاص، بعفوية المواطن العاشق لوطنه وملكه، إذ تهافت الكبار والصغار على صور صاحب الجلالة الملك محمد السادس، والأعلام الوطنية، التي تطوع مواطنون من خارج الجهات المنظمة لاقتنائها وتوزيعها. كما تطوع آخرون بتوزيع المياه المعدنية، ووضع حاويات مياه بشارع محمد السادس والأزقة المتفرعة عنه. مسيرة وطن أو عيد وطني كل الشهادات التي استقتها "المغربية"، أكدت أن مسيرة الوطن تختلف عن كل المسيرات التضامنية السابقة، سواء مع فلسطين، أو العراق، أو حتى المسيرة المناهضة للإرهاب، إنها مسيرة الوطن، تعبأت لإنجاحها كل القوى السياسية بمختلف تلاوينها، سواء تلك المشاركة في البرلمان أو الحكومة، وغيرها، أغلبية ومعارضة، لأن الوطن يوحد الجميع ومصالحه فوق مصلحة الجميع. رغم أن المكونات السياسية هي من دعت إلى تنظيمها، إلا أن المسيرة لم تكن حزبية، بل كانت شعبية، إذ التحق المواطنون بعفوية للمشاركة فيها، وتأطيرها أيضا، كما لوحظ أن مواطنين لا انتماء لهم يساهمون في التنظيم. عفوية، لأنها انطلقت قبل وقتها المحدد، الحادية عشرة والنصف، بحوالي ساعتين، قبل حضور القادة السياسيين، وزعماء الأحزاب السياسية، ولم تنته في الوقت المحدد لنهايتها، ولا في المكان المحدد لها. احتضان جماهيري للمسيرة اختار المنظمون أن تكون المسيرة عفوية، مسيرة من الشعب إلى الشعب، ما جعل اللجنة التنظيمية تترك الحرية للمواطنات والمواطنين في التحرك دون قيد وشرط، بل وعلى عكس باقي المسيرات التضامنية السابقة، لم تقد المسيرة الوطنية القيادات الحزبية الداعية إليها، وتوسطت أبناء الشعب، وسار الجميع جنبا إلى جنب، يرفعون شعارات تندد بقوة بمواقف الحزب الشعبي الإسباني، وبعض وسائل الإعلام الإسبانية، ضد المصالح العليا للمملكة المغربية. نادرا ما تجد إجماعا وطنيا، مثيلا لما حدث يوم 28 نونبر، إنه عيد وطني التأمت فيه مركزيات نقابية، وأحزاب سياسية، ومنظمات حقوقية، وجمعيات المجتمع المدني، ومواطنات ومواطنون، من جميع جهات المملكة، من القرى والمداشر، من الكويرة إلى طنجة، ومن وجدة إلى غرب المملكة. الكل التقى في الدارالبيضاء، وبالضبط بشارع محمد السادس، صوت واحد وشعارات تردد "الملك ملكنا والصحراء صحراؤنا"، قبل أن تتحول المسيرة إلى احتفال شعبي وعيد وطني، سيتذكره الأطفال، والنساء، والرجال، فقراء وأغنياء. تكبد المواطنون عناء السفر من أقصى النقاط في خريطة المملكة المغربية، لكي لا يخلفوا الموعد مع الوطن، معتقلون سياسيون سابقون، من تنظيمات راديكالية، مثل إلى الأمام و23 مارس، حضروا المسيرة الشعبية، محامون ببدلات رجالات الدفاع. فنانون، وأطباء ومهندسون، ومواطنون من مختلف الشرائح الاجتماعية تكبدوا عناء السفر، لكنهم لم يفلحوا في المشاركة في المسيرة، لأن الطريق السيار والطرق الرابطة بين الدارالبيضاء وباقي المدن المغربية لم تتحمل الكم الهائل من السيارات والحافلات، التي حلت صباحا بالمدينة. المواطنون الصحراويون حضروا بقوة بلباسهم التقليدي من مختلف مدن الصحراء المغربية، رفعوا، بدورهم، إلى جانب المواطنين بمدن شمال المغرب، شعارات تدين مواقف الحزب الشعبي الإسباني. الديربي حاضر في المسيرة تأجل الديربي، لكن جمهور الوداد والرجاء البيضاويين حضر المسيرة الشعبية، برايات وأعلام الفريقين جنبا إلى جنب. كما التقى رئيسا الفريقين الأحمر والأخضر، عبد الإله أكرم وعبد السلام حنات، وسارا جنبا إلى جنب في المسيرة الشعبية. سيارات، ودراجات نارية، زينت بأعلام مغربية، وصور جلالة الملك محمد السادس، شابات ارتدين ثيابا حمراء تتوسطها نجمة خضراء، وشباب ارتدى "تيشورتات" تحمل شعار "ما تقيش بلادي". الكل أبدع، في العيد الوطني 28 نونبر، وتحولت المسيرة الشعبية إلى احتفال وطني ضخم، وتبادل التحايا، وأخذ صور تذكارية مع مشاهير ونجوم السياسة، والفن والرياضة. القنوات التلفزيونية المغربية كانت حاضرة بقوة، وبثت مباشرة تفاصيل المسيرة الشعبية، بتجهيزات تقنية عالية، تمثلت في حوالي 5 شاحنات وسيارة للنقل المباشر، وصحافيين من مختلف وسائل الإعلام، ومصورين، الكل كان في الموعد، لنقل الحدث التاريخي. "الصحراء مغربية لا تضليل لا تعمية"، و"لن نركع أبدا لن نركع الاستعمار لن يرجع"، شعاران ضمن الشعارات العديدة التي رفعها المشاركون في أضخم مسيرة في تاريخ النضال المغربي. مهاجرون وإسبان وعرب في المسيرة لم تخلف الجالية المغربية الموعد، وكان حضورها وازنا، ل "التنديد بالحملة الإسبانية ضد الوحدة الترابية للمملكة المغربية". كما شارك إسبانيون ولبنانيون وفلسطينيون، إلى جانب المغاربة في هذه المسيرة، وكانوا ضمن من رفعوا شعارات مساندة للوحدة الترابية المغربية، منددين بمواقف الحزب الشعبي الإسباني. وإذا كانت الشعارات أدانت الحزب الشعبي الإسباني، وبعض وسائل الإعلام الإسبانية المنحازة للأطروحة الانفصالية، فإن ذلك لم يفت المشاركين في المسيرة التذكير بروابط الصداقة والأخوة بين الشعبين المغربي والإسباني، وبالمصالح المشتركة، "الشعب المغربي والإسباني يدا في يد"، و"لا للمواقف العدائية للحزب الشعبي الإسباني المناهضة لمصالح إسبانيا والمغرب". "منبت الأحرار" المسيرة بلغ رأسها المكان المحدد لنهايتها. وكانت أفول المشاركين لم تصل بعد إلى مكان انطلاقتها، وفي كل لحظة يبدع المغاربة شكلا احتفاليا، في شارع محمد السادس، حين بلغت المسيرة مقر الاتحاد العام للشغالين بالمغرب، انطلق النشيد الوطني "منبت الأحرار" من مكبرات الصوت، وفي الجانب الآخر، أطلق سائق القطار العنان لزمارات القطار، وهو يعبر الممر الفاصل بين محطتي مرس السلطان والمسافرين. الشعارات وإن أعدت مسبقا من طرف لجنة خاصة ضمت رئيسا اتحاد كتاب المغرب، وبيت الشعر، وتنسيقية الأحزاب، والكاتب والناقد المسرحي عبد الكريم برشيد، والشاعر صلاح الوديع، والصحافية والكاتبة بديعة الراضي، أبدع المواطنون شعارات أخرى، وكل إقليم حمل شعاراته الخاصة، إقليم جرادة هتف بصوت واحد "إدانة شعبية للمواقف العنصرية"، وتحية نضالية للوحدة الوطنية"، في إشارة إلى هذا التحالف بين كل القوى الوطنية يمينية، وإسلامية، وليبرالية، واشتراكية، ويسارية جذرية.