اختيار مسألة العنوان كموضوع للدراسة حول ألف ليلة و ليلة ،مسألة بهذا القدر من الإستطراد و من الإفاضة تمّ بحثها قديما ، ولا يمكن أن يجد مسوّغه إلاّ في الفتنة التي ما زال يمارسها على الشرق وعلى الغرب و في كلّ مكان . مع ذلك ، لم يرتق هذا العنصر النصي الموازي ، في اعتبار الباحثين ، إلى درجة القيام بأبحاث ذات نفَس طويل كما تحظى بذلك المظاهر الأخرى لهذا الأثر : تنقيح المخطوطات المختلفة ، النشر المتكرّر و الترجمات ، التّتابع المسوّغ للحكايات ، الآلة السردية لليالي أو أيضا دراسة هذه الحكاية أو تلك . كذلك و على النقيض من التقدّم الملاحظ في كلّ الوجهات السابقة ، بقيت المقاربة العلمية للعنوان مجمّدة إنْ لم تكن خاضعة لمدارات البحث الأخرى . هدفنا هو قلب تسلّط النص على العنوان ، لأنّ العنوان ، كلّ عنوان ، سواء وُضع سابقا أو لاحقا ، هو نواة يتناسل النص وتأويله انطلاقا منها ، و ليس مجرّد مُعيّن أو مُسمّ ، يبقى علمنا به ، رغم ذلك ، دون الكفاية . كلّ الباحثين يجمعون على القول بأنّ ألف هي الترجمة للكلمة الفارسية هزار Hazar التي تعني ألفا و بالتعميم « عددا كبيرا « . لكن ، بخلاف هذه البديهية ، يمضي الإثبات التالي ل» ليتمان « * : « في الأصل ، تدلّ « ألف حكاية « فقط على عدد كبير من الحكايات ... لكن ، فيما بعد ، تمّ تناول العدد في معناه الحرفي « (1) . ملاحظة ليتمان هي بالتأكيد حصيفة ، مع ذلك ، كانت ستكون ذات فائدة ثمينة لو أنّ الباحث أوضح من قبل مستنتجا من المصادر المكتوبة المأذونة أنّ الكلمات ، عند العرب و الفرس ، تُولد أوّلا مُصابة بالمعاني المجازية ثمّ ، بعد ذلك ، تلتحق بالمعاني الحقيقية . استدلال ليتمان هو إذن جدّ مثير ، بقدر ما هو عبثي لاسيّما أنّ المعنى الحقيقي ، بداهة ، لا يُشتق أبدا من المعنى المجازي إلاّ إذا اعتبرنا اللغة ، مع ملارمي ، كمقبرة من المجازات . الليلة المضافة إلى عدد ألف ، حسب Gildmeister *، تجد تبريرا لها في الحاجة إلى توقيع العنوان ( جعل العنوان له إيقاع ) ، و حسب ليتمان تبرز في سطوة و سحر الاستعمال الاصطلاحي التركي bin bir) 2) . مهما كانت هذه الإشارات ملائمة ، فهي تبقى دون مستوى القيمة المرجعية و الرمزية لليلة « الفائضة « لأنّه ، إذا كان الأمر لا يتعلّق سوى بمسألة الإيقاع و التناغم ، فإنّ عنوان « ألف « ( أو ألف خرافة أو أيضا ألف خرافة و خرافة ) يمكنه أن يكفي لاسيّما و أنّه لا يمثل أيّة صعوبة في التلفظ . على العكس ، فإنّ الفونيمات التي تؤلّف العنوان و المجانسة الصوتية في حرف ( ل ) هي مستحبّة للأذن أكثر من بيت رامبو الشهير : A noir , E blanc , I rouge , U vert , O bleu : voyelles ... إذا كان الأمر يتعلق باقتباس قياسي أو تماثلي من اللغة التركية ، فإنّ المنطق لن يقبل كون ابن النّديم(3) ، في القرن العاشر ، يتحدّث عن ألف ليلة و ليلة ، في حين أنّ الأتراك لم يبسطوا نفوذهم على العالم العربي و الإسلامي إلاّ انطلاقا من القرن الحادي عشر للميلاد . يبقى إذن أن نتفق حول هذه الليلة . دلالتها لا تكمن في الانسجام النغمي الصوتي و لا حتى في التداخل اللغوي ، و لكن بالأحرى في الإطار الزمني للنص « المحكي « ذاته . بعبارة أخرى ، عوض أن نستفهم ما هو خارج النص ، نسائل أوّلا الألف ليلة و ليلة عن هذه « الليلة « الزائدة ، عن موضعها و وظيفتها في تكوّن / أو في اختتام المحكي أو المحكيات . لا أحد فعلا سيعترض على أنّ محكي شهرزاد دام ألف ليلة و ليلة . حالتان تبدوان موافقتين لهذه الليلة : إمّا الليلة الاستهلالية ، إمّا الليلة الاختتامية . كلّ واحدة من هاتين الليلتين اللتين سندعوهما ، بعد الآن ، الليلة الاستهلال و الليلة الاختتام لها أهميّتها و تميّزها . غير أنّه من الواضح أنّ قيمة واحدة منها تضمحلّ لفائدة الأخرى حسبما يتمّ الإلحاح على الاستهلال أو الاختتام .(4) أقلّ ما يُقال عن الليلة الاستهلال أنّها كاملة و تامّة . لها أبعاد ثلاثية : 1 ... بداية الليلة الدنيوية الجسدية مرصودة ل « المحاورات و ألعاب الحبّ « . 2 ... وسط الليلة التي تبتدئ من توقف اللّهو المعلن من قبل الصّوت المنبّه لدنيازاد حتى وقت معيّن قبل الفجر : إنّه زمن الحكي . لنراوحْ مكاننا قليلا حتى نقدّم تصحيحا لهذه اللحظة التي تفرض الصّمت و النّوم على الزوج الملكي : لحظة قدوم الصّباح . إذا كان الزّمن التخيّلي غير الزّمن الحقيقي ، سنقول إنّ صباح شهرزاد ليس طلوع النهار ، لأنّ قرّاء ألف ليلة و ليلة يعلمون أنّ الزوج الملكي ، بعد تعليق الحكي ، ينام في تحاضن و تضام بقية الليل ، قبل أن يستيقظ شهريار ل « يسهر على شؤون الحكم « . أيضا إذا كان الملك يحكم كلّ صباح و خلال ألف يوم و يوم ، سيكون من الطبيعي أن نستنتج من هذه الوضعية أنّ شهرزاد توقف حكيها في وقت مبكّر بما يكفي حتى يتمكّن الملك من أخذ قسط من النّوم . و بالنتيجة ، فإنّ صباح ألف ليلة و ليلة سيكون سابقا لا شك لصباح عامّة النّاس . 3 ... نهاية الليلة تبدأ من توقف الحكي ، متبوعا بنوم الزوج الملكي حتى استيقاظ شهريار . لننتقلْ من التقطيع المورفولوجي لهذه الليلة الاستهلال إلى تحليل قيمتها الرّمزية بقصد إبراز مسوّغات وضعيتها . يمكننا ، فعلا ، اعتبار هذه الليلة الأولى كأنّها ليلة أعلى ( على هامش ) الرقم الدّائري ألف . مع العلم أنّ الليلة الأولى ( المرّة الأولى ) تُدرك كزمن منفصل ، بدئي و أصلي ، و هي من هذا القبيل تمثل من زاوية المسارّة ، صيغة نادرة « وحدها ( ... ) قادرة على تجديد الكون ، الحياة و المجتمع « (5) . أليس بهذه الصفة اجترأت شهرزاد و اقتحمت الموت عن طريق القران الذي يفصل الكلام عن الصّمت ، المودّة عن البغض ، و أخيرا المعلوم عن المجهول ؟ مخاطرة ؟ شهرزاد تتصرّف لردّ الاعتبار للنظام و للحياة . إنّ الليلة الاستهلال هي إذن ليلة الاكتشاف و التمييز : تكتشف شهرزاد جسدها الأنثوي إعدام الفتاة الشبيه بإعدام أخريات قبلها و تتميّز بخطاب له أثر حاسم على سلوك شهريار في نطاق قبوله خوض تجربة مع الكلام : « خوض تجربة مع الكلام ، يقول هيدجر ، يعني : ندع أنفسنا من تلقاء أنفسنا يقتحمنا الكلام الذي يبعث به إلينا الكلام ، حتى إذا ما قبلنا الذهاب و الولوج إلى هذا الموطن ، فإنّنا نتصالح معه « (6). إنّ الخطاب المحرّض لدنيازاد ، المسموح به من قبل شهريار ، المضطلع به من طرف شهرزاد ، يخلق وضعية خاصة ، مزعجة بالتأكيد ، تسمح لمؤلفه أن يختبئ في الكلام و أن يرجئ التنفيذ . إنّ آلة الخديعة أو الحيلة قد وُضعت ، لم يبق لشهرزاد سوى أن تطلقها كلّ ليلة و على امتداد ألف ليلة و ليلة . الليلة الاستهلال هي صيغة ستؤطّر ألف تأجيل . لكن لنعكسْ الفرضية و لنشترطْ أنّ المكان المناسب لليلة « الفائضة « هو أسفل المحكي . هذا النقل يمكن أن يستند إلى حجج هي كالآتي : لا شيء أكثر غريزية عند الرجل من استسلامه لأحابيل كلام امرأة مغوية ؛ الغاية تبرّر الوسائل . من هذا الجانب ، فإنّ الليالي الألف الأولى ستكون رقما دائريا ، مجموعة متصلة ، ستكون قيمتها أقلّ من الليلة الاختتام ، أليس لأنها قدر و مصير شهرزاد ؟ ( 7 ) لنأْت إلى تقطيع هذه الليلة الأخيرة قبل الذهاب بعيدا . كما الليلة الاستهلال ، الليلة الاختتام منقسمة إلى ثلاثة أطوار : 1 ... بداية الليلة مخصّصة للحبّ . 2 ... وسط الليلة التي تبتدئ من استئئاف الحكاية الأخيرة حتى إنهائها . بالرّغم من أنّ هذه اللحظة الأخيرة لا تتوافق مع طلوع النهار النص العربي لا يقول ذلك على الأقل يمكن أن نخمّن أنّ شهرزاد العليمة بالعدّ و التّعداد لم تخفق في إتمام حكايتها الأخيرة مع الفجر . 3 ... الجزء الأخير من الليلة ليس محجوزا كما في الليالي الأخرى للنّوم و لكن بالأحرى لمحاكمة شهرزاد التي ، بعد أن أعلنت أنه لم يبق لديها حكاية تحكيها ، تترقب الأسوأ . لكنّ سحر كلمتها و الأولاد الثلاثة الذين أنجبتهم من الملك من دون علمه ، تشفعت لها و لباقي الفتيات الأخريات . لنذكّرْ بصدد هذه المحاكمة ، أنّه في الصّباحات الأخرى ، لمّا يستيقظ الملك كان يذهب « ليسهر على شؤون حكمه « . إن صباح هذه الليلة بعد الألف شبيه بكلّ الصباحات الأخرى ، فقط في هذه المرّة ، يسهر الملك على شؤون الحكم داخل أسرته الخاصّة . إنّه لفي هذا الطور الأخير ، تكتسي الليلة الاختتام أهمية حاسمة لأنّ الخطر ، بالنسبة للحاكية ، هو استنفاد الكلام ، بمعنى اللحظة التي تصل فيها الحكاية المتشفعة نهايتها . الليلة الفريدة هي بالتأكيد هذه الليلة الاختتام حيث شهرزاد تتغلّب على الموت بواسطة الأمومة .عشيقة ليلة ، الموعودة بالقتل المرجأ خلال ألف ليلة ، تتكشف في الليلة بعد الألف ، و دون أن يعلم الملك أو القارئ ، أمّا لثلاثة أولاد ذكور ضامنين و صائنين ضدّ كلّ إغواء الزّنا . لنقلْ على سبيل الختام إنّ هذه الليلة الفائضة ، سواء وضعناها أعلى أو أسفل الألف هي ، على التوالي ، زمن توليد الحسّ و زمن إيقاظ العقل . و الحال أنّ الحسّ و العقل لهما كخصوصية مشتركة أنّهما يشيعان في النص و ليس خارج النص . * سلطاني برنوصي أستاذ جامعي بكلية الآداب بجامعة سيدي محمد بن عبد الله ، فاس . هوامش : 1 المستشرق الألماني « ليتمان « ( 1875 1958 ) و بحثه حول « ألف ليلة و ليلة « المنشور في موسوعة الإسلام ، الجزء الثاني . * Gildmeister مسشرق ألماني ( 1812 1890 ) . 2 هذا التعبير ليس خاصّا باللغة التركية . بورخيس كتب بهذا الخصوص :» أن تقول ألف ليلة و ليلة هو أن تضيف ليلة إلى لانهائية الليالي . لنفكّرْ في هذا التعبير الانجليزي المثير: أحيانا ، عوض أن نقول for ever ، نقول for ever and a day ... « . Conférences, Gallimard, 1986 , p : 58 3 الأرجح ، ليس ابن النديم في الفهرست هو الذي أشار إلى « ألف ليلة و ليلة « و إنّما المسعودي في مروج الذهب : * «... و استعمل لذلك بعده الملوك هزار أفسان و يحتوي على ألف ليلة ... « الفهرست ، ص 363 ، تحقيق رضا تجدد المازندراني ، طهران ، 1971 * « ... و سبيل تأليفها ممّا ذكرنا مثل كتاب هزار أفسانه و تفسير ذلك من الفارسية إلى العربية ألف خرافة و الناس يسمّون هذا الكتاب ألف ليلة و ليلة ... « مروج الذّهب و معادن الجوهر ، تحقيق محد محيي الدين عبد الحميد ، 1 / 476 ، القاهرة ، 1966 . ( المترجم ) 4 الباحثون ألحّوا كثيرا على الليلة الأولى و قليلا جدّا على الليلة الأخيرة . 5 M . Eliade , Aspects du mythe , Gallimard , Folio _ essais , 1988 , p : 54 6 _ Heidegger , Acheminement vers la parole , Tel _ Gallimard , 1988 , p : 143 7 لنذكرْ على وجه التمثيل هذه الآيات القرآنية : « و ما أدراك ما ليلة القدر ، ليلة القدر خير من ألف شهر « . سورة القدر . المرجع : مجلة التواصل اللساني ، المجلد الثالث ، العدد الأول ، مارس 1991 ، ص : 69 71 .( بتصرّف ) .