كثيرا ما تساءلت وأنا أرى الكم الهائل من الكتب باللغات العربية و الفرنسية و غيرها،عن سر هذا الحضورالقوي في المكتبات،في الإعلام،وفي المدارس....،ولماذا لم يكن للغة الأمازيغية نفس الحظ في الوجود،ومع أهمية هذا التساؤل ، إلا أنه لم يترسخ بعد الوعي به،بالرغم من كون صداه يكبريوما بعد يوم. كانت بالنسبة لي اللغات التي ندرسها في المدارس لغات بديهية،حتى أننا لم نكن نفكر إن كانت لأجدادنا أو لم تكن،كانت بديهية لأننا تلقيناها في المدارس ؛وتلقائياوبدون شعور منا أو تفكير ،كنا نجد أنفسنا نعبر بها كلما أردنا كتابة رسالة إلى أمهاتنا في القرى البعيدة،ولم نستغرب ولو لمرة واحدة كيف أننا نجد أنفسنا نخط رسائلنا بلغات لم نتكلمها قط،وكيف أننا نبدع بشتى اللغات،وبالرغم من إتقاننا الحديث للأمازيغية إلا أننا لم نفكر بالكتابة بها؛كانت تلك الأسئلة تكبر يوما بعد يوم؛ حتى صارت أسئلة وجودية بالنسبة إلي. كانت للمدرسة أهمية كبيرة في ربطنا البسيكولوجي باللغات التي تدرس لنا،وكان ذلك تقويضا للغة قديمة هي اللغة الوحيدة التي أنجبها وطننا،فكيف ستكتب بلغة لم تدرسها في المدرسة ؛لم تجتز فيها امتحانا كتابيا في النحو والإعراب والأسلوب،إنه سؤال مثل سيف ذي حدين،فمن جهة هو يطرح إشكالية التدريس ،ومن جهة قد يتخذ ذريعة للتصغير من شأن هذه اللغة وطرحها كعائق أمام الإبداع بها. إن ذاك التقويض لم يكن ليستمر طويلا،لأن الكثيرين منا كان يسمع تلك اللغة في بيته،وفي كل مرة نتكلم فيه مع جداتنا، وكثيرا ما تساءلت إن كانت ستنتهي لغتنا الأمازيغية بانتهاء جداتنا،ومجئ أحفاد لم يعودوا يتكلموا بها ...كثير من الشعوب لم تمت بيولوجيا لكنها ماتت ثقافيا بسبب موت لغاتها، وثقافتها تظل حية،لكنها تتخذ لها اسما آخر هو اسم اللغة التي تكتب بها؛ فهل الأمازيغية لغة تمشي إلى قبرها؟ إننا نبدع بلغات كثيرة دون أن يعني ذلك أننا لسنا أمازيغيين، لكن واقع الشعوب يحتم علينا إعادة التفكير في تسامحنا اللامتناهي مع اللغات حتى صرنا نستغرب إذا ما وجدنا كتابا بالأمازيغية، وكأننا نتكلم عن لغة غريبة و أجنبية.وهذا يعني للآخرين أننا لسنا أمازيغيين. كثيرا ما نقرأ عن لغات ماتت لأنها لم تستطع الصمود أمام سيطرة لغات أخرى،أو لم تلق اهتماما من طرف الناطقين بها، وبالنسبة للغة الأمازيغية فالخطر لم يكن آتيا من الخارج، كأي استعمار، ..الخطر آت منا نحن أبناء هذا الوطن، وخصوصا نحن الناطقين بها، إذا لم نسع لكي تصير اللغة الأمازيغية لغة بديهية كتلك التي تلقيناها في المدارس. إن كل لغة لا تكتب في هذا العصر هي لغة مسكينة، لقد كتبت كتابات شتى و عظيمة كما وكيفا عن الثقافة الأمازيغية، كتبها كتاب مغاربة باللغات التي يتقنونها لأنهم درسوها في المدارس، لكن لا أحد اعتبر تلك الكتابات أدبا أمازيغيا. تماما كما حصل في القرون الماضية؛ فآفر ترينسAfer Terence الكاتب النوميدي الذي قال بيته الشعري الشهير: «أنا إنسان ولا شئ هو إنساني غريب عني» اعتبر أديبا لاتينيا، وكلمته اعتبرت مثلا لاتينيا، ولا أحد يذكر هويته الأمازيغية. هذا لنعي أن أهمية الإبداع باللغة الأمازيغية هو تخليد لها. لقد كتب أجدادنا باللغة الأمازيغية و باللغة العربية،لكن الضوء سلط على كتاباتهم باللغة العربية ،في حين بقيت مؤلفاتهم بالأمازيغية في خزائن منسية،أو أتلفت بسبب عدم الاهتمام. لهذا كله كان لابد لي و أن أهتم بهذه اللغة ،ليس فقط لأنها لغة أجدادي ،بل لأني من خلال تعاملي الأدبي معها ، صرت أكتشف الكثير من مميزاتها، وكنت أندهش لما أتوصل إليه من حقائق، وعوض أن أكون فقط أكتب لأعبر عن أفكار و أحاسيس،صرت أجدني أسبح في بحر لا متناهي من المفردات الغنية، والأشكال التعبيرية المختلفة، كنت أمام لغة غنية أنا ابنتها لم أقدر غناها لزمن طويل؛كلما تعرفنا عليها يترسخ لدينا أننا نملك لغة قوية في مستوى اللغات الأدبية الرفيعة، إن في مستواها اللغوي،غنى معجمها،أساليبها التعبيرية المتعددة؛ يترسخ لدينا أننا لا يمكننا غض الطرف عن لغة لها كل هذه المميزات وهي اليوم تحتاج لمن يفجر ماتزخر به من طاقات، وإمكانيات جمالية. حينما تكتب بلغة ، فإنك بذلك تفرض احترام الآخرين لها، هذا الاحترام للغة الآمازيغية لن يتأتى إلا إذا وعى الناطقون بها أن الطريق إلى رد الاعتبار لهذه اللغة المغربية العريقة هو الإبداع بها. لهذا كله أنا أكتب بالأمازيغية.