من المتوقع أن يتم وضع مشروع قانون المالية بالبرلمان في موعده المحدد، وذلك وفقا للمادة 33 من القانون التنظيمي للمالية استعداداً لمناقشته من قبل ممثلي الأمة. ويظهر من المعطيات العامة لهذا المشروع أنه يعكس التوجيهات الملكية السامية التي هي في انسجام تام مع التوجهات العامة للحكومة والمتضمنة في البرنامج الحكومي الذي صادق عليه البرلمان. وعلى هذا الأساس فإن مشروع قانون المالية الجديد سيواصل تنفيذ أولويات البرنامج الحكومي التي ترتكز على توجيهات جلالة الملك التي أكد عليها جلالته في أكثر من مناسبة، وتهم بالخصوص تحصين الاجماع الوطني حول الوحدة الترابية عبر دعم مبادرة الحكم الذاتي للأقاليم الجنوبية، وتحقيق الأمن والاستقرار داخل وطن موحد، والنهوض بقطاعات التعليم والصحة والسكن، وتوفير الشغل المنتج وإصلاح القضاء، وضمان العيش الكريم للمواطنين. ويرتكز المشروع على فرضيات واقعية ارتباطاً بالظرفية الوطنية التي لها علاقة وثيقة بالظرفية الدولية، خصوصاً بالنسبة للأوضاع الاقتصادية داخل الاتحاد الأوروبي الذي يعتبر الشريك الاقتصادي الأول لبلادنا. ويعتبر هذا المشروع ميزانية اقتصادية واجتماعية تشكل جزءا من البرنامج الحكومي وآلية سنوية لتصريف مشاريعه وتحقيق أهدافه على أرض الواقع، حيث تعد الميزانية السنوية من بين أهم الأدوات التي تسخرها الحكومة لبلوغ الأهداف المنشودة. ويُركز المشروع على مجموعة من التدابير الجديدة منها ترشيد النفقات العمومية، خصوصاً على مستوى التسيير، مع العمل على الرفع من ميزانية التجهيز التي انتقل غلافها المالي إلى 166 مليار درهم مقابل 80 مليار درهم فقط برسم سنة 2007 وهو ما يعني أنها تضاعفت مرتين، في حين أن ميزانية التسيير تتجه إلى الانخفاض بحوالي 10% وهو مايعني أن الإدارة المغربية مطالبة بتقليص النفقات غير الضرورية. ومن بين أهم التدابير الأخرى التي جاء بها هذا المشروع إحداث صندوق التكافل الاجتماعي وإحداث المدينة المالية بالدار البيضاء وتقديم تحفيزات ضريبية للمقاولات الصغرى وعبر تخفيض يصل إلى حوالي 50% . والواقع أن مشروع قانون المالية جاء لمقاومة مجموعة من الإكراهات والصعوبات، ومواصلة التوجهات العامة الهادفة إلى توفير شروط التأهيل الاقتصادي ومواجهة التحديات عبر ترسيخ المكتسبات التي تتجلى في التحكم في معدل التضخم وفي العجز نسبة إلى الناتج الداخلي الإجمالي دون الاعتماد على المداخيل الاستثنائية، وهو هدف يؤكد على إيجابية معدل النمو واستقلاليته بالرغم من استمرار تداعيات الأزمة المالية والاقتصادية العالمية. ويظهر من المعطيات المرقمة أن المشروع يتوخى تحقيق مجموعة من الأهداف الكبرى تهم أولا: إنعاش المبادرة الاستثمارية عبر تقوية الاستثمارات العمومية، ومواكبة تطور القطاع الخاص، ومواصلة تحديث الإطار المؤسساتي والقانوني وإنشاء البنيات التحتية الضرورية وتوفير التمويل اللازم وتقليص كلفة الإنتاج وتأهيل النسيج المقاولاتي، وهي عوامل بإمكانها دعم تنافسية الاقتصاد الوطني، وتقوية قدرة البلاد على التصدير واستقطاب رؤوس الأموال والاستثمارات الأجنبية وجذب المزيد من السياح. وثانيا العمل على دعم القدرة الشرائية للمواطنين ومحاربة الفقر وتوسيع الأنشطة المدرة للدخل في مقاربة مندمجة تتوخى التقليص من الاختلالات الاجتماعية والمجالية، ويتبين أن هناك نوعا من التلازم بين تعزيز القدرة الشرائية للأسر وتقوية تنافسية المقاولات، باعتبار أن ذلك يشجع في الوقت نفسه على الاستهلاك وعلى الاستثمار، ويؤدي حتما إلى تسريع معدل النمو وتحريك الدورة الاقتصادية. وثالثا: مواصلة إصلاح التدبير العمومي وتعميق الإصلاحات الهيكلية عبر تأهيل الإدارة العمومية وتعميق شفافية الحسابات العمومية وضمان حسن تدبير المال العام. ورابعا: مواصلة مسلسل الإصلاحات الهادفة إلى تعزيز دولة الحق والمؤسسات عبر تأهيل أجهزة الدولة من قضاء وأمن وتعليم وصحة وسكن ومختلف القطاعات الإنتاجية والاجتماعية.