لا أمل في تسريع وتيرة النماء في مجتمع لا يعطي للبحث العلمي الأهمية التي يستحقها، فالبحث العلمي هو القاطرة العلمية التي يكون بمقدورها جر باقي قاطرات التنمية. من الغباء أن ندير ظهورنا لهذا الخيار الاستراتيجي الوحيد ونوهم أنفسنا باعتماد خاطئ مفاده أنه يمكن التحكم في إشكالية التنمية دون اعتماد وبصفة جدية لآلية البحث العلمي. إن الأمر يتعلق بالشرايين السليمة التي تمكن الدورة الدموية من أن تسري في الجسد بسيولة وليونة، والشرايين هنا هي سبل التنمية والجسد هنا هو التنمية نفسها. تقول الاحصائيات إننا لا نخصص من مجموع إنفاق الدولة من الناتج المحلي الإجمالي سوى0.75 بالمائة لتمويل البحث العلمي، وطبعا لابد من الإشارة إلى طبيعة البحث العلمي الذي ننجزه حتى في إطار هذه النسبة الضئيلة جدا، وكلنا يدرك جيدا مستوى البحوث العلمية في جامعاتنا ،وفي باقي مراكز البحوث العلمية، والذي لا نقول إنه يدعو للقلق بقدر ما نؤكد أنه يدعو إلى الشفقة . بعض التجارب صالحة للمقارنة في هذا الصدد، فلا أحد يجادل أن اليابان استطاعت تحقيق ما حققته وأضحت قوة اقتصادية ضاربة بفضل اعتمادها على آلية البحث العلمي، وتوضح الاحصائيات أن السلطات اليابانية تخصص ما نسبته 3,39 بالمائة من ناتجها المحلي الاجمالي لتمويل البحث العلمي، وطبعا حينما ندرك حجم هذا الناتج المحلي الإجمالي لدى قوة اقتصادية محيرة فعلا نقف عند حجم المبالغ التي تصرف في هذا الشأن، ففي بلد كالسويد حيث أضحت جميع تدخلات الدولة والخدمات التي تعرضها للمواطنين مجانا نجد أن السلطات هناك تعطي أهمية استثنائية للبحث العلمي حيث تخصص نسبة عالية جدا تتجاوز ما تخصصه اليابان حيث تصل هذه النسبة إلى 3,73 بالمائة من الناتج المحلي الإجمالي، ونفس الأمر ينطبق على التجربة الفلندية حيث تقارب نسبتها ماهو موجود في اليابان وتصل إلى 3,37 بالمائة. قد تكون مشكلتنا بل قد تكون عقدتنا تتعلق بالتجربة الفرنسية التي لا تعطي نفس الاهتمام إلى البحث العلمي وتعتبر التجربة الفرنسية من أضعف التجارب في أوربا والعالم المتقدم حيث لا يتجاوز إنفاق الحكومة الفرنسية من الناتج المحلي الإجمالي 2,09 بالمائة ، وهي ليست بعيدة على كل حال عن النسب المخصصة في دول العالم الثالث، ومن الصعب أن نسلم بأن قدر المغاربة الامتثال لهذه التجربة التي لا تبدو متقدمة على كل حال، فالإشكال المطروح الآن بإلحاح لدى الأوساط العلمية الفرنسية هو هذا الاتساع المهول بين قدرة بلدهم على مسايرة تجارب أوربية جد متقدمة، وهم الآن يتخوفون من أن تصبح فرنسا مع مرور الوقت متجاوزة ويتعذر عليها اللحاق بركب البحوث العلمية في أوروبا والعالم. إننا في حاجة ملحة إلى أن نعيد النظر في قضية البحث العلمي في بلادنا، والمؤكد أن مثل هذا الخيار يتطلب شجاعة قبل الإرادة، لأنه سيتطلب الحسم في قضايا أخرى لفائدة البحث العلمي، قد لا تتجلى النتائج الايجابية في المدى المنظور ولكنها مضمونة على كل حال في المدى المتوسط والبعيد. نقول الشجاعة قبل الارادة أو هما معا، لأننا لا نعتقد أن الإرادة ليست موجودة، ولكن الحسم في الأولويات هو الذي نعنيه بالشجاعة، أما أن نبقى على هذا الحال فإننا لن نتحمس للمراهنة على تسريع وتيرة النماء في البلاد رغم كل الجهود التي تبذل ونحن نعترف بها.