نظمت مجموعة البحث حول الإدارة والسياسات العامة التابعة لكلية العلوم القانونية والاقتصادية والاجتماعية بجامعة القاضي عياض في مراكش؛ ندوة دولية في موضوع: «أي دور للإعلام و الصحافة في التأثير على أجندة السياسات العمومية؟» يومي الخميس والجمعة 21 و22 أكتوبر 2010بقاعة المحاضرات بكلية الحقوق؛ وذلك بمشاركة عدد كبير من الفاعلين والمهتمين والخبراء والباحثين في قضايا الإعلام والسياسات العامة من المغرب والأردن ومصر وفرنسا، وبحضور عدد كبير الأساتذة والطلبة والمهتمين ونساء ورجال الإعلام. وقد شكل هذا اللقاء فرصة لتعميق البحث والنقاش في هذا الموضوع، ورصد مدى استعداد وقدرة الإعلام على التأثير في أجندة متخذي القرارات، واستحضار مختلف التجارب الدولية والعربية في هذا الشأن. ويأتي تنظيم هذه الندوة في سياق انفتاح الجامعة على محيطها وانخراط الباحثين في إغناء النقاشات الجارية بصدد الإعلام والمجتمع ومختلف القضايا الحيوية التي تشغل الرأي العام؛ والبحث في مدى قدرة وسائل الإعلام على مواكبة التحولات المجتمعية؛ ومتابعة السياسات التي تباشرها الدولة سواء على مستوى التحسيس والمتابعة أو التقييم والمراقبة من منطلق المسؤوليات الجسام التي يتحملها الإعلام على مستوى التنوير وتشكيل الرأي العام تجاه قضايا مختلفة. لقد مكنت المداخلات من الوقوف على أهم الإصلاحات التي باشرها المغرب في مجال الإعلام والاتصال؛ والتي تنسجم مع التحولات التي شهدها المغرب في العقدين الأخيرين والرهانات الكبرى والمسؤوليات الجسام المطروحة أمام الإعلام، من قبيل التطرق إلى مساهمة المجلس الأعلى للاتصال السمعي البصري في إطار دوره الرقابي في إبراز ووضع حدود حرية الإعلام السياسي تنسجم مع شروط ضمان الحرية والنهوض بمبادئ الديمقراطية؛ ومدى مساهمته في ترسيخ الحقوق والحريات المرتبطة بالمجال السياسي في ميدان الاتصال السمعي البصري.. وفي تعدّد المتعهدين، وتأثيث المجال بقنوات إذاعية وتلفزية عامة ومتخصصة ، تتوخى تقديم خدمات سمعية بصرية ومتنوعة وتروم القرب. كما سمحت الأوراق المقدمة في هذه الندوة بالوقوف أيضا على مجمل الاختلالات والعراقيل التي تعتور المشهد الإعلامي بشكل عام بالصورة التي تؤثّر في مردوديته على مستوى التأطير والتنشئة وتشكيل الرأي العام والتأثير في السياسات العمومية والدفع بمسلسل التحديث والدّمقرطة ومواكبة مختلف الأوراش التي تم إطلاقها، سواء تعلق الأمر بالإعلام الرسمي أو الصحافة الحزبية أو «المستقلة» أو الإلكترونية.. وإذا كان هناك من المتدخلين من أشار إلى وجود حد من تأثير الإعلام في السياسات العمومية؛ فقد ذهبت بعض المداخلات الأخرى إلى التأكيد بأن الصعوبات الجمّة التي تعتور أداء الإعلام بمختلف قنواته في هذا الشأن بالنظر إلى تعقد السياسات العمومية وارتباطها بقطاعات تقنية وإدارية من جهة؛ وضعف التكوين في مجال تقني يتطلب احترافية كبيرة، ووجود إكراهات في الولوج إلى المعلومات؛ يحوّل عددا من القنوات الإعلامية إلى مجرد وسيلة لشرعنة السياسات المتبعة. وهو ما تبيّن بصورة واضحة سواء على مستوى السياسة الدينية الجديدة للدولة منذ سنة 2004 حيث اكتفت الصحافة بتتبع خطوات هذه السياسة وتبني أهدافها دون نقاش عمومي؛ أو فيما يتعلق بمتابعة وتقييم قوانين المالية أو السياسة الخارجية للدولة.. وفي هذا السياق؛ ذهب أحد المتدخلين إلى أنه وبفعل التوظيف المكثف للتكنولوجيا الوسائطية الحديثة تحوّل الخطاب السياسي إلى آلية ل»شخصنة» السلطة على حساب طابعها المؤسساتي، مما خلق اعتقادا سياسيا خاطئا مفاده أن القرارات والسياسات العامة هي إنتاج الزعماء السياسيين بدل المؤسسات «الدولتية» (البرلمان؛ الحكومة؛ الدواوين الوزارية؛ الخبراء..). وقد مكنت المداخلات المقدمة والنقاشات المكثفة والبناءة التي أعقبتها من بلورة مجموعة من الخلاصات والتوصيات؛ يمكن إجمالها في: - الإقرار بأن تأثير الإعلام في السياسات العمومية باعتباره سلطة رابعة مفترضة إلى جانب السلط الثلاث التقليدية؛ يتطلب توافر شروط مهنية ذاتية مرتبطة بالكفاءة وأخلاقيات المهنة؛ وأخرى موضوعية مرتبطة بالإطار القانوني وهامش الحرية المتاح للإعلام. - التأكيد على أن التأثير على أجندة السياسات العامة ليس من مهمة الإعلامي لوحده وإنما هي عملية تشاركية تتطلب تفاعلا إيجابيا بين مختلف الفاعلين المعنيين بهذا الأمر من مؤسسات الدولة ذاتها وصحافة وأحزاب سياسية ومجتمع مدني.. - الدعوة إلى تعزيز آليات تواصل منفتحة ومسؤولة بين الفاعلين السياسيين ووسائل الإعلام على مستوى السياسات العمومية. - المطالبة بتطوير الاجتهادات في المجالات المرتبطة بالإعلام السياسي بمنأى عن كل التيارات والأجهزة الرسمية وغير الرسمية داخل الدولة. - التأكيد على أن تفعيل قوانين حرية تلقي المعلومات يحتاج إلى تغيير في العقليات والثقافة السياسية. - الدعوة إلى تمكين المجلس الأعلى للاتصال السمعي البصري من السند القانوني تشريعيا وتنظيميا في مجال الإعلام السياسي، ودعم دوره في ترسيخ مبدأ المساواة والتعددية في التعامل مع الفرقاء السياسيين سواء خارج فترات الانتخابات أو خلالها.. - التأكيد على دور الجامعة في تعزيز دور الإعلام في جانب البحوث العلمية المتخصصة وفتح وحدات للبحث والتكوين يدعم الإعلام المتخصص. - الدعوة إلى التعجيل بتقويم النصوص القانونية التي تؤطر حقل الإعلام على طريق تمتين دوره في بلورة رسالة إعلامية نبيلة تخدم المجتمع. - التنويه إلى ضرورة تمكين الإعلام من رؤية واضحة حول الإستراتيجات التي تتوخّى الحكومة تطبيقها في مجال السياسات العمومية. - التنويه بالدور الهام الذي يمكن أن يلعبه الإعلام الإلكتروني في تشكيل الرأي العام والتأثير في السياسات العمومية والمطالبة بوضع تشريعات تدعم مصداقيته وفاعليته.