صدرت ثلاثة أحكام جديدة بالإعدام في بغداد أحدها ضد الوجه الوحيد المشرق خلال حكم الرئيس السابق الراحل صدام حسين ، أي ضد الدكتور طارق عزيز (اسمه الحقيقي ميخائيل حنا) الذي عرفته كل دول العالم وقدرت خصاله الكبيرة سواء كان في وزارة الخارجية العراقية أو لم يكن فيها، فقد كان المخاطب المرموق على الساحة الدولية. وإذ لم أتابع عدد الإعدامات التي صدرت ونفذت في قادة عراقيين سابقين ، في مقدمتهم الرئيس صدام حسين ، فإني أسارع للقول إني شخصيا وتشبثا بالمعايير الكونية لحقوق الإنسان أبقى من المناهضين لعقوبة الإعدام وخاصة في القضايا السياسية ومهما كانت فظاعة الجرائم المرتكبة، وعهد الرئيس العراقي السابق كان حافلا وجدا بمثل هذه الجرائم. ولقد اعتقد المراقبون في الآونة الأخرى أن موجة الإعدامات التي صاحبتها مظاهر مستهجنة من التشفي والإنتقام بعيدة عن كل روح إنسانية في العراق قد ولت وانتهت، ولكن العالم استيقظ على أن السلسلة ما زالت متواصلة ، وأنها امتدت هذه المرة إلى الرجل الذي كان أبعد من أن يتخيل أيا كان أنها ستطاله. وإذا بقي هناك طعن للإستئناف الذي لا ينظر في أصل القضية بل في شكليات قانونية الحكم والإجراءات، وقد تم رفض الإستئناف في كل القضايا السابقة المماثلة، فإنه يبدو واضحا بحكم السائد في العراق ورغم رفض الرئيس طالباني التصديق على أحكام الإعدام لقناعات إنسانية ، واحتمال تولي أي كان من مجلس الرئاسة ذلك التصديق ، يبدو أن طارق عزيز وهو كلداني كاثوليكي تابع للكنيسة الكاثوليكية في الفاتيكان سيساق إلى حبل المشنقة ، إلا إذا نجحت الحملة الدولية الكبرى في إثناء القادة العراقيين الحاليين عن هذا التنفيذ خصوصا بعد نداء البابا بينيديكت وعواصم مؤثرة من بينها واشنطن وباريس ولندن وبرلين وحتى موسكو . والرجل وقد شارف على الخامسة والسبعين من العمر، ويحمل أمراضا عديدة ، وقد أصيب بجلطتين قلبيتين وهو في السجن خلال السنوات السبع الأخيرة ، ييدو متماسكا منتظرا نتائج الحملة العالمية لفائدته أكثر من استئناف مشكوك النزاهة والنتيجة. ولعله لا بد من القول أن ما اتهم به طارق عزيز وهو شخصية مثقفة وآسرة (ومن قبله من حكم عليهم بالإعدام) ، لا يخضع حسب المعمول به ل"عدالة" بلاده المشكوك في نزاهتها بل لمحاكمة دولية باعتبار طبيعة التهم الموجهة إليه وهي الجرائم ضد الإنسانية والإبادة الجماعية، وباعتبار أن العدالة الدولية لا تصدر البتة أحكاما بالإعدام. ولعله جاء الوقت ليتحرك المجتمع الدولي الأهلي والحكومي معا لسحب مثل هذه القضايا من أيدي قضاء تابع ، وفي أدنى الأحوال لا يتمتع باستقلال قراره وليس مؤهلا لمحاكمة أعداء وخصوم سياسيين للحكم الحالي ، ولا تتوفر فيه الحيادية المفترضة في القضاء. * كاتب صحفي رئيس التحرير السابق لصحيفة الصباح التونسية