ولي العهد الأمير مولاي الحسن يستقبل الرئيس الصيني    وفاة شخصين وأضرار مادية جسيمة إثر مرور عاصفة شمال غرب الولايات المتحدة    جامعة عبد الملك السعدي تبرم اتفاقية تعاون مع جامعة جيانغشي للعلوم والتكنولوجيا    سفير ألمانيا في الرباط يبسُط أمام طلبة مغاربة فرصا واعدة للاندماج المهني    بوريطة: المقاربات الملكية وراء مبادرات رائدة في مجال تعزيز حقوق الإنسان    ولي العهد الأمير الحسن يستقبل الرئيس الصيني بالدار البيضاء الذي يقوم بزيارة قصيرة للمغرب    تحطم طائرة تدريب يودي بحياة ضابطين بالقوات الجوية الملكية    متابعة موظفين وسماسرة ومسيري شركات في حالة سراح في قضية التلاعب في تعشير السيارات    هل يؤثر قرار اعتقال نتنياهو في مسار المفاوضات؟    عشر سنوات سجنا وغرامة 20 مليون سنتيما... عقوبات قصوى ضد كل من مس بتراث المغرب    رسميا: الشروع في اعتماد 'بطاقة الملاعب'        أبناء "ملايرية" مشهورين يتورطون في اغتصاب مواطنة فرنسية واختطاف صديقها في الدار البيضاء    الصحراء: الممكن من المستحيل في فتح قنصلية الصين..    المغرب التطواني يقاطع الإجتماعات التنظيمية مستنكرا حرمانه من مساندة جماهيره        أول دبلوم في طب القلب الرياضي بالمغرب.. خطوة استراتيجية لكرة القدم والرياضات ذات الأداء العالي    مجلس الحكومة يصادق على مشروع مرسوم بوقف استيفاء رسم الاستيراد المفروض على الأبقار والأغنام الأليفة    الحزب الحاكم في البرازيل يؤكد أن المخطط المغربي للحكم الذاتي في الصحراء يرتكز على مبادئ الحوار والقانون الدولي ومصالح السكان    تعيينات بمناصب عليا بمجلس الحكومة    "بتكوين" تقترب من 100 ألف دولار مواصلة قفزاتها بعد فوز ترامب    الرباط : ندوة حول « المرأة المغربية الصحراوية» و» الكتابة النسائية بالمغرب»    بعد غياب طويل.. سعاد صابر تعلن اعتزالها احترامًا لكرامتها ومسيرتها الفنية    المنتدى الوطني للتراث الحساني ينظم الدورة الثالثة لمهرجان خيمة الثقافة الحسانية بالرباط    استطلاع: 39% من الأطفال في المغرب يواجهون صعوبة التمدرس بالقرى    تناول الوجبات الثقيلة بعد الساعة الخامسة مساء له تأثيرات سلبية على الصحة (دراسة)    بإذن من الملك محمد السادس.. المجلس العلمي الأعلى يعقد دورته العادية ال 34    المغربيات حاضرات بقوة في جوائز الكاف 2024    توقعات أحوال الطقس ليوم غد الجمعة    الاستئناف يرفع عقوبة رئيس ورزازات    المركز السينمائي المغربي يقصي الناظور مجدداً .. الفشل يلاحق ممثلي الإقليم    مؤشر الحوافز.. المغرب يواصل جذب الإنتاجات السينمائية العالمية بفضل نظام استرداد 30% من النفقات    طنجة.. توقيف شخصين بحوزتهما 116 كيلوغرام من مخدر الشيرا    ميركل: ترامب يميل للقادة السلطويين    لأول مرة.. روسيا تطلق صاروخا باليستيا عابر للقارات على أوكرانيا    زكية الدريوش: قطاع الصيد البحري يحقق نموًا قياسيًا ويواجه تحديات مناخية تتطلب تعزيز الشراكة بين القطاعين العام والخاص    ارتفاع أسعار الذهب مع تصاعد الطلب على أصول الملاذ الآمن    وزارة الإقتصاد والمالية…زيادة في مداخيل الضريبة        رودري: ميسي هو الأفضل في التاريخ    ارتفاع أسعار النفط وسط قلق بشأن الإمدادات جراء التوترات الجيوسياسية    أنفوغرافيك | يتحسن ببطئ.. تموقع المغرب وفق مؤشرات الحوكمة الإفريقية 2024    بعد تأهلهم ل"الكان" على حساب الجزائر.. مدرب الشبان يشيد بالمستوى الجيد للاعبين    8.5 ملايين من المغاربة لا يستفيدون من التأمين الإجباري الأساسي عن المرض    مدرب ريال سوسيداد يقرر إراحة أكرد    انطلاق الدورة الثانية للمعرض الدولي "رحلات تصويرية" بالدار البيضاء    الشرطة الإسبانية تفكك عصابة خطيرة تجند القاصرين لتنفيذ عمليات اغتيال مأجورة    من شنغهاي إلى الدار البيضاء.. إنجاز طبي مغربي تاريخي    تشكل مادة "الأكريلاميد" يهدد الناس بالأمراض السرطانية    شي جين بينغ ولولا دا سيلفا يعلنان تعزيز العلاقات بين الصين والبرازيل    جائزة "صُنع في قطر" تشعل تنافس 5 أفلام بمهرجان "أجيال السينمائي"    تفاصيل قضية تلوث معلبات التونة بالزئبق..    دراسة: المواظبة على استهلاك الفستق تحافظ على البصر    اليونسكو: المغرب يتصدر العالم في حفظ القرآن الكريم    بوغطاط المغربي | تصريحات خطيرة لحميد المهداوي تضعه في صدام مباشر مع الشعب المغربي والملك والدين.. في إساءة وتطاول غير مسبوقين !!!    في تنظيم العلاقة بين الأغنياء والفقراء    غياب علماء الدين عن النقاش العمومي.. سكنفل: علماء الأمة ليسوا مثيرين للفتنة ولا ساكتين عن الحق    سطات تفقد العلامة أحمد كثير أحد مراجعها في العلوم القانونية    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



دور التكنولوجيا السياسية في تخلف الدول
ماهي التكنولوجيا الممنوع نقلها؟
نشر في العلم يوم 03 - 09 - 2010

جاء كتاب » دور التكنولوجيا السياسية في تخلف الدول« الصادر ضمن منشورات وزارة الثقافة والفنون بالجمهورية العراقية، بمواجهة صريحة جامعة عالجت أخطر المشاكل التي تعانيها الدول المتخلفة، والنامية، والتي في طريق النمو، وأهمها قضية نقل التكنولوجيا الحديثة من الدول المتقدمة إلى تلك النامية وقد كشف المؤلف منير الله ويردي عن الخبايا والمحاولات التي تحاول الدول الأجنبية اتباعها لمنع الدول المتخلفة والنامية من الحصول على التكنولوجيا، ولا شك أنّ الكتاب في هذا الصدد يعالج مشكلة الاستعمار بشكله الجديد، أي ربط الدول النامية بعجلة الاستعمار عن طريق التبعية التكنولوجية. وقد سلط الضوء على تلك الأساليب وتقدم بنصائح في هذا الصدد ولعل أهمها وجوب رفض الدول النامية لمحاولات إقامة المشاريع بأسلوب المشروع الجاهز أو ما يعبر عنه بطريقة تسليم المفتاح (TURN KEY) إلا في حالات الضرورة القصوى. وليس أخطر على مستقبلنا من التخلف الدائم ما لم نملك زمام التكنولوجيا ونجتاز حدود المنطقة الخطرة للاستعمار الجديد، المتمثل بالتبعية التكنولوجية.
المبادرة والاعتماد على الذات:
ويقول صالح مهدي عماش في تمهيده لهذا الكتاب إن على الدول العربية إلغاء طرق تسليم المفتاح في كل المشاريع الصناعية والزراعية، ولابد من فسح المجال للاقتصاديين والمهندسين العرب للمشاركة في وضع الخطط وتنفيذ المشاريع مهما كانت نسبة المشاركة ضئيلة فإنها أنفع من الطريق الاتكالية، »طريقة تسليم المفتاح« والتي تشكل المصيدة للوقوع بدوامة التبعيية التكنولوجية أو الاستعمار الجديد، والتي ستقودنا إلى التبعية الفكرية.
ويدعو لحل مشكلة المشاركة في التنفيذ والتخطيط، باشتراك فنيين عرب من أقطار عربية أخرى بهذا الخصوص، إذا أعوز دولة عربية وجود الفنيين على المستوى القطري. بل يرى أن تتاح الفرص لكل عربي في الأقطار العربية الفقيرة أن يدرس على نفقة الأقطار العربية الغنية، وخصوصا منهم أولئك النابغين الذين حصلوا ويحصلون على معدلات ممتازة ولهم قابليات معينة.
إنّ عملية نقل التكنولوجيا لن يقوم بها إلا المؤهّلون لذلك ليس أحوج من العرب أمة بين الأمم لإحداث ثورة ثقافية شاملة يخطط لها ضمن نظرة تكافلية فيدرس الطالب اليمني أو التونسي أو الأردني الدكتوراة بالخارج، مثلا في موضوع الكيمياء أو الهندسة الالكترونية على نفقة الجامعة العربية. أو على نفقة الصندوق الثقافي العربي إذا ما أُسّسَ، أو على نفقة إحدى الدول العربية الغنية..
إن مثل هذا الاتجاه يقرب العرب من بعضهم نفسيا، ويحطم الحواجز القطرية كما أنه يقرب الأمة العربية من رسالتها الخالدة، التي لابد أن تقدمها للعالم، فتفعل وتتفاعل مع الشعوب الأخرى لتطوير الحضارة الإنسانية. كما تبرز أهمية الدراسة الوحدوية لكل مشروع ينشأ في الوطن العربي، فإن اقتصار الدراسة والجدوى الاقتصادية للمشاريع على أساس قطري وضمن تصور إقليمي ضيق، أمر لا يتسم بالعلمية إطلاقا، ويضيف صالح مهدي أن عددا كبيرا من المشاريع الصناعية والزراعية تقام في الوطن العربي على أساس غير سليم. وإنما ضمن نظرة قطرية محدودة فهناك مشاريع محطات نووية لإنتاج الطاقة الكهربائية تقام في بلدان عربية سوف لا يسكنها إلا عدد محدود من السكان عند انتهاء البترول. بينما البلدان العربية الغنية بالمصادر المائية والأراضي الخصبة والكثرة السكانية تعاني فقرا وعجزا ماليا لا يجعلها قادرة على إنشاء مثل هذه المحطات. ومثل هذا في المجال الزراعي، فمعلوم أن مساحة الوطن العربي حوالي 13 مليون كيلومتر مربع أي 1300 مليون هكتار لا يزرع منها حالياً سوى 54 مليون هكتار زراعة شبه بدائية إذ تترك نسبة تتراوح بين 21 - 70٪ بوراً بينما نرى المناطق المزروعة بالمحاصيل والغابات في فنلندة 21 مليون هكتار ونفوس فنلندة أقل من 5 ملايين نسمة.
وأشار المؤلف إلى بروز تعابير ومفاهيم مثل »الفاصل التكنولوجي« القائم بين الدول المتطورة والدول المتخلفة، وكذلك التمييز بين الدول الغنية والدول الفقيرة أو الشمال والجنوب، والدول الصناعية والدول »النامية«، وحيث إنها تفهم ضمن مجال التقسيم الجغرافي للمجتمعات المختلفة في العالم. ويلاحظ أن جل تلك المفاهيم ذات علاقة بالقدرة التكنولوجية للجمعيات حيث إن المجتمعات أو الدول المتخلفة اقتصاديا هي متخلفة تكنولوجيا أيضا.. ومن هنا برزت مفاهيم وعبارات من صنف ثالث وهي تتعلق ب »التكنولوجيا« نصف درجة تطورها أو ملاءمتها للبيئة والمجتمع، قسوتها وليونتها من حيث أثرها في المجتمع والطبيعة. فهناك التكنولوجيا المستنزفة للموارد الطبيعية والملوثة للبيئة والتي يطلق عليها اصطلاح التكنولوجيا القاسية وعلى عكسها التكنولوجيا »اللينة« الأكثر رفقا والأقل استهلاكا وتلويثا والأكثر ملاءمة ل »لتوازن البيئي«. وقد برزت أيضا الدعوة الى التكنولوجيا البديلة، وفي كل الأحوال أصبح واضحا أن اختيار التكنولوجيا ونقلها من دولة متقدمة إلى دولة متخلفة واتجاه تطورها بات خاضعا لعوامل سياسية مما برر استعمال مصطلح »التكنولوجيا السياسية«.
وهذا الكتاب يساعد على شرح المفاهيم الآنفة الذكر. ولا يخفى على القارئ الكريم ما للتكنولوجيا من علاقة بالموارد الطبيعية من معادن ومصادر للطاقة. والأمر ذاته ينطبق على الغذاء حيث إن توافر هذه وتلك والمقدرة على إنتاجها تعتمد على القدرة التكنولوجية.
أما تكاثر السكان والحاجة إلى رفع مستواهم المعيشي الذي يساعد على الحد من معدل ذلك التكاثر ومنع انفجار السكان فهو مرتبط مباشرة مع التنمية الاقتصادية والصناعية وهذه ترتبط بظاهرة تلوث البيئة.
والمواضيع الأساسية التي يشتمل عليها الكتاب هي:
1) التبعية التكنولوجية والتخلف.
وقد حاول المؤلف هنا شرح وجهتي النظر المتناقضتين، نظرية النمو الصفري - أو حدود النمو لجماعة نادي روما، ونظرية استمرار النمو المؤمنة بقدرة التكنولوجيا على حل كافة المشاكل التي يخشى من تفاقمها نادي روما بشكل غير قابل للرجوع مما يؤدي إلى انهيار المجتمع البشري.
2) التكنولوجيا، وهي محور موضوع الكتاب وقد حظي بأكبر نصيب من الشرح.
3) الجهود الخارجية للتطوير، أثرها السلبي في الدول المتخلفة ومساهمتها في إقامة الجدار التكنولوجي وتثبيت التبعية.
4) الطاقة والمعادن، وهما بدون شك من أهم عناصر القدرة التكنولوجية.
5) تلوث البيئة، وهو من نتائج التقدم الصناعي ومن أهم العوامل السلبية التي يجب الحذر من استفحالها في المجالين الاقليمي والعالمي.
6) الغذاء والزراعة، جوهر المعضلة البشرية.
7) أثر التكنولوجيا في المجتمع، وهو الموضوع الذي ينبغي الانتباه إليه في ضوء ما حصل في الدول الصناعية من تجارب كانت بعضها قاسية ومرة.
لقد حاول المؤلف تجنب عبارات المجاملة كعبارة »الدول النامية« بدل الدول المتخلفة لغرض تذكير القارئ باستمرار وتحفيزه لإدراك حالة التخلف و»عملية التخلف« ومن باب تسليط الضوء على أغلب ما يسمى بالمساعدات الخارجية من الدول الصناعية حيث تستخدم مبالغها لتمويل صادرات تلك الدول، فقد أشار إليها بعبارة »المبيعات« إذ من الواضح أن لولا تلك »المساعدات « لما أمكن للدولة الفقيرة المشمولة بتلك المساعدة شراء صادرات الدول الصناعية سواء كانت هذه من السلع أو الخدمات.
أهم ما ينبغي للدول المتخلفة الانتباه إليه هو اقتراب ذلك الوقت الذي سيتحتم فيه إيقاف النمو الصناعي أو التعرض المباشر لأخطار لا قدرة لها على تحملها وهي مازالت بأمس الحاجة إلى مثل ذلك النمو، بينما الدول المتصنعة التي تتمتع بمستو ى معيشي مرتفع يمكنها معه قبول إيقاف النمو لدرء الخطر. الأمر المخيف هو أن إيقاف النمو يمكن أن يتم - طوعا أو جبرا - بينما إعادة التوزيع
العادل للثروات بين الشعوب لاينسجم مع واقعيات العالم ولا أمل في أن يكون كذلك في المستقبل.
المساعدات الاقتصادية
يقول المؤلف إن للمنظمات المتخصصة ب »تطوير« الدول المتخلفة شعارات تنطوي على معان إنسانية محترمة، ونشرات منمقة مليئة بالأرقام والأدلة على ماتبذله الدول المتصنعة من جهود ل »مساعدة« الدول المتخلفة ولكن يجدر أن نترك ذلك جانبا لأهله ونلقي نظرة أعمق على باطن الفكر الغربي الذي يكمن خلف تلك »الواجهة« من الشعارات والنشرات.
ثمة توافق غير مقصود بين بعض تطبيقات المبادئ الإنسانية وبين مقتضيات الاستعمار ساعد على تفاقم أوضاع الدول الفقيرة، وذلك أن المبادئ الإنسانية اقتضت مساعدة الشعوب الفقيرة على مكافحة المرض والوباء بتحسين وسائل الوقاية والمعالجة الطبية والصحة العامة وإن كانت دوافع المساعدة الصحية تتعلق في بعض الأحيان بمتطلبات صيانة صحة المستعمرين أنفسهم في المستعمرات قبل أن تكون دوافع إنسانية محضة. وعلى كل حال فقد اضطرت الدول المستقلة حديثا والخارجة من عهد الاستعمار الكلاسيكي في حالة تخلف وفقر كاملين الى التركيز على توفير الغذاء لأبنائها المتزايدين وذلك بالانصراف الى مشاريع التنمية الزراعية وماتتطلبه من تخصيص الجزء الأكبر من الموارد القومية (وبضمنها موارد العملة الأجنبية) ولأجل حصول هذه الدول الفقيرة على العملة الأجنبية فقد اضطرت الى أن تبيع الى الدول المتصنعة ما تقبل هذه الأخيرة شراءه من الأولى، وكذا فقد حققت للدول المستعمرة (بكسر الميم) ما أرادته بدون احتلالها الفعلي للمستعمرات بحصولها على المواد الخام والمعادن والمواد الأولية والعمل الرخيص بصورة مستمرة ومضمونة، وتم تنظيم نظام النقد الدولي وتركيب هيكل الاسعار وأنظمة التجارة الدولية بما يتلاءم مع تلك الغاية. إن هذا النوع من »التبادل التجاري« ينطوي على ابتزاز للموارد والثروات الطبيعية المحدودة للدول الفقيرة مقابل ما يكاد يغذي أبناءه. إنه تسابق غير منصف على استهلاك هذه الموارد في وقت لاقدرة للشعوب الفقيرة فيه على استعمالها لرفاه أبنائها بسبب تخلفها التكنولوجي. إن هيكل النقد والتجارة والأسعار لاتعكس تعويضا معقولا للدول الفقيرة على ماتفقده الى الأبد من ثروات، كما وأن ذلك الهيكل يضمن تبادلا أقل عدالة وإنصافا بين مجهود العامل أو الفلاح على جانبي الجدار الفاصل بين العالمين المتقدم والمتخلف، وتدل بعض التحليلات على أن مجهود فرد في دولة صناعية يبادل بمجهود عشرين أو ثلاثين في الدول الفقيرة.
إن القلق الذي يسود الدول المصنعة حول تزايد سكان الدول الفقيرة له ما يبرره من وجهة نظرها، بل إن استمرار ذلك التزايد يجب أن يقلق الدول الفقيرة من باب أولى ولكن من حق شعوب الدول الفقيرة أيضا أن تقلق وتحتج على استمرار الدول المصنعة في استهلاك الموارد المحدودة للكرة الأرضية بهذا المعدل بدون أن يكون للأولى (الشعوب الفقيرة). فرصة للاستفادة من حصتها من تلك الموارد.
ظاهرة التخلف في الدول النامية
كان التخلف يوصف في السابق بثلاث كلمات بسيطة: المرض والفقر والجهل. ولكنه صار مؤخرا، لاسيما بعد الحرب العالمية الثانية، من أهم مواضيع الدراسة بالنسبة لعلماء السياسة والاقتصاد والاجتماع. كما أنه صار من أهم مشاغل الدول المتصنعة التي احتلت مقعد القيادة لآلة التطوير التي تعمل تحت شعار القضاء على ظاهرة التخلف.
عبر روبرت ماكنمار (رئيس البنك الدولي) عن حالة التخلف القصوى بالوصف الآتي:
1 مابين ثلث ونصف سكان العالم أو ما يقارب الألفين من الملايين من الناس يعانون الجوع وسوء التغذية.
2 مابين 20 و 25 في المائة من الأطفال يموتون قبل بلوغ الخامسة من العمر. والملايين الذين يبقون أحياء بعد هؤلاء يعيشون حياة مقيدة وبطيئة بسبب ما لحق بأدمغتهم وأبدانهم من خراب، وانهم قليلو الحيوية بسبب سوء التغذية.
3 العمر المتوقع يقل ب 20 سنة عما في العالم الميسور. أي أنهم محرومون من 30 بالمائة من العمر الذي يتمتع به أبناء العالم المتطور. في الواقع إنهم محكومون بالموت المبكر منذ ولادتهم.
4 حوالي 800 مليون من هؤلاء لايعرف القراءة والكتابة. وبالرغم من التوسع المستمر في وسائل نشر الثقافة فإن ذلك العدد سيزداد بالنسبة لأبنائهم.
وأما فيما يتعلق بالتخلف التكنولوجي والاستغلال بين الدول، فيقول المؤلف إن الحد الأدنى من الاكتفاء التكنولوجي يتحقق عندما تتمكن المجتمعات من تزويد أبنائها بمتطلبات الصحة العامة من مياه وكهرباء وغذاء وكساء وسكن وعلاج بدون الاضطرار إلى طلب المعونة من الخارج ودفع الثمن بصورة »مجحفة«.
ولكن باستمرار تزايد نفوس الدول النامية (المتخلفة) تتفاقم مشاكل إعداد وتوزيع تلك المتطلبات الضرورية، الأمر الذي يستوجب الاستعانة بالتكنولوجيا الحديثة المستوردة لسد النقص، وقد بلغت كثافات السكان لبعض المناطق من الخطورة حيث أصبحت معها المساحات المخصصة للزراعة غير كافية لإنتاج الغذاء لما يكفي الجميع، وبالنسبة لبعض البلدان أصبحت مقادير المياه المتبقية غير كافية لأغراض الريّ لبروز استعمالات إضافية لها أو لخزنها خلف سدود عالية لغرض إنتاج القدرة الكهربائية. ولبقاء واردات الحقول الزراعية في مستواها الواطئ بالنسبة إلى متطلبات المعيشة للعاملين فيها، أخذت الهجرة من الريف إلى المدينة تتسارع حيث تفاقمت الأحوال في المدن الكبيرة التي ظلت غير قادرة على تحمل أعباء الخدمات الصحية والاجتماعية وبناء الهياكل التحتية اللازمة كمشاريع المياه والكهرباء والمجاري والشوارع وتجهيز وسائل النقل والمدارس والمستشفيات....
ومن الأضرار غير المباشرة للتخلف التكنولوجي تبني الأنواع غير الملائمة من التكنولوجيا، ومجابهة العوائق والقيود في مضمار نقل التكنولوجيا ومنع هذا النقل أو التنازل عن حقه، بالإضافة إلى التأثيرات البعيدة المدى للتكنولوجيا الدخيلة وتشويه الأهداف الوطنية في تنمية المقدرة التكنولوجية المحلية.
ماهي التكنولوجيا الممنوع نقلها؟
إذا استثنينا بعض أنواع التكنولوجيا المعاصرة الرفيعة لاسيما في مجالات الذرة والفضاء الخارجي وبعض الأدمغة الإلكترونية فإن بإمكان معظم الدول المتخلفة شراء المعامل المختصة بصنع كل ما تحتاجه من سلع إذا تمكنت من دفع ثمن ذلك المعمل.
وإن ما تشكوه أغلب الدول الفقيرة من نقص في مقدرتها التكنولوجية ليس له علاقة بتلك الأنواع الرفيعة من التكنولوجيا والتي لاتشكو من نقصانها إلا الدول التي قد قطعت شوطا كبيرا في مسيرتها نحو حالة التطور المتكامل.
لكن مجرد التمتع بحرية اقتناء المعمل لايعني أن أبواب انتقال التكنولوجية الممثلة بذلك المعمل مفتوحة على مصراعيها أمام الدولة التي تشتري وتقوم بتشغيل المعمل. ويصف الاستشاري م.ا.م شعبان من منظمة التصنيع المصرية في القاهرة حالة عدم انتقال المعمل وتشغيله في إحدى »الدول المجاورة« بأنه عندما قام بزيارة للمعمل وجده يشتغل بسدس طاقته الانتاجية فقط نتيجة لانعدام الصيانة اللازمة له. ويذكر الاستشاري شعبان أن الكثير من الدول المتخلفة تكتفي بتدريب إطار يكفي لتشغيل المعمل فقط وتهمل الإطار اللازم لصيانته..
الواقع أن الدول التي تملك الأطر الفنية اللازمة لصيانة معاملها تشكو هي الأخرى من عواقب النقص في القدرة التكنولوجية المتعلقة بتلك المعامل، وهذا يجرنا كما يقول المؤلف إلى النظر إلى جوهر الموضوع ما العلة في ذلك؟؟ كيف انتقل المعمل وانتقل مشغلو المعمل وانتقل القائمون بصيانة المعمل ومع كل ذلك لم تنتقل التكنولوجيا التي يمثلها ذلك المعمل؟؟ إن التكنولوجيا تنتقل متقمصة بالوسائل الثلاث التالية:
1 الأشخاص 2 المعدات. 3 الهندسة. وقد شرح المؤلف كل عنصر من هذه العناصر واعتبر الصناعات الهندسية من أهم أركان عملية نقل التكنولوجيا الصناعية إلى الدول المتخلفة. وللصناعات الهندسية أهمية اقتصادية اجتماعية لأنها مركز التطور التقني وبؤرة التحول الاجتماعي.
ثم تحدث عن المساعدات الخارجية للتطوير والاتفاقيات الثنائية أو الحاجة إلى العملة الصعبة. والقيود غير الرسمية والخفية.
والأسرار الصناعية وبراءات الاختراع والرخص الصناعية، وهيكل التجارة والنقد الدوليين، كما تطرق للعوامل الداخلية ضعف الثقة بما هو محلي، وسماسرة المصالح الأجنبية، والقيود الحكومية .


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.