بدا واضحا أن الحملة الانتخابية الاستباقية التي دشنها مؤخرا سائق المعارضة الحديثة الحزب الحركي للديموقراطيين كانت مخيبة لآمال المواطنين،وذلك بعدما أصبغ حملته الشرسة بصبغة سياسوية رديئة المستوى،وظف فيها مزاعم تعبر عن مستوى ضعف وعي قادتها الحزبيين،لم تعمل سوى على خلق الضغينة بين الفرقاء السياسيين وتشويه المشهد السياسي وتنفير المواطنين من العمل السياسي. إن حزب الدولة اقتحم المعترك السياسي من النافذة بشكل قوي ومباغث،زعما منه أنه القوة السياسية الأولى في البلاد،وهو زعم خاطئ لأن الشعب المغربي منح الريادة السياسية في استحقاقات 2007 للشعب لحزب الاستقلال،وهو ما يتم التخطيط له بشكل مضاد من طرف حزب الدولة ودولة الحزب بالنيل من هذا الحزب العتيد منذ استحقاقات يونيو 2009 المحلية،وهو ما خاب أمله فيه بحيث إذا كان قد تمكن من استراق أصوات ناخبي باقي الأحزاب السياسية فإن حزب الاستقلال يواصل منذ عقود الحفاظ على لقبه،بكونه الحزب المليوني على مستوى أصوات الناخبين. لقد أبان سائق المعارضة عن ارتباكه الكبير في العمل السياسي أثناء اللعب على حبلي طابعه المخزني الرسمي من جهة وطابع المعارضة السياسية من جهة ثانية الذي يزعم تبنيه،محاولا التنكر لطابعه المخزني في أكثر من مناسبة ،حيث لم تنطل الحيلة على يقظة المغاربة الذين استنتجوا علاقته الوطيدة بالسلطة،وأنه فعلا حزب الدولة بامتياز،نذكر من بينها حالات:تدخله في إيفاد لجنة عليا من وزارة الداخلية للتحقيق في قضية فشل كسب منصب عمدة مراكش،والتدخل من أجل إقالة والي مراكش من مهامه،والتأثير غير المباشر على القضاء من أجل مراجعة الحكم الابتدائي بهذا الشأن ،وحث بعض الولاة على تهيئ ظروف إنجاح بعض منتخبي حزب الدولة في ترأس مجالس العمالات والأقاليم،وبعض الجهات وعلى رأسها مجلس جهة الحسيمةتازة تاونات،واعتراف بعض الأطراف بأن التعديل الحكومي الأخير بأن كانت لهم صلة وطيدة مع زعيم الحزب الحركي للديموقراطيين ليتم فيه أولا:إبعاد بعض الوزراء المغضوب عليهم من الأحرار لمناصرتهم السيد مصطفى المنصوري وللتشبث بتولي رئاسة جهة الحسيمة ضدا على مرشح حزب الدولة ،وثانيا:استوزار البعض مكافأة لهم على قطع العلاقة مع حزب العدالة والتنمية،ضدا على القاعدة السياسية القاضية بعدم استوزار الخاسرين برلمانيا ،وثالثا:إسناد منصب الوالي لبعض الوزراء السابقين الذين حاربوا السيد مصطفى المنصوري المغضوب عليه سياسيا،مكافأة لرئيس حزب الأحرار الجديد على حسن تعاونه مع حزب الدولة،دون إغفال الدعم المزعوم من أجل إعادة السيد عبد الواحد الراضي إلى كرسي رئاسة مجلس النواب. ومما يبرز ارتباك سائق المعارضة في العمل السياسي ادعاؤه السابق بكونه سيبقى جمعية لكل الديموقراطيين فقط دون أن يتحول إلى حزب سياسي،فتراجع عن وعده،وأنه جاء ليمثل النقص الذي ينتاب الأحزاب التقليدية التي لا تمثل سوى 20 بالمائة من المغاربة العازفين عن السياسة،بينما لما خاض غمار أطوار انتخابات 2009 لم يحظ سوى بحوالي 20 بالمائة فقط من أصوات الناخبين،مسترقا إياها من رصيد بعض الأحزاب،وليس 80 بالمائة المزعومة ،كما أنه لما استقطب 5 أحزاب صغرى سابقا وعدها بإنصافها ديموقراطيا في تنظيمه الحزبي،فتراجع عن ذلك مما دفع هذه الأحزاب إلى الانسحاب الفوري من هذا التحالف بعد اكتشاف انعدام الديموقراطية في صفوفه،والسير بوتيرتين مختلفتين لعجلتي حزب الجرار،وادعاؤه أنه غير معني بانتخابات 2012 كلية بل بانتخابات 2017 فتراجع عن ذلك الزعم،ثم فشله في الدعم الكلي للأستاذ عبد الواحد الراضي حيث بعدما التزم معه بالحياد ممتنعا عن التصويت في الوهلة الأولى؛تمكن الأستاذ الراضي من نيل 116 صوتا ضد 67 صوتا لمنافسه،لم يحصل المرشح الاشتراكي في التصويت الثاني بعد عزم حزب الجرار تأييده ودعمه إلا على 3 أصوات إضافية فقط أي 119 صوتا،بينما باقي أصوات الجرار صوتت على مرشح العدالة والتنمية،حيث بعدما منحت الراضي 3 أصوات فقط منحت الأستاذ العثماني 9 أصوات إضافية،وارتفع مجموع أصواته إلى 76 صوتا،مما يبرز أن الجرار تلقى صفعة قوية حتى من نوابه البرلمانيين الذين لا يتحكم فيهم،حيث كيف وهو يدعي فلسفة تجديد النخب يعيد من جديد أحد أقدم وشيوخ البرلمانيين إلى مقعد الرئاسة،أليس في ذلك تنفيذ لصفقة ما؟ألم تكن هذه الصفقة النقطة التي أفاضت الكأس لاندلاع أزمة داخلية في صفوف مناضلي حزب الاتحاد الاشتراكي،وتجميد نشاط بعض قادة هذا الحزب؟ إن اعتماد الدولة اليوم على حزبها العنيد في التصدي لحكومة الحزب العتيد برئاسة الأستاذ عباس الفاسي والإعداد الاستباقي لتعبيد الطريق من أجل اكتساح استحقاق 2012 بعد تبويئه صدارة استحقاقات 2009،يبرز للعيان بشكل واضح من خلال التعديل الحكومي الأخير،المقوي لفئة التكنوقراط في وزارات السيادة (الداخلية والعدل) ثم السياحة،ومراجعة خارطة تعيينات الولاة والعمال الجدد والقدامى بمختلف أرجاء المملكة،وإطلاق العنان لمستشاري حزب الجرار في اختلاق التهم من خلال منبر مجلس المستشارين،خلافا لقانونه الداخلي الذي يرأسه حزب الدولة ذاته،وإحياء ملفات قديمة مفبركة كملف «النجاة» المصطنع في عهد كاتب الدولة في الداخلية السيد عالي الهمة ضد حزب الاستقلال،والركوب على تقرير المجلس الأعلى للحسابات لأول مرة بعد تقارير سنوية سابقة لنفس المجلس لم تكن تثير حفيظة حزب الدولة سابقا. إن سياسة الكيل بالمكيالين التي تنهجها الدولة في تعاملها مع الفاعلين السياسيين من هذا القبيل لن يكون من شأنها سوى التراجع عن منطق الانتقال الديموقراطي الذي يعتزم المغرب السير فيه بشكل شفاف،وخاصة بعد تعثر ملفات الإصلاحات الدستورية والسياسية وإصلاح القضاء ومراجعة نظام اللامركزية الجهوية واللاتركيز الإداري،والتي هي إصلاحات تضمن مستقبلا سياسيا واعدا لنزاهة التنافس السياسي فيما بين مختلف الأحزاب،وتضمن مصالحة المغاربة بالشأن السياسي المنفر بسلوك معارضة جديدة مظلاتية.