الساعة تشير إلى الثانية عشرة زوالا. انطلق العد العكسي لافتتاح فعاليات مهرجان كرنفال إمعشار وفضاء دار الشباب، بمختلف قاعاته، تحول إلى خلية نحل. استغنى العديد من مسؤولي الجهة المنظمة عن تناول وجبة الغذاء. يمكن للبطن أن تنتظر، بخلاف الجمهور وزوار المهرجان المتوافدين بكثرة لمشاهدة كرنفال اخترقت شهرته آفاقا واسعة، وتعدت الحدود الجغرافية المغربية. رؤساء اللجن ومساعدوهم يقدمون النصائح وآخر التعليمات لحوالي 200 مشارك. كل «أمعشور» أو شاب من شباب «بوجلود» و»بيلماون» منكب على وضع آخر اللمسات على زيه وقناعه. دقت ساعة الحسم، واقتربت الشمس من المغيب. وانطلق الكرنفال ليجوب أهم شوارع المدينة. آلاف من الجماهير وزوار المدينة متراصون على جنبات الشوارع. يتأملون ويراقبون الشخوص الخرافية التي تمر أمامهم. ويطلق بعض من المارة ضحكات صاخبة، وآخرون آهات الإعجاب والانبهار، وتخرج زغاريد بديعة من أفواه نساء المنطقة. «C?est impressionnant» يقول سائح فرنسي لمرافقيه. توافقه زوجته، وتهم بأخذ صور للكرنفال. وفد سياحي تركي يؤكد بإنجليزية ركيكة أنه حضر إلى المغرب خصيصا لمشاهدة الكرنفال. «قرأنا عنه في الفايسبوك، وقررنا الحضور، وأعجبنا بما شهدناه. لم نندم على قدومنا إلى تيزنيت. إنها مدينة رائعة ونظيفة. نتنبأ لهذا المهرجان بمستقبل كبير وواعد». هذا ما يمكن فهمه من إنجليزيته الركيكة. ويصل موكب الكرنفال إلى ساحة المشور التاريخية على إيقاع أهازيج إمعشار، والتي تعتمد على الطبل والمزمار والناقوس والدفوف ووقع الأعمدة الخشبية على الإسفلت. صياح الأطفال وصخبهم يضفي رونقا على الحفل. الكل يشرئب بعنقه حتى لا تفوته مشاهدة جميع تفاصيل الكرنفال. تتقدم شخصية «الحزان» الاستعراض، تتبعه عن كثب «تاوايا» (الخادمة)، لتأتي باقي الشخوص المكونة لفرجة إمعشار، يليهم شباب بيلماون ثم بوجلود، فنساء يجسدون ما يطلق عليه «أصرد أوغردا» و»بلغنجا»، لتتبعهم فرق أحواش إسمكان، وأحواش تيزنيت، وغيرها من الفرق المشاركة.. وقال بلقاسم أمزيل، منسق اللجنة التنظيمية، عن اليوم الأول من المهرجان، في تصريح لوسائل الإعلام، «لم نكن نتوقع أن نحقق هذا النجاح الباهر خلال اليوم الأول، خصوصا أن مدة الإعداد للكرنفال كانت قياسية، والدعم ليس كافيا لتظاهرة من هذا الحجم، لكن التضحيات التي قدمها جميع المشاركين، وصبرهم الكبير، ونكران الذات، خصوصا من طرف تنسيقية جمعيات المجتمع المدني المشاركة، بالإضافة إلى المساندة والتشجيع اللذين نتلقاهما باستمرار من عدة جهات، وعلى رأسها السلطات الإقليمية والمحلية وبعض المنتخبين، هي الزاد الذي يدفعنا إلى بذل مزيد من التضحية وتذليل الصعاب.. ونحن نعتبر أن كل شيء يهون من أجل خلق إشعاع وطني ودولي للمدينة على الخصوص والإقليم بصفة عامة». وفي اليوم الثاني من المهرجان، وبدار الثقافة بتيزنيت، انطلقت أشغال الجامعة الشتوية لتيزنيت في دورتها الثانية، والتي تعتبر أهم الجوانب التي يعتمد عليها منظمو المهرجان من أجل إبعاد «الفلكلرة» عن تراث يحمل في طياته إرثا تاريخيا ومهما من التقاليد والعادات التي دأب الأجداد على القيام بها. أكاديميون وباحثون ودكاترة وأساتذة جامعيون من داخل المغرب وخارجه، حضروا ليتحدثوا عن ظاهرة إمعشار، وظواهر أخرى يزخر بها التراث الثقافي اللامادي المغربي. «المتخيل في التراث الثقافي اللامادي بالمغرب» هو المحور الذي تدور عليه مختلف المداخلات، والتي تم توزيعها على عدة جلسات. تناقش كل واحدة منها «تيمة» معينة. وعرفت الجلسة الافتتاحية إلقاء كلمات كل من الجهة المنظمة والجهات المساندة والمدعمة، لتنطلق المحاضرة الافتتاحية حول موضوع «إمكانية إسثتمار الفلسفة في تطور لتراث لثقافي الشعبي» والتي ألقاها الدكتور عبدالسلام بنمايس، رئيس شعبة الفلسفة بكلية الآداب بالرباط. تلاها تقديم وتوقيع كتاب أعمال الجامعة الشتوية الأولى، «تيزنيت: ملتقى وتعايش الثقافات» ، وكتاب»Les gravures rupestres liyco-berbéres de la région de Tiznit»، لمؤلفته أليساندرا برافان، ثم ديوان شعر بالأمازيغية «أزوان ن ؤرماض» أو موسيقى المخاض للشاعرة خديجة أروهال. وتمحورت باقي الجلسات حول «الحكاية الشعبية بالمغرب» و»الأشكال الفرجوية الشعبية بالمغرب»، ثم «الشعر والغناء الشعبي بالمغرب»، وفي اليوم الأخير تم تنظيم مائدة مستديرة حول «التاريخ المحلي: الإشكاليات والخصوصيات». وشكل المهرجان أيضا فرصة للأطفال للتعرف على الحكاية الشعبية وكيفية صنع الأقنعة، والكتابة بحروف تيفيناغ، وذلك عبر ورشات تم تنظيمها لفائدتهم بمختلف المراكز السوسيو ثقافية بالمدينة، ولقيت إقبالا واسعا، إذ شارك فيها مئات الأطفال، والذين تنافسوا في استعراض مهاراتهم، سواء في إلقاء الحكاية أو في رسم الأقنعة، عبر فسح المجال لمخيلتهم الواسعة من أجل ابتكار أشكال تعبيرية تقليدية ومجددة في نفس الوقت، لأقنعة من المنتظر أن يشاركوا بها بعد تسجيدها على أرض الواقع في الدورات المقبلة. من جانب آخر، كان سكان المدينة وزوار المهرجان القادمين من مختلف الجماعات والمدن المجاورة، بالإضافة إلى السياح الأجانب، سواء العابرين منهم أو القادمين خصيصا للمهرجان، على موعد، ليلتي الجمعة والسبت، مع حفلين فنيين، عرفا مشاركة كل من مجموعة إمزالن ومجموعة كريم أناروز والرايس الحسين الطاوس والفنانة كريمة تامايورت ومجموعة إزنزارن الشامخ، والفكاهي شاوشاو، وأحواش تيسينت وأحواش إسمكان وأحواش تيزنيت.. تجدر الإشارة إلى أن فعاليات الدورة الثالثة من مهرجان «كرنفال إمعشار» والذي تنظمه جمعية إسمون للأعمال الاجتماعية والثقافية والرياضية والمحافظة على التراث، حظي هذ السنة بدعم كل من المجلس الجهوي لجهة سوس ماسة درعة والمجلسين الإقليمي والبلدي لتيزنيت والمعهد الملكي للثقافة الأمازيغية والمجلس الإقليمي للسياحة والمندوبيات الإقليمية لكل من وزارة الثقافة والتعليم والشباب والرياضة وعدة مؤسسات اقتصادية بالجهة، كما تميز بحضور إعلامي مكثف. وفي ختام المهرجان، أكد عبدا لحميد أضحان، مدير المهرجان، أن «الجمعية ومعها تنسيقية الجمعيات المشاركة بصفة خاصة، والمدينة والإقليم بصفة عامة، كسبت الرهان بفضل تضافر جهود الجميع وغيرتهم على إنجاح المهرجان. ورغم وجود بعض الصعاب والعراقيل وبعض الأخطاء البسيطة التي تم ارتكابها في بعض اللحظات، فذلك لا يعدو أن يكون دافعا من أجل العمل على تجاوزها في القادم من الدورات. ولعل أصعب شيء في ظل تناسل وتكاثر المهرجانات بالمنطقة، هو ضمان الاستمرارية. ويعول في ذلك كثيرا على الوعود التي أعطيت من طرف العديد من الجهات، سواء في السلطة أو الأجهزة المنتخبة، وأكبر تحد سنعمل على ركوبه هو جعل مدينة تيزنيت قبلة للسياح بفضل هذا المهرجان.. ويذكر أنه في جزر الكناري، يستقطبون مئات الآلاف من السياح الأجانب بفضل كرنفال بوجلود، والذي ينطلق خامس فبراير من كل سنة، وهو مهرجان يأمل مهرجان تيزنيت أن يحقق معه توأمة». ويختم عبد الحميد أضحان كلامه مؤكدا أنه «إذا تضافرت الجهود، خصوصا من طرف الجهات الوصية على السياحة، وتم التعريف بالكرنفال خلال الصالونات والمعارض السياحية الدولية، وتوفر الدعم اللازم، ستصبح مدينة الفضة «تيزنيت» من الوجهات السياحية المتميزة بالمغرب، وهو رهان في متناول يدنا، إذا اتحد الجميع على تحقيقه».