أخوة وصفاء و تعاون، هكذا هم جيران أيام زمان، كانوا يحافظون على محبة بعضهم لبعض وتسامحهم وتراحمهم وتعاطفهم، ذكريات جميلة وحنين للماضي، غير أن رياح التغيير وإيقاع الحياة المتسارع الذي نشهده اليوم شتت الشمائل وانسى المرء جيرانه، ولنتذكر كيف كان الجيران يطلبون حاجاتهم البسيطة من بعضهم البعض، " كتسلم عليكم أمي وتقول ليك واش عندكم شوية السكر"،أو "شوية الملحة"،أو "شوية النعناع"، اليوم تعد هذه الطلبات بين الجيران صفاقة وقلة ذوق.. جيران الشقق تنافروحذر مناسبة هذا الكلام هو حضوري قبل أيام قليلة مناسبة تأبين أقدم مدرب لكرة التنس بمدينة الجديدة محمد الشعيبي الملقب بكبير، ورأيت ما يدل على مكانة الجار ومنزلته وفضله بشارع مولاي عبد الحفيظ زنقة مصطفى بن محمد بمدينة الجديدة، وعدت منها وكلي حنين للماضي، حيث سرح بي هؤلاء الجيران الطيبون إلي سنوات الستينات والسبعينات، حيث كان الجيران جميعا يدا واحدة وأسرا مترابطة ومتكاثفة، رأيت جيران هذا الحي يساعدون دون آن يطلب منهم ذلك، يمدون يد العون والمساعدة، قاموا بإعداد طعام الكسكس للمعزين بسخاء ، فقد كان رحمه الله حسب شهادات أهل الحي على خلق عال، حسن المعشر، عطوفاً مع الجيران ومع شبابه خاصة.. ما حدث داخل حفل العزاء يجعلنا نسترجع كيف كان الناس داخل الحي عائلة واحدة متعاونين وقريبين من بعضهم البعض، وكانوا يدا واحده في كل الأمور خاصة في الشدائد، فكانت المحبة و التعاون شعارهم، يتقاسمون الأغراض والأشياء مهما كانت قيمتها المادية فلا شيء أغلى من الجوار وحتى الهموم يتقاسمونها.. وفي الأمثال المغربية ما يعكس كل هذا على اعتبار أن المثل المغربي تعبير صادق ونابع من المجتمع، "عَارْ الْجَارْ عْلَى جَارُو" "اللي ما عَندُه دار كل يوم له جار " "الْجَارْ لْلْجَارْ وَلَوْ جَارْ" "الْجَارْ قْبْلْ الدَّارْ"، حتى الأطفال لم يكن يسأل عنهم أو يخاف عليهم إذا غابوا عن البيت، فهم في بيت جيرانهم طبعا ، ولم نكن نسمع في ذاك الوقت عن قضية خطف أو اغتصاب طفل أو طفلة كان الأمن والأمان والطمأنينة هو السائد، كان الجيران عائله واحدة يفرحون مع بعضهم البعض ويحزنون أيضا مع بعضهم البعض..الان اصبحنا اشبه بمن يعيش داخل الغابة ..واول من نخاف عليهم داخل هذه الغابة هم اطفالنا... الجوار فقد قيمته الدينية ومعناه، فحسن الجوار أصبح من الماضي، وأصبحت التحية هي الأخرى تزعج، خاصة داخل العمارات ، ولا يحتاج المرء إلى كثير من الوقت والبحث ليصطدم بواقع يطلعه أن الزمن تغير و"جورة "زمان لم تعد كما كانت، و التآلف تحول إلى تنافر، خاصة لدى من يسكنون في الشقق إلى حد أن هناك الكثير من الناس لا يعرفون إن كان جارهم الذي يسكن في الشقة المجاورة يسكن معهم في نفس العمارة أم لا ؟ فالكل أصبح لا يهمه جاره مهما حدث ومهما جرى، وهذا كله لم يحدث إلا بسبب ابتعادنا بالدرجة الأولى عن الدين وعن تعاليمه وسنة رسولنا صلى الله عليه وسلم وعن هديه وقد وصل الأمر عند بعض الجيران أن بلغوا ردهات المحاكم ومخافر الشرطة لفض خلافاتهم... و من سكن المدن العتيقة مؤكد سيحتفظ في ذاكرته بقصص مع الاهل والجيران ولاني من مدينة مراكش بكل ما تعنيه من بساطة العيش وراحة البال وصفاء النفوس داخل احيائها الشعبية، يجذبني الحنين إليها بقوة، كانت الحياة تسير ببساطة داخل دروب احياء مراكش، حياة يحيط بها الهدوء والمودة والمحبة الصادقة و الأخلاق الحميدة وكل ماهو طيب أتذكر التعامل بين الجيران بدرب المرستان الزاوية العباسية، أتذكر جيراننا دار أمي لالة لعزيزة ودار أمي لالة لحبيبة وأمي الصحراوية، ودار بورحيم ودار المازوني، ولا ادري من مات ومن مازال على قيد الحياة، كنا نشعر ونحن صغارا أن كل البيوت بيوتنا وكل الجيران أهلنا، الصغير أخونا والكبير أبونا وعمنا، كنا نلهو ونلعب سويا مع أبناء الجيران، والكبار يجتمعون بكل مودة وحب صادق وسرور، لكن اليوم أصبحت كل هذا إرثا من الماضي الجميل الذي لم يعد له وجود، عالم الساتليت والانترنيت الذي لم يصبح فيه للمشاعر الإنسانية أي وجود ، وأضحت النفوس غير صافيه، وسادت أعراف جديدة بين الجيران، منها التخوف والحذر من الجيران، ناهيك عن المشاكل و نيران الحسد والغيرة، حتى أصبح الكثير من الناس لا يكترث بحق العلاقة التي تنشأ بين الجيران، فأصبح الجار يتحاشى الخروج من بيته حين يعلم أن جاره يهم بالمغادرة، وحين يلتقيان لا يتبادلان التحية كيف هو جارك ؟ كيف هو جارك ؟ بهذا السؤال استجوبت بعض من الناس، يقول محمد الناجي موظف: إن عصر الجار المسالم الطيب الذي عرفناه في طفولتنا قد انتهي وحل محله جار الخبث والسوء الذي لا يحترم جيرانه، وأن أغلبية النساء، خصوصا ربات البيوت يقعن في مشكلات بسبب العلاقات المتداخلة مع الجارات، وأيضا بسبب الثرثرة الزائدة، أما سعيد زاوي موظف فيرفض إقامة علاقات مع الجيران، لأن الجيران قد يكونون سببا مباشرا في الكثير من المشاكل التي تدفع الأسر ثمنها علي حساب طمأنينتها وراحتها النفسية، أما بالنسبة للسيدات وربات البيوت، فإن تجاربهن متباينة، حيث تقول خديجة موظفة: اكتوت بنار جارتي التي تملك أسرار العائلة، سربت كل ما تعرفه من أخبار إلي الجارات الأخريات في الحي، وحينما فاجأني زوجي بحقائق لم تكن في حسباني، انهرت باكية ونادمة علي الجارة التي تعاملت معها وأقسمت بألا تكون لى أية علاقة أخرى مع أية جارة ، فيما تتحسر جميلة المودني علي جيران زمان، تغير الزمن اذا وساءت علاقات الناس بعضهم ببعض ، كانت الجوار محبة صادقة لا تتكسر أمام الصعاب والمشاكل والخلافات، أين الجار من جاره اليوم ؟ هذه العلاقة اختلت وأصبحت شبه معدومة فأصبح الجار لا يعرف جاره، وحتى إن عرفه فهو يفضح أسراره، الجيران يتشاجرون بسبب الأطفال والنظافة والضوضاء والنميمة، وتتحول بعض الخلافات البسيطة إلى اعتداءات وجرائم فظيعة، وربما لازالت هناك علاقات جميلة بين الجيران داخل أحيائنا الشعبية وما زال هناك ترابط بينهم ، كما هو حال جيران شارع مولاي عبد الحفيظ بزنقة مصطفى بن محمد بمدينة الجديدة وأيضا في القرى والبوادي ولكنها على نطاق ضيق...