لماذا هذه الضجة الحارقة في تبديد الضوء، والتحليق خارج شاشة السينما؟ هل استطاع الحلم أن يكتوي بنار الإيديولوجيا وينصاع إلى كهان الأكاديمية الأمريكية للعلوم والفنون السينمائية؟ هل تختزل بهذه البساطة شساعة المعنى في تركيبة هوليود إلى محوري الخير والشر من داخل الأفلام؟ هذه الأسئلة نسوقها هنا على إثر الدورة 82 من حفل توزيع جوائز الأوسكار، والتي انجرفت معظمها نحو فيلم »خزانة الألم« لمخرجته »كاترين بيجلو« التي سيجت العراقيين كقتلة، واحتفت ببسالة الجندي الأمريكي ضد الخوف الشمولي، في صراعه مع الإرهاب. كيف لا، والفيلم يسرعُ من شرعية الحرب الأمريكية وتثمينها في العراق، ويدعم الجندي المؤمن ولو على الطريقة الهوليودية بإنقاذ العالم من شياطين الصحراء. بينما ينزل فيلم »أفاتار« المناهض للاستعمار أسفل الترتيب، فقط لكونه جسد بشاعة الكونيالية، ويدعو إلى رفض العنف ومقاومته. تماما وفي غفلة مني، وأنا أطل على نافذة »الفيس بوك« فاجأني أحد الأصدقاء الافتراضيين بمدى مطابقة الهجومات الاسرائيلية في حربهم الأخيرة على الشعب الفلسطيني، بصور من فيلم »أفاتار«، ولا أستغرب كثيرا وأنا أرى وجوها وأجسادا زرقاء تنبث هنا وهناك وفي نوافذ كثيرة عبر العالم الافتراضي. كما لا أحس بالمرارة بتاتا في الحفل ذاته، أن تقوم الأكاديمية بدعم وبشكل مجاني، بمنح جائزة هذه المرة لإسرائيل على لغتها العبرية. »كاترين بيجلو« صادرت المعنى في مائويتها العالمية (عيد المرأة) وجندت أسئلتها في فيلمها »خزانة الألم« باختزال نظرة هوليود نحو العالم العربي، نظرة يملأها الخوف والرعب نحوه، وجسدت في المقابل بطولات الجنود الأمريكيين في العراق وتضحياتهم من أجل الوطن بهذا المعنى يتوج أفضل فيلم، رغم ما يقال عنه، من تواضع فنيته الجمالية، وإخراجه التقليدي جدا، هذا إن أضفنا بعض السلوكيات التي تضرب بأخلاقيات المهنة عرض الحائط كالدعوة القضائية التي رفعها الضابط (جيفري سارفر) والذي صرح أن الفيلم مستوحى من تجربته الشخصية في تفكيك المتفجرات بالعراق وكاتب السيناريو (مارك بوار) كان قد رافق وحدته العسكرية هناك - زيادة على ذلك منتج الفيلم لجنة الأوسكار قبل أربعة أيام من الحفل، يدعوها إلى ترشيح »خزانة الألم« لجائزة أفضل فيلم مما أدى إلى معاقبته بعدم حضور الحفل. في النهاية، تبقى السينما هي بعث رسائل حلمية قد تكون قوية أحيانا، وتؤثث لأنساق ومفاهيم كبرى، قد تقود العالم إلى نهايات محتملة، وقد تسعفنا الذاكرة حينها أن نضغط على زر الإنذار المبكر لإنقاذ ما يمكن إنقاذه، على أي، إنها مجرد سينما.