منذ النصوص الروائية المبكرة ل»الطاهر وطار» حضر التاريخ، وهو التحدي الأكبر أمام الروائي المغاربي،(2) والعربي عامة، بأشكال مختلفة التفت حول سؤال الذات، أو الهوية، في تفاعلها مع [الآخر] سواء انتمى إلى مرجعية الذات المشتركة، أو مرجعية الآخر المعارضة. ولما كان النص الروائي التاريخي، أو المستوحي، على الأقل للتاريخ، وجها من وجوه الواقع، على حد تعبير لوكاتش(3)، فإن «التاريخ» يصبح، في هذا السياق، رصدا لما كان(الماضي)، ولما هو كائن(الحاضر)، ولما يجب أن يكون(المستقبل). التاريخ، أو الواقع، يسمح، إذن، بالتعرف على مواطئ الأقدام، يسمح بالكشف عن الذات الساردة من جهة، والعالم المسرود عنه، وله، من جهة ثانية. ورواية الطاهر وطار الولي الطاهر يرفع يديه بالدعاء وهي جزء من ثلاثية روائية متكاملة، مساءلة للتاريخ/ الواقع بعد أن غطته أسجاف من الخسوف والكسوف المفاجئة، فلم يجد الولي(4) أمامه سوى السؤال تلو السؤال عن دلالة هذا الظلام المطبق على العالم العربي من المحيط إلى الخليج، ومن الخليج إلى المحيط، مستنجدا بتاريخه الشخصي أحيانا، والسلالي(5) أحيانا أخرى، بالمعنى الرمزي- بهدف تفسير هذه الظاهرة وتداعياتها المختلفة على الإنسان والزمان والمكان. ولما كانت شخصية[الولي] شخصية مرجعية ?حسب فليب هامون- فإن النص استند إلى أساليب، أو صيغ سردية، استثمر فيها الروائي هذه المرجعية الغنية من جهة، وتحولات المرحلة من جهة ثانية. السرد الكراماتي أصبح الولي، في نصوص روائية عربية وأجنبية قاسما مشتركا اتخذ المظاهر التالية: أ- مظهر ثيماطيقي يوازي، أو يتقاطع، مع ثيمات أخرى. فهو «بولزمان»(6)- لاحظ الاسم- في الشمعة والدهاليز، وهو [الولي الطاهر عندما يعود إلى مقامه الزكي]، وهو «الولي الطاهر الذي يرفع يديه بالدعاء» في النص الحالي. الثيمة، في هذه النصوص الثلاثة، تستند إلى حصائص محددة لا يمكن توفرها إلا في الأولياء، ومنها الديمومة(أبو الزمان) والطهارة والتنوير، وكلها خصائص تمتح من القداسة والتقديس. ب- تحولات الولي، فكرا وممارسة، لا تغير من جوهره المرجعي، وسلطته- من ناحية أخرى- الرمزية على العقول والفئدة أو على الزمان والمكان. إنه الجوهر المتجدد الذي يمثل مستودعا للقيم والفضائل، وهي وقود النقد والصلاح والتوجيه، فضلا عن الاحتجاج على المنكر،ولو بقلبه، وهذا أقوى الإيمان، كما جاء في الإهداء.(الرواية، ص.5.) ج- وهذا الامتداد ل [الولي] ازداد قوة وتأثيرا، في الظرفية الحالية التي أصبح فيها الصراع مفتوحا على مصراعيه بين [الولي]، وبين من ينتسب إليه بالحق أو الباطل، وبين الطرف الآخر- سلبا أو إيجابا- الذي قد ينتسب إلى مرجعيته(طبقات الأولياء)، أو قد ينتسب إلى مرجعية مصادة(الغرب بمختلف مستوياته). ومن ثم اتخذ [الولي] صورا عديدة أهمها ما يسمى الآن ب[الظاهرة الإسلامية] على اختلاف توجهاتها، ومسلكياتها وأهدافها. ماهي المؤشرات الكراماتية في النص؟ أ- حضور الولي في كل الأماكن دفعة واحدة، فهو»في ذات الآن يذرع العالم العربي من المحيط إلى الخليج»(الرواية، ص.21.) ب- حضوره في اللازمن، ف»الولي» الطاهر يرى «الأزمنة التي مر بها، وهي قرون وقرون، ولكن لا يعلم في أي زمان هو.»(الرواية، ص.19.) ج- حضوره في السيرورة- والصيرورة أيضا- التاريخية للعالم العربي الإسلامي، بحكم تجذره في كل المراحل»نازلا صاعدا، كالكرة المتقاذفة بجاذبية قوية، وبنفس السرعة.» (الرواية، ص.21.) إنه مرادف للتاريخ حسب قناعاته وأدواره. د- وهو بذلك الواحد المتعدد. ففي «لحظات قصار يكون أكثر من واحد، في اكثر من مكان.» (الرواية، ص.ص.30.)(7) ه- وهو المتأرجح بين لازمتين تعكسان القوة والعجز في آن واحد. في المستوى الأول نجد لازمة»يا خافي اللطاف نجنا مما نخاف.» (الرواية، ص.25.) وهي لازمة تعكس دور الولي من خلال المقدس- في إنقاذ العشيرة والسلالة...إلخ. وفي المستوى الثاني نجد لازمة «يا خافي اللطاف سلط علينا ما نخاف.» (الرواية، ص.29.) الغضب الملازم لشطحات الولي في اللحظة التي ينفض فيها يديه من قوم عصاة لا يرجى من ورائهم أي إصلاح أو فائدة إلى الحد الذي يعترف بعجزه عن «استيعاب ما حدث طوال خمسة عشر قرنا واستيعاب حال العرب وحال المسلمين عموما.» (الرواية، ص.25.) والوصول إلى هذا الوضع المحبط، ناتج عن كون الولي من المكونات الأساسية لمسار المجتمع العربي، والإسلامي، وأسئلته عن الهوية وما يحيط بها من ملابسات عديدة تجلت في تحولات التقدم والتخلف. ولعل ذلك هو ما عبر عنه عبد الله العروي في الإيديولوجية العربية المعاصرة ب [الشيخ] وهو من مرايا الولي بشكل مباشر أو غير مباشر، او الفقيه - كما ورد في أدبيات النهضة العربية الحديثة- الذي ساهم، بجانب- السياسي وداعي التقنية- في صناعة افيديولوجية الربية المعاصرة.(8) والولي في الرواية يقدم نفسه(من ص.9 إلى ص.31.) بهذه الصفة التي خولت له القيام بدوره التاريخي بحكم وصايته على الأمة وأوضاعها ما دام حبل التواصل ممدودا كل جمعة، بعد أن أخذ «إمام جامع الدارالبيضاء المنكب بجلاله، يلعق من مياه بحر الظلمات، في خطبة يعيدها كل جمعة... من ميزات المسلم، طاعة الله ورسوله واولي الأمر، فيرن صداه في جامع الزيتونة والأزهر وبيت المقدس والأمويين ومكة والمدينة. ويأتي الرجع اللهم احفظ أمير المِؤمنين.»(الرواية، ص.21.) غيرأن هذه السلطة الرمزية، ستتضاءل، بالتدريج، أمام الانهيارات المتواصلة للعالم العربي، ماديا ورمزيا، بعد أن أعلن الخبر المفاجئ الذي غاب فيه ضوء الشمس «ولم تنفع معه إنارة، والخبراء من جميع أنحاء العالم ينكبون على دراسة الظاهرة.»(الرواية، ص.33.) وبذلك ينخرط الولي في مسلسل جديد، اتسم بالدهشة والسؤال تلو السؤال، إلى أن أصبح أسير لحظة عجائبية تجسدت في حمله من قبل يدين لطيفتين «وتجلسانه على عرش مقامه الزكي، فينفتح تلفاز شاشته لا يحدها نظر.»(الرواية، ص.33.) ومن الطبيعي أن يتساءل القارئ عن مصادر هذا السواد التي قد تكون، أحيانا، «آبار النفط حتى بلغ عنان السماء»(الرواية، ص.33.) أو أحيانا أخرى، قد تكون صادرة عن «كتلة ضخمة من السواد الجامد»، فبدت الكتلة السوداء «في أبعادها الثلاثة، مرة في شكل جلد بعير، ومرة، في شكل شكوة، أو قربة، ومرة، في شكل حبة بلوط كبيرة... وهذه الشعوب الثقوب التي تظهر في إسرائيل، في السودان وشمال العراق.» (الرواية، ص.49.) السواد، إذن، نابع من مناطق التوتر العربية التي تزخر بالصراع حول آبار النفط، أي حول رغبة الشعوب في التحرر من الاستعمار القديم الجديد، وامتداداته الحالية في العولمة المتوحشة المدمرة لكل الثروات والقيم. كما أن السواد قد يأتي من عمق الدار من خلال الولي المزور المجسد في واعظ السلطان. وما يشيعه من أوهام (المسيح الدجال) (الرواية، ص.35-36.) أو من مبررات لتمرير الفساد والإفساد. (الرواية، ص.22-23-24.) والسواد، مرة أخرى، جزء من مفارقة مركزية، جعلت الضياء من نصيب مناطق معينة، والظلام من نصيب مناطق أخرى، ف» مسابقات الهجن استمرت حتى بحر اليوم تحت الأنوار الكاشفة، كما أن السواحل الأوروبية، وخاصة الإسبانية، تستوعب عددا غير قليل من أولي الأمر بعد سنة كاملة من السهر الدؤوب على سير الأمور خاصة تعبيد الطرقات ثم حفرها وإعادة تعبيدها.» (الرواية، ص.35.) السواد أخيرا، وليس آخرا، قد يوجد في أمكنة مميزة، فإذا كانت القدس ضياء في ضياء فإن «رام الله مظلمة.» (الرواية، ص.34.) والإشارة واضحة. من خلال هذه المفارقة- مفارقة الضوء والظلام- يصبح الولي في وضع اختباري توزع فيه بين تجربة الغزالي- في الشك والإيمان، خاصة عندما تحضر بلارة(9)، جسدا ورمزا، وبين تجربة الرافض للسواد كما حدث لرهبان أمريكا اللاتينية خاصة عندما يركب الأتان العضباء مخترقا المسالك والممالك داعيا للنور والتنوير. إن هذه الصورة المركبة للولي لا تبقى حبيسة الثوابت الكراماتية، بل إنها تسمح باستحداث نفس عجائبي نابع، في كل الأحوال، من حقل الكرامة دون أن يكون نابعا من خارجها إنها التحولات الخارجة من رحم الدهشة متوزعة بين الحلم والواقع، الكوابيس والأماني المجهضة، الماضي والحاضر... إلخ تداخل في تداخل إلى الحد الذي أصبحت فيه معادلا ل»الأمس واليوم والسنة الماضية، والقرن الماضي، كلها آن يصغر أو قد يكبر، قد يطول وقد يقصر، قد لا يكون سوى ومضة من ومضات حلم، أو كابوس.»(الرواية، ص.17.) وعبر هذه التداخلات ترتفع درجات الكرامة التي تمتح من الخارق في: - الزمان: من بدر إلى الآن. - المكان: من السينغال إلى مكة. - في الشخصية: نماذج التاريخ العربي والإسلامي. - في الفعل: الانتقال من الخير إلى الشر عند الولي(10) عقاب للوصول إلى الخير « يكون في مصر، مرة نجيب محفوظ مذبوحا، ومرة داعية يستل الخنجر ليذبح نجيب محفوظ.» (الرواية، ص.31.) الكرامة في هذا السياق، تصبح مستوى من مستويات العجيب(الفانتاستيك) الذي يسمح بالنظر إلى الوقائع من زاوية جديدة لا تأتمر بأوامر المنطق العادي، كما أنها، من ناحية أخرى، ستفسح المجال ل «عجائبية» جديدة مستمدة من «الحداثي» مجسدا في [الروبورتاج] التلفزي. الروبورتاج السردي ينتقل الولي من الكرامة المتوارثة ذات الأصول المرجعية المشار إليها(11) سابقا إلى «كرامة» جديدة لم تكن في الحسبان بعد أن حملته اليدان اللطيفتان نحو «عرشه في مقامه الزكي، فينفتح تلفاز شاشته، لا يحدها نظر.»(الرواية ص.33.) وبذلك يتكامل العجائبي الكراماتي مع العجائبي الحداثي.. بهدف فهم ما جرى ويجري، بالرغم من اختلاف المرجعية والهدف. فالولي لم يعد يملك الزمان والمكان، بل أصبح مملوكا لقوى أخرى خارقة قد تتجاوز كل الكرامات مجسدة في الروبورتاج التلفزي الذي يبدأ بالصفحة 33 إلى آخر الرواية. ومن أهم خصائصه: 2-1- صدوره عن سارد ذي مرجعية واقعية، يحمل اسم علم متداول في الإعلام، ويحظى بشعبية كبيرة لدى المتلقي العربي والأجنبي أيضا(عبد الرحيم الفقراء.) 2-2- وهذا التوظيف لاسم العلم إيهام بواقعية ما يجري في العالم العربي من المحيط إلى الخليج ومن الخليج إلى المحيط في مختلف المجالات الاقتصادية والاجتماعية والسياسية والثقافية. 2-3- لا يكتفي المرسل بتقديم الخبر، بل إنه، بالرغم من الحياد الوهمي، يحرص على اقتناص المفارقة الساخرة الدالة على السواد، ماديا ومجازيا، فمشروع الوحدة الإفريقية «الذي أعلنه القائد سيرى النور وسيتحقق، وعلى فكرة، تقول وكالة الأنباء الأمريكية، إن ليبيا عكس تونس، تعتبر الحالة الكونية تشمل العالم كله(...) إذ تدين بشدة الاستعمار والإمبريالية، تضع ثقتها التامة في الولاياتالمتحدةالأمريكية...»(الرواية، ص.12.) ومظاهرات اليمن ضدا على جفاف أوراق القات.»مصدر رزق الملايين من الناس، ومصدر سعادتهم الوحيد... ولا شك أن كل هذا تم بفعل ما سلطته الإمبريالية والاستعمار، وفي مقدمتها أمريكا التي لم تنس ولن تنسى لنا مواقفنا القومية الشجاعة... كما لا تنسى أن الشيخ أسامة بن لادن قد نشأ وترعرع في ربوع اليمن السعيد.» (الرواية، ص.99.) وسلاح «صدام» ما هو إلا أطنان البلوط الذي إذا ما استهلك بكميات ووصفات معينة ينتج عنه نوع من الغاز الملون يدمر الحياة بشكل واسع وشامل.» (الرواية، ص.48.) 2-4- ولا شك أن إمكانات المسح الواسعة للروبورتاج عبر الفضاءات المختلفة المساعدة في المكان، والمتداخلة في الزمان، أقول إن هذه الإمكانات التقنية تخلق لحظات التوازي والتقاطع بين أوضاع هذه الفضاءات بدلالاتها المختلفة، وتسمح، من ناحية أخرى، بتقديم وجهات النظر للمنابر الفضائية المتعددة بحثا عن موضوعية عصية في زمن احتكار الإعلام وسيطرة القطبية. 2-5- اعتماد الروبورتاج على حركة «كاميرا» تتحول فيها الصورة المنقولة إلى صياغة سردية على لسان المراسل من خلال التركيز على مستويين: أ- المستوى البانورامي الذي يسمح بالمسح الشامل لمختلف الوقائع والفضائح العالمية. ب- المستوى التبئيري «الزوم» الذي يتخلل البانوراما الشاملة للدمار اليومي. فمظاهرة «باريس» -على سبيل المثال- يتناوب عليها السرد الإخباري والوصف التبئيري. في المستوى الأول يرسل المراسل الخبر، خبر المظاهرة بمختلف ملابساته. وفي المستوى الثاني نجد الوصف المشهدي المبأر من خلال لقطات دالة: عدوانية أمريكا/ الأسلحة الفتاكة/ الرسوم الكاركاتورية ل «بوش» وهو في أوضاع مختلفة للفأر «ميكي ماوس» الذي يقرض فيها، حينا، ورقة من فئة ألف دولار، أو حينا آخر يقاد فيها إلى سجن أبو غريب بالعراق، منزوع السروال. (الرواية، ص.57.) 2-6- سمح الروبورتاج بالتوثيق الذي يستفيد من تمازج الوصف والسرد، الذي يخدم سياق الفضح والتعرية سواء بالكلمة، أو الصورة الوثائقية. فخارطة العالم العربي الحالية تقتضي الرجوع إلى الوراء مما دفع بالصحفي إلى أن يعيد «صورا قديمة، عن حدود 48 بين العرب واليهود، فوجدها مطابقة تماما، لمسار الكتلة الغازية السوداء.» (الرواية، ص.49.) 2-7- ولما كان الربورتاج نمطا رحليا، يسافر من خلاله المراسل، عبر الزمان والمكان، فإن شساعة الرحلة اقتضت الاستفادة من تقنيات الروبورتاج أو الإرسال الإعلامي الذي جسدته مصطلحات تقنية عديدة مثل (فاصل/ سيداتي سادتي/ العودة إلى الستوديو المركزي/ أسماء المراسلين/ الخط/ الحوار بين المركز والمراسلين المنتشرين في أنحاء العالم/ أسماء الوكالات الدولية خاصة C.N.N (الرواية، ص.49.) ووظيفة هذه الفواصل- كما هو الشأن في المتن الرحلي- تحقيق للغايات التالية: أ- التخفيف من زخم هذه الأحداث المتلاحقة. ب تحقيق لحظات التشويق والمتعة والإمتاع. ج- تمرير الموقف الإنقاذي والموقف المضاد. ف»الوضع هنا بالقاهرة(...) وضعان؛ وضع الحالة التي عادت إلى طبيعتها الأولى، فالشمس ساطعة، والنور عام(...) ووضع آخر يمكن نعته بالسياسي، فالعُمي الذي استولى على بعض المؤسسات مثل وزارة الدفاع(...) وتمكنوا من احتجاز عدد لا يستهان به من المسؤولين رهائن، ربما من ضمنهم سيادة الرئيس، أو على الأقل السيدة الموقرة حرمه...»(الرواية ص.73.) السرد الكلاسيكي تتميز تجربة الطاهر وطار بالغنى والتنوع في الموضوعات والأساليب والرؤيات. وبالرغم من طرافة النص، قضية وتنويعات عجائبية في مستويات الكتابة، فإن الطاهر وطار يظل مخلصا «للسرد الكلاسيكي»- بالمعنى الإيجابي- منذ روايته الشهيرة اللاز(L.A.S) ? ضمير الثورة المغيب- إلى النص الحالي ? وهو جزء من ثلاثية روائية كما سبقت الإشارة- الذي يكشف عن ارتباط الكاتب الدائم بقضايا عصره، ومنها قضية «الظاهرة الإسلامية» على اختلاف التأويلات أيضا. ومنذ الجملة الأولى «أعاد الولي الطاهر تأمل الشمس التي كان اعتراها الخوف...»(الرواية ص.11.) ينطلق ضمير الغائب- وهو الضمير النموذجي في الرواية الكلاسيكية- في رسم المسار العام للرواية بأسلوب هادئ يساير الشخصية في هواجسها ومونولوجها المتوتر الذي تداخلت فيه هواجس الذات القلقة بمفاجآت الحدث المركزي المجسد في خسوف الشمس المفاجئ. غير أن السرد الكلاسيكي، تتخلله محطات فرعية تمثلت في عناوين دالة، حلت محل الفصول من جهة، ولعبت- من جهة ثانية- أدوارا أو وظائف عديدة منها: أ- وظيفة بنائية تسمح بنمو السرد وتطوره نحو أهداف محددة، فالخيط السردي ، بالرغم من لحظات الاسترجاع أو التذكر، يظل مسترسلا أفقيا، نحو غاية محددة. ب- وظيفة تنويرية تلعب دورا تربويا في التفسير والتحليل والتأويل، خاصة أن النص يغطي مناطق شاسعة من الزمان والمكان. ج- دورا جماليا يتجسد في التقطيع المشهد المستفيد من الزخم الإعلامي وتأثير وسائله على طبيعة الكتابة وخصائصها. د- سمح السرد بالخصائص السابقة، بالحديث عن الشخصية، وبواسطتها أيضا. فالحديث عن الشخصية جعل منها بؤرة سردية تصدر عنها الوقائع وتعود إليها في آن واحدن مع التركيز على مكوناتها العقلية والنفسية ومسلكياتها المختلفة... أما الحديث بواسطتها، فإن لحظات التداعي، المنقولة عن طريق السارد، سمحت بتعميق أزمتها الذاتية في مرآة واقع مأزوم. ولما كان السرد حالة من حالات المعرفة، فإن دوره الأساس في النص، ارتبط بتقديم لحظة حرجة من أوضاع العالم العربي الإسلامي، عبر شخصية الولي الذي رأى ما رأى من خلال رصد المؤلف ومتابعته لتحولاته المختلفة. ه- حمل السرد حمولة إيديولوجية منتشرة عبر مقاطع النص المختلفة موزعة بين التوظيف التقريري الذي فرضته لغة الإعلام الوظيفية بأبعادها التداولية، وبين الحس الانتقادي الساخر الذي برز في المفارقة أساسا في الحدث والشخصية والموقف، فضلا عن الملفوظ الساخر في اسم العلم(الدكتور حنزليقة/صرططوخ) أو في الواقع العربي المضحك إلى حد البكاء، والمبكي إلى حد الإضحاك. الهوامش ** الطاهر وطار: روائي وقاص. ولد سنة 1936 بدائرة صدراتة . تلقى نصيبا من التعليم الابتدائي والثانوي بمدرسة مداوروش التابعة لجمعية العلماء المسلمين الجزائريين، ثم بمعهد ابن باديس بقسنطينة ،وبجامع الزيتونة بتونس. التحق في سنة 1956 بالعمل الثوري في صفوف جبهة التحرير الوطني. أسس في 1962 جريدة «الأحرار»، وهي أسبوعية سياسية. أوقفتها السلطات بعد سبعة أشهر. انتقل من قسنطينة إلى العاصمة وأصدرها بعنوان «الجماهير». ما لبثت السلطات أن أوقفتها بدورها. عمل من 1963 حتى 1983 بحزب جبهة التحرير كإطار سام، ثم أحيل على التقاعد، وهو لم يتجاوز سن السابعة والأربعين. ألف عدد من الروايات وهي: اللاز، الزلزال، الحوات والقصر، رمانة، تجربة في العشق، عرس بغل، العشق والموت في الزمن الحراشي، الشمعة والدهاليز، الولي الطاهر يعود إلى مقامه الزكي. 1- الطاهر وطار، الولي الطاهر يرفع يديه بالدعاء، منشورات الزمن، الرباط، 2005. 2- والتاريخ في هذا السياق، ليس مجرد موضوع من موضوعات الكتابة، بل لأنه أداة لبناء الذات، وترميم الذاكرة وملء البياض الذي ترك، سهوا، او عمدا، بسبب الاستعمار من جهة والاستبداد من جهة ثانية. انظر، على سبيل المثال، عبد الكريم الخطيبي في الرواية المغربية ترجمة محمد برادة والذاكرة الموشومة إلخ. 3-جورج لوكاتش، الرواية التاريخية، ترجمة صالح جواد كاظم، دار الطليعة، سلسلة الكتب المترجمة، العدد 49، بيروت، 1978. 4- من مرادفات الولي : القم، المسؤول، الحافظ...فضلا عن دلالات دينية واصطلاحية عديدة يدور معظمها حول [الولاية] كمستودع للقيم من جهة، والتميز عن الإنسان العادي من جهة ثانية. 5- امتداد السلطة الدينية الرمزية في التاريخ والمجتمع، ودورها الفاعل في مختلف الأحداث. 6- أي أبو الزمان والاسم دال على الجانب الخارق في شخصية الولي الذي يتجاوز الشحصية العادية واستمرارها بهذه الدلالة في الذاكرة والوجدان. 7- وهي من أهم المظاهر الكراماتية لدى الولي، لأنها تسمح للشخصية بحماية الامتداد الرمزي للولي وسلطته المادية والمعنوية. فالشيخ عبد القادر الجيلاني/ الكيلاني -على اختلاف التسميات- يوجد بالقرب من الرصافة، في الوقت الذي يوجد فيه بالهند لإنقاذ المسلمين. وسيدي بليوط أبو الليت يتواجد بالبيضاء والحجاز، دفعة واحدة، للدعاء الصالح والاستنجاد بالمقام الكريم. 8- عبد الله العروي، دار الحقيقة، بيروت، ط.1، 1970. 9- وبلارة اسما ودلالة ? قد ترادف النفس- والنفس أمارة بالسوء- كما هي واردة عند المعلم الرئيس ابن سينا في مطولته الشهيرة عنها من خلال الصراع بين السمو والوضاعة. ومن ثم تأخذ النفس مظاهر فكرية وعاطفية مختلفة، وتحولات الرغبة والعجز، ومستويات الأخلاق والواجب...إلخ. 10- الولي، في كراماته، عند عقابه للشرير يهدف إلى الانتصار لفكرة الخير قبل الشر. ومن ثم، فالكرامة هدفها المركزي هو تحقيق الفضيلة، وترسيخ النموذج ويناء القيم. 11- المرجعية الدينية. 12- الرواية، ص.47.