أعتقد أن من أفتى بمنع دخول القاصرين لملاعب كرة القدم لمتابعة مباريات أندية القسم الأول قد ارتكب خطأ فادحا في حق فلذات أكبادنا التي تمشي على الأرض. كما أن هذا المنع يُعتبر خرقا سافرا لحقوق الطفل الذي أصبح يتمتع في بلادنا ببرلمان ويحظى باهتمامات إنسانية من منظمات عالمية. صحيح أن بعض القاصرين يثيرون الشغب في الملاعب، صحيح أنهم يتعرضون لإصابات خطيرة أثناء اندلاع معارك ومشاجرات وفوضى بين الجماهير. ولكن المنع ليس هو الحل؟ فالقاصرون يحتاجون لمقاربة تربوية لتقويم اعوجاجهم وعقلنة تصرفاتهم. فبعد منعهم من دخولهم الملاعب أصبحوا يعسكرون في الشوارع والأحياء والأزقة و«يبردون غدايدهم» بتكسير زجاج الحافلات والسيارات وأحيانا اقتلاع مقاعد الحدائق وأعمدة الكهرباء والهواتف المبثوثة وتحطيم مصابيح الإضاءة وأحيانا يعترضون سبيل المارة. فالعديد من هؤلاء القاصرين يتحملون المشاق للوصول إلى الملاعب، فمنهم من يغامر ب«السليت في الطوبيس» ومنهم من يعتمد على رجليه ويقطع مسافة طويلة من مناطق سيدي البرنوصي، والتشارك والشيشان والحي المحمدي وابن مسيك ودرب الجديد وساحة السراغنة وأولاد حدو للوصول إلى الملاعب ثم يواجهون بالمنع ومنهم من يضطرون إلى اعتقال أنفسهم في الدرب ينتظرون مرور الحافلات التي تحمل الجماهير العائدة من الملاعب فيعبرون عن غضبهم وسخطهم برجمها بالحجارة. فالمقاربة الأمنية والزجرية والإقصائية لن تجدي مع القاصرين ولا تزيدهم إلا عصيانا وتمردا وتملأ قلوبهم كرها وتحفر في صدورهم حقدا وغلا. وقد أكدت دراسات علم النفس أن أغلبية الجانحين والمنحرفين واللصوص والمدمنين والشواذ تعرضوا في صباهم لمعاملات قاسية وللتهميش والاحتقار. ثم تعالوا لنتكلم بصراحة... فالأطفال الذين تتجاوز أعمارهم «12» سنة لم يعودوا قاصرين... فالقاصر في هذا الزمان لم يعد ذلك الطفل الظريف المهذب «الحشومي فقسوة الحياة اغتالت براءتهم وكدرت نقاوتهم. فبعض من نسميهم قاصرين لا تتجاوز أعمارهم «17» سنة أصبحوا يدخنون السجائر والمخدرات ويشربون الخمر ومنهم من ينخرطون ضمن عصابات إجرامية ومنهم من يتحرشون بالفتيات ومنهم من يمارسون الجنس مع النساء ومنهم من نراهم اليوم أصبحوا باعة متجولين و«فراشة» وماسحي أحذية، ومنهم من يشتغلون في محلات إصلاح السيارات والدراجات ومحلات النجارة ودكاكين البقالة والمحلبات ومنهم من يجازفون بركوب قوارب الموت للهجرة. والظاهر الآن أنه يجب إعادة النظر في تحديد سن القاصر فأغلبيتهم اليوم يتوفرون على هواتف محمولة ويستخدمون الأنترنيت ويتقنون ألعاب الفيديو. فالقاصر لم يهتم بربيع العمر ولا بعطر أزهاره وزقزقة عصافيره، فقد أرغمتهم ظروف العصر ليعيشوا الخريف بسقوط أوراقه وتقلبات مناخه... وليعشوا الشتاء ببرودة طقسه وعواصفه وأمطاره وليعيشوا الصيف بصهده وغدر أمواج بحاره. وقد أصبح القاصر اليوم «زربان» على عمره يتعجل كسب المال للعمل والزواج ويتعمد أن يتصرف ليظهر للعالم كله أنه أذكى من الراشدين. وعندما نحرمهم من الدخول إلى الملاعب لمشاهدة أنديتهم فإنهم يشعرون بالإهانة و«الحكرة» وعندما أغلقت في وجوههم أبواب الملاعب استخدموا أياديهم في التخريب والتحطيم والاعتداءات. افتحوا لهم أبواب الملاعب وأطروهم ولقنوهم وعقلوهم ولا تتركوهم في الشارع كالمنبوذين المحرومين المحتقرين وفكروا في مقاربة تحفظ للملاعب جمالياتها واحتفالاتها وتحترم مشاعر القاصرين، فالمقاربة الأمنية تجعل الناس خائفين وحاقدين ومستائين ينتظرون الفرصة لتفجير غضبهم وسخطهم، وحرمان القاصرين من دخول الملاعب يعتبر جريمة في مستقبل كرة القدم ببلادنا لأن هؤلاء الأطفال من المفروض أن نربيهم من الآن على الإقبال لمشاهدة المباريات لنرى ملاعبنا غاصة بالجماهير كما هو الحال في جميع ملاعب الأمم الراقية.