كم هي أسيرة هذه الارتباكة أمام مقام الشاعر وهو يحتفي بيومه العالمي، ولا أرى منه إلا مزيدا من الصمود وهو يلمع اللغة التي أثخنتها الجراح، فصارت كمن أصابها الوهن والانكسار، وأصبحت الكلمة في فوضى شديدة داخل الحياة الشعرية. وأمام هذا الزحف الإعلامي الجبار، يحتفي الشاعر المغربي بيومه، وبيته مليء بالتصدعات، فكيف يطيب له المقام هناك ، وحتى جائزته الشعرية، حجبت وكأن البلد ليس فيه إبداع شعري، وأنا أرى في كل مكان دواوينا تنبت كالفطر. ليس في المشهد ما يفرح النفس. لكن تغييب الشعر ربما ناتج عن العجز في التواصل، وأصبح الوضع متأزما وطغت عليه الرداءة الشعرية بسبب النزعة الحداثية التي يتشبت بها الشعراء الشباب (على حد قول بعض الشعراءالتقليديين) ألم يكن رامبو شابا، من المسؤول إذن عن هذا المرض الشعري الذي مس الذوق العام، وجعل اللغة تفقد مهمتها الاجتماعية والسياسية؟ وهل من ضرورة للشعر الآن.؟ لا يخفى على أحد أن الشعر هو أساس التطور الفكري، فقد بقي لصيق بالمجتمع لكونه كان يحمل هموم المواطن، ويترجم قضاياه الانسانية والروحية، و»الشاعر هو الذي يُلهم أكثر مما يُلْهِمُ، وللقصائد هوامش بيضاء كبيرة من الصمت تحترق فيها الذاكرة المتقدمة لتعيد خلق هذيان بلا ماض »(بول أيلوار). فلماذا الشكوى الآن من الضعف ، والضعف يترجم انكسارات الجحيم الذي نعيشه، وهل مازال الشعر الحديث ملتصقا بتفاصيل الحياة العامة للأفراد أم تراه انفصل عن مهمته، وهل ضغط وسائل الاعلام جعلته يخبو أمام معركة إعلامية شرسة تشكل الصورة قوتها الاساسية، ربما هذا السبب أيضا في تخليد بعض الشعراء على شرائط السينما / الذاكرة، وتحويل سيرتهم الذاتية إلى أفلام ، تؤرخ لحياتهم الشعرية ومواقفهم الانسانية، وهذا ما حدث عند تخليد الشاعر العراقي »سعدي يوسف«حين تم تحويل سيرة حياته إلى فيلم »الأخضر بن يوسف« وأيضا للشاعر الفلسطيني محمود درويش في فيلم «كما قال الشاعر« الذي مازال قيد الانجاز، ألم تستطع السينما المغربية ولو التأريخ لشاعر مغربي وحيد وما أكثرهم، على الأقل لتعيد البريق للذاكرة ، وتحتفي به لغة وصورة، أليس هذا هو الحب...؟