يبدو أن جدول أعمال اشتغال المجتمع الإعلامي المهني العالمي يعطي أسبقية كبيرة لقضايا وظواهر ومعطيات ومستجدات لاتجد لها نفس الموقع في اهتمامنا الإعلامي المهني العربي، قد يكون لذلك إرتباط وثيق ومباشر بخصوصية الأوضاع السياسية السائدة في المنطقة العربية حيث يسود التجاذب مابين مختلف الفرقاء حول قضايا قد تبتعد أو تقترب من المشهد الإعلامي ولكنها على كل حال ليست من صلبه ولاعمقه. ينشغلون الآن في العديد من دول العالم بإشكالية لايمكن لأي كان أن يدرك حجم تأثيراتها ولا المحطة التي ستنتهي إليها، إنهم يقيسون تأثيرات تداعيات الأزمة الاقتصادية العالمية على قطاع الإعلام، يقولون إن الوسط الإعلامي في الولاياتالمتحدةالأمريكية فقد لحد الآن أكثر من أربعين ألف منصب شغل في هذا القطاع الذي كان إلى عهد قريب يحتل موقعا متقدما ضمن قطاعات اقتصادية أخرى، إنهم يعبرون عن تخوفاتهم من أن هذه الأزمة هي الآن بصدد إعطاء صورة جديدة لوسائل الاعلام لاأحد يدرك خصوصياتها وهويتها. ولكن الواضح أن شبح التمويل وضعف القدرة على الاستثمار سيزيد من خضوع وسائل الإعلام، في الولاياتالمتحدةالأمريكية وفي غيرها، الى سلطة المال وطبيعة إرادة المعلنين، ولقد أبانت دراسة حديثة نشرت أخيرا في إسبانيا مثلا أن تأثيرات تداعيات الأزمة أفضت إلى انعدام ثقة 38 في المائة من الإسبان المستجوبين فيها تنشره وسائل الإعلام في بلدهم. ودعنا نبقى في نفس هذا الجزء من العالم الذي يبدو ظاهريا أنه يقبل ويتعايش مع مظاهر أخلاقية كثيرة يصعب التصديق بالتعايش معها، فلقد تنامت خلال الفترة الأخيرة أصوات كثيرة منبهة إلى إشكالية في غاية الصعوبة، فلقد بدا في هذا العالم منطقيا أن تساهم بعض الأنشطة غير المشروعة في تمويل الصحافة، طبعا لايتعلق الأمر بعائدات المخدرات، فتلك مسألة محسومة، ولكن بأموال كثيرة تحصلها كثير من الصحف من إعلانات الدعارة وتجارة الجسد والجنس، ففدرالية جمعيات الصحفيين الإسبان ووزارة المساواة في حكومة الأندلس تقودان حملة قوية للمطالبة بالحد من هذا النوع الخبيث من النشاط، ومهم أن نذكر بأن هذه الحملة تركز على منشورات يومية (البايس) الإسبانية التي أبانت بعض الاحصائيات أنها استفادت من خلال إصرارها على نشر اعلانات الدعارة بعائدات مالية مهمة وصلت سنة 2009 إلى ثلاثة ملايين أورو. الجرائد الأوربية المورطة بصفة تبدو شرعية ترد بأحقية نشر هذا النوع من الإعلانات لأنه لايوجد مايمنع ذلك قانونا. ومن الناحية القانونية الصرفة فهذا كلام سليم. ولكن الصحافة ليست قوانين فقط بل هي أخلاق أولا وأخيرا. ثمة قضايا أخرى نقاسم العالم الإنشغال بها، فقد أكدت نقابة الصحفيين في الأرجنتين في أحد تقاريرها أن 48 بالمائة من الأخبار الرائجة في وسائل الإعلام في مختلف أصقاع المعمور تفتقد إلى المصدر مما يفقدها المصداقية والشرعية المهنية، فغياب المصدر في الخبر هو بمثابة الافتقاد الى أحد أهم مكونات البناء في تشييد أي منشأة عقارية، والتي تكون مهددة في أية لحظة من اللحظات بالإنهيار فوق رؤوس ساكنيها أو العابرين لها. من المؤكد أن هذه السنة ترتفع بشكل قد يكون مذهلا في ممارستنا الصحافية، ولكم أن تتصوروا هول وحجم الأضرار الناتجة عن ذلك. في دول أمريكا اللاتينية وآسيا نجد قضايا أخرى وإشكاليات مختلفة تتقدم هذه الانشغالات، حيث تقول إحصائيات نقابة الصحفيين في البيرو إن أربعة صحفيين تتم تصفيتهم بواسطة القتل كل شهر في دول أمريكا اللاتينية، في حين تعلن منشورات الفدرالية الدولية للصحفيين أنه في الفلبين وحدها تم اغتيال أكثر من 100 صحافي خلال العشر سنوات الماضية، وهذه مناطق لا توجد فيها حروب، ولا احتلال، نحن لانتحدث عن فلسطين أو العراق أو أفغانستان أو الصومال، الحديث هنا عن دول تمارس فيها مافيات المخدرات وشبكات الدعارة ومجموعات الضغط السياسية القنص ضد الصحفيين، ذلك أنك حينما تقبل بالاشتغال في هذه المهنة في تلك الربوع، فإنك تضع أمنك وحياتك بيد الآخرين. فأي مصير ينتظر هذه المهنة ياترى، بعد كل هذا الذي يحدث؟ سؤال يحتاج إلى صياغة مجرد مشروع جواب، فمن يقدر على ذلك؟