تعد المدينة العتيقة بالدارالبيضاء مكانا زاخرا بالأحداث المجسدة للزمن الجميل، تختزل بين جدرانها ذاكرة قل نظيرها بين المدن، ومع ذلك فهي أضحت نموذجا للإهمال واللامبالاة الذي طال معالمها التاريخية (السقالة والمرسى، العرصة...) حتى أن المعالم الثقافية التي تزخر بها عانت في ظل نظام وحدة المدينة من غياب برامج ترمي حمايتها كتراث والاعتناء بها وجعلها فضاء سياحيا يحفظ جزءا من ذاكرة البيضاويين، بسبب احتضانها لأغلب المعالم التاريخية بالمدينة وانجابها لزمرة من رجالات الحركة الوطنية والمقاومة ضد المستعمر حتى أن دروبها وأزقتها ظلت تشهد على ملاحم النضال الوطني الصادق وما ملحمة الشهيد محمد الزرقطوني إلا دليل على تجذر ورسوخ الفكر الوطني داخل المدينة. أضف إلى ذلك كونها جسدت وكرا لتفريخ رواد الحركة الفنية الموسيقية والمسرحية والسينمائية حيث شكلت فرقة بوشعيب البيضاوي نهضة فنية تجسدت في الثورة على الموروث من خلال جعل المسرح والموسيقى قاعدة لنشر الوعي الاجتماعي وبعث العمل الوطني من خلال طرح مجموعة من المواضيع من خلال الأعمال الفنية وكانت سينما »المدينة« والتي هدمت ولم يبق منها إلا الأطلال أحد الأماكن التي تعرض فيها هذه الأعمال. وبالحديث عن الفن السابع لا بد من طرح الإزدهار الذي عرفه هذا الفن بالمدينة العتيقة حيث أنها كانت تحتضن ثلثي عدد القاعات السينمائية بمدينة الدارالبيضاء ومنها سينما فيردان، ولامبيريا، وسينما المغرب والريو وأوبيرا والمدينة ومن المؤسف أنه لم يتبق من هذه القاعات إلا أربعة غير مشغلة (فيردان، الريو ، أوبرا، لامبريا) عبارة عن أطلال تشهد على واقع ثقافي ولى دون رجعة، في غياب أي سياسة ثقافية لبعث هذا الفن الذي اندثر بالمدينة وحلت محله مقاهي الشيشة وما خفي كان أعظم، كما شكلت أحياؤها ملاذا للمواهب الرياضية بمختلف الأنواع وما ملعب فيليب مركب العربي بنمبارك حاليا) وملعب لاكزا بلنيكز والنادي البلدي إلا شاهدة على عدة أبطال رياضيين بالمنطقة، المدينة القديمة التي تختزل وسط أزقتها المقر الذي عرف ميلاد نادي الوداد الرياضي العريق والمعروفة عند البيضاويين بدار الحاج بنجلون »شكولة«، وتختزل كذلك الوافدين عليها التداوي من الإصابات المتعلقة بالعظام والعصب والذين غالبا ما يقصدون دار المرحوم العياشي المشهور بالتطبيب في أمراض العظام حتى أن داره بزنقة التناكر بسيدي فاتح كانت تعرف إقبالا ذاع صيته وطنيا. وفي هذا الصدد وفي ظل نفض مجلس المدينة وعمدته يديه من التنمية الحضرية للمدينة وبعد مرور سبع سنوات على دخول نظام وحدة المدينة حيز التطبيق لازالت المنطقة ترزح تحت وطأة عدة مشاكل بنيوية وهيكلية: فانعدام آليات الصرف الصحي والإنارة العمومية المعطلة ومشكل الدور الأيلة للسقوط ومشكل النفايات وانعدام المرافق الاجتماعية والرياضية والشبابية كلها مشاكل لم تحرك في عمدة الدارالبيضاء أي شعور نحو إنقاذ المدينة القديمة. من هنا جاءت فكرة إنقاذ هذه المدينة وتأهيلها وإعادة الاعتبار لها كفضاء تاريخي وثقافي ورياضي وسياحي متميز وفي إطار سن مخطط لهذا التأهيل كانت الزيارة الملكية التاريخية ليوم 2010/08/17 محطة مهمة لوضع اللبنة الأساس لبلورة استراتيجية مندمجة لتأهيل وإنقاذ المدينة العتيقة، من خلال إعادة الاعتبار لها وانجاز برنامج استعجالي يبتدىء بالشطر الأول الممتد على مدى ثلاث سنوات من 2011 الى 2013 يهدف تأهيل المساكن خاصة الدور الآيلة للسقوط وتحسين عيش السكان وإبراز المعالم التاريخية لها وجعلها أكثر استقطابا للسكان. واعتبر رئيس مقاطعة سيدي بليوط أن ساكنة سيدي بليوط. عموما والمدينة القديمة خصوصا تسجل بمداد الفخر و الاعتزاز الالتفاتة المولوية الرشيدة والزيارة التاريخية للمدينة العتيقة، وأبرز أن الشطر الأول من برنامج تأهيل المدينة العتيقة يروم رصد حاجيات السكان وتقديم الحلول للمشاكل التي تعيشها المنطقة وسينطلق هذا البرنامج بتدبير ملف البنايات الآيلة للسقوط وترميم الأسوار وتقوية شبكة الصرف الصحي وترميم وصيانة المساجد العتيقة وأماكن العبادة الأخرى فيما سيخصص الشطر الثاني من البرنامج انجاز بحوث حول اشكاليات التسجيل والقيام بالدراسات التقنية لجميع البنايات الايلة للسقوط فيما سيشمل الشطر تحديد وإعادة تأهيل وتثمين المنشآت والبنيات ذات القيمة المعمارية والأثرية عموما فهذا المشروع يعد حلما لكل البيضاويين الغيورين على مدينتهم العتيقة وأصالتهم البيضاوية. من جهته أكد الأخ فهر الفاسي عضو الفريق الاستقلالي بمجلس المدينة وعضو مجلس مقاطعة سيدي بليوط على أن الزيارة الملكية الكريمة الأخيرة ستظل راسخة في أذهان ساكنة المدينة القديمة والذين يعتزون بهذه الالتفاتة السامية، ولعل هذا المشروع يعد ترجمة للإرادة الملكية لتأهيل الدارالبيضاء وخصوصا مدينتها العتيقة، وللتذكير فإن برنامج الحزب في الاستحقاقات الجماعية الأخيرة ركز كيثرا على جوانب تأهيل المدينة العتيقة باعتبارها ضمير البيضاويين، وأخذ في ملفه المطلبي على ضرورة العمل للحفاظ على المنشآت التي ترمز للفكر والتاريخ الوطني الأصيل للمنطقة ونحن فخورون أن يشرف جلالة الملك على مراسم التوقيع على الاتفاقية الخاصة بتأهيل المدينة القديمة، وأن تلتقي الإرادات السياسية والثقافية والجمعوية لانجاز هذا المشروع الطموح. كما عبر جل المسؤولين الاستقلاليين ومختلف الفعاليات الحزبية بالمدينة القديمة عن الفرحة التي تغمر ساكنة المدينة القديمة من خلال الزيارة الميدانية لجلالة الملك والعطف المولوي الذي يكنه جلالته لهذه المنطقة وقد تجسد من خلال مرور جلالته راجلا في جولة ميدانية بين أزقة المدينة والتقائه ومصافحته لسكان المدينة في تعبير واضح عن الحب المتبادل بين ملك ورعيته بالرجوع الى مشروع تأهيل المدينة القديمة أود أن أؤكد أنه جاء ثمرة نضالات أبناء المنطقة وجاء استجابة لحاجياتها ومتطلبات التنمية البشرية ولإعادة الاعتبار إليها كمنطقة تعرف هشاشة إجتماعية، وفي اعتقادنا في حزب الاستقلال فإنه يجب تدعيم برنامج التنمية الحضرية بالمدينة القديمة وإعادة الاعتبار للحرف التقليدية وهيكلة القطاع التجاري داخل أسوار المدينة خاصة التجار الصغار وإحداث وتقوية المرافق السوسيو ثقافية والاجتماعية والشبابية والرياضية خاصة إذا علمنا أن مقاطعة سيدي بليوط ورغم الأموال التي كانت تسير بها سابقا فإنها تفتقد لدار الشباب لذا يجب الاعتماد على العنصر البشري الذي يعد أساس كل تنمية مستدامة.