الآن وقد مر الإضراب القطاعي الذي دعت إليه المركزيات النقابية الثلاث في أجوائه الطبيعية بغض النظر عن نسبة المشاركة المتباينة جدا بين ما أعلنته هذه المركزيات والنقابات، الآن يمكن أن نتحدث عن تأكيد المركزيات النقابية أن الحكومة أعلنت بشكل انفرادي عن نتائج الجولة الأخيرة من هذه المفاوضات وهي قضية تستوجب بعض التوضيح. فالقراءة الأولية لهذا التصريح توحي أن المركزيات النقابية المعنية كانت متفقة على مضمون الإعلان عن النتائج وأن الاختلاف انحصر بشكل رئيسي حول منهجية وطريقة إعلانها، وهذه القراءة فيها نصيب كبير جدا من الحقيقة، حيث أن المركزيات النقابية كانت قد وافقت في بداية جولات الحوار الاجتماعي على برمجة دقيقة لجميع المطالب المقدمة على مراحل، وبذلك فإن جزء من المطالب المقدمة تم الاتفاق على برمجتها خلال الجولة الجديدة من الحوار التي ستنطلق خلال شهر أبريل القادم، ونخص بالذكر في هذا الصدد قضية الزيادة في الأجور. بيد أنه وقع الاتفاق على برمجة قضايا أخرى في الجولة التي لفظت أنفاسها الأخيرة قبل أيام. الذي حدث فعلا فيما يتعلق بالإعلان عن نتائج الجولة الأخيرة أن جلسات الحوار انتظمت في الانعقاد وترأس الوزير الأول عددا من جلساتها وأثمرت نتائج معينة بعضها تطلب تحكيم الوزير الأول الذي مال في غالبية تدخلاته لفائدة مطالب المركزيات النقابية كما حصل مثلا بالنسبة لتحديد مبلغ 700 درهم للتعويض عن العمل في المناطق النائية، ولما انتهت الأطراف من تلك الجولة طرحت قضية الإعلان عن النتائج، وفي هذه المحطة اقترحت الحكومة توقيع اتفاق مشترك إلا أن بعض المركزيات كان لها تحفظ على بعض القضايا والنقاط، ولم يكن من بديل عن اعتماد صيغتين لا ثالث لهما، إما أن يتواصل الحوار وتزيد الأطراف تعميق النقاش، وهذا يعني تأجيل ذلك إلى جولة أبريل، وإما إقدام الحكومة على إعلان نتائج الحوار بصفة فردية، وفي هذه النقطة لم تعارض المركزيات النقابية ذلك، وردت أنها ستعلن من جهتها موقفها النهائي، وكان ما حدث. وبالنسبة للحكومة ارتأت إخبار الرأي العام بنتائج الحوار، وهذا سلوك حضاري يندرج في سياق إطلاع الرأي العام المنخرط منه في النقابات وغير المنخرط بما تم التوصل إليه، إذ كيف يعقل أن تقدم الحكومة على تنفيذ ما تم الاتفاق عليه دون أن يعلم الرأي العام بذلك؟ وعلى كل حال، إن الأمر يتعلق بتفصيلة من التفاصيل التي تهم الشكل ولا تتعلق إطلاقا بالجوهر، وأن ما سيأتي من جولات الحوار الاجتماعي قادر على تجاوز ما حدث على أساس أن تلتزم كافة الأطراف بالإطار النقابي لهذا الحوار.