إن تقدم المجتمعات رهين بمدى جدية المسؤولين وقدرتهم على تغليب المصلحة العامة على المصالح الشخصية الضيقة التي سرعان ماتزول بالإعفاء بالاستقالة »وهي حالة نادرة الوقوع عندنا« وقد يكون من المفيد استمرار عمل المسؤول إن كان حقا يساهم في تطوير العمل بالقطاع المسؤول عنه. بمعية مساعديه وكل المتقدمين بالمشاريع والمبادرات الإنمائية الهادفة، عدا ذلك فكل مسؤول يعمل في إطار ضيق وارتجالي أو أحادي فإن المسؤوليات هنا تتقلص أهدافها ونتائجها لتصب في المصالح الضيقة التي تخدمه وتخدم أشخاصاً معنيين دون غيرهم، المؤسف في هذه الحالة أن فرص التطور والنماء تتضاءل أو تتأجل إلى أن يحل مسؤول آخر قادر على تدارك الركود الذي خلفه سلفه، لكن الصعوبة فيما خلفه المغادر من مخلفات وإجراءات خاطئة أو جائرة وقرارات يصعب تغييرها بالسرعة الكافية لتجاوز مرحلة التسيب. إن المسؤولية أمانة أخلاقية وقانونية وتاريخية على عاتق أي مسؤول في مختلف القطاعات خصوصاً العمومية منها، وكيفما كانت مستويات المهام. ومادمنا في دولة الحق والقانون فكل مسؤول ملتزم بأداء مهامه بنزاهة وصدق لخدمة القضايا والأهداف المتفق عليها والتي تصب كلها في خدمة الصالح العام، وهذا شرط أساسي لامحيد عنه لكل ممارسة سليمة، ولن يتطور أي قطاع إن لم يكن المتعاونون على تسييره وبمختلف درجاتهم من خيرة الناس وأوفاهم وأقدرهم على تحمل المسؤوليات وتغليب المصلحة العامة على المصالح الخاصة، التي وإن حققت مكاسب مادية ذاتية وآنية فإنها لن تحقق للبلد والعباد الوعودوالأهداف المرجوة، كما أنها لن تحقق للمستفيد منها إلا تأنيب الضمير بعد أن يكون قد فوت فرصاً كانت يمكن أن تعلي شأنه وترفع قدره بين المواطنين وتبعده عن كل الأخطاء التي لايمكنها أن تُنسى بزواله، عكس ذلك فقد يجوز محاسبته عنها إذا ما اقتضت الضرورة ذلك خصوصاً إن كانت لها انعكاسات سيئة على السير العام للقطاع أو إن مست أشخاصاً في أرزاقهم وكراماتهم دون وجه حق. ورغم أن بلادنا استفادت خلال مراحل تطورها من خدمات أطرها الأكفاء والأوفياء للمثل العليا والمقدسات وأخلاقيات العمل، فبقدر ما تحقق من نماء في ظل ديمقراطية رائدة، إلا أن بعض المسؤولين وهم كانوا ولايزالون قلة عددية والحمد لله على ذلك، غالباً ما يتجاهلون إلتزاماتهم وما هو منتظر منهم من حسن التدبير ونكران للذات والتحلي بالمصداقية والحكامة الجيدة والفعالية، فينزلقون في تدبير الشأن العام بمزاجية وغطرسة وانتهازية ومحسوبية متناسين أن المسؤولية هي التعاون المشترك بين جميع الكفاءات والأطر لتقاسم المسؤوليات وتوحيد الجهود والبحث عن السبل والوسائل الأفضل لاتخاذ القرارات الصائبة بعيداً عن أي تعصب أو أحادية في التسيير، فالعمل الجماعي يساهم بشكل إيجابي في خدمة قضايا الناس ومن خلالها قضايا الوطن. البلاد في حاجة إلى جميع أطرها، لافرق بين المُهمش والمقرب إلا بالنزاهة والكفاءة والقدرة على تطوير العمل وذلك بالإبتكار والمبادرة، فكيف يحق لمسؤول نال الثقة التي تفرض عليه الأمانة أن يحرم الإدارة من أجود أطرها لإفادة المقربين حتى ولو كانوا لايستحقون تكليفهم بمهام ليسوا بقادرين على ممارستها. لقد أثبتت التجارب أن الباحثين عن الترقيات والمكافآت أقل مردودية من غيرهم عكس ذلك فهم أكثر المتباهين بمناصبهم وأكثر المتملقين لمسؤوليهم وأكثر بطشاً بمن هم أقل منهم تصنيفاً وأكثر استهتاراً وعبثاً بمصالح الناس.