تحدثنا سابقا عن إشكالية إطلاق العنان للفتاوى لاعتبارات شخصية واعتمادا على خلفيات سياسية أو اقتصادية، واليوم نتحدث عن ردود الفعل التي أحدثتها هذه الفتاوى وهي ردود فعل عكست بكل تأكيد الخطورة البالغة جدا التي تلتصق بصفة تلقائية ومباشرة بكيفية إنتاج وإصدار هذه الفتاوى. وكانت قضية تسوق الخمور واستهلاكها في مقدمة هذه الردود العنيفة التي لا ننفي أنها تتسبب في خلق رجة فكرية قوية داخل أوساط المجتمع، وهي ردود جاءت في مجملها كفتاوى مضادة ارتكزت بدورها على الخلفيات الفكرية والسياسية وحتى العرقية لدى البعض، ونحن إذ نبدي بعض الملاحظات فإنما نقصد المساهمة فيما ترتب عن الفتاوى والفتاوى المضادة التي اكتظت بها الساحة الإعلامية خلال الأيام القليلة الماضية. المتفق عليه الآن في المجتمع وفي الدستور المغربي الذي يمثل عقدا بين جميع الأطراف أن المغرب دولة إسلامية، والتنصيص على هذا المقتضى في أسمى قوانين البلاد يطرح إشكاليات حقيقية فيما يتعلق ببعض المظاهر السائدة في المجتمع بموافقة السلطة ومباركتها ويأتي استهلاك الخمور وعرضها للبيع أمام الملإ يجسد أهم تجليات عدم احترام الدستور، وهو إخلال لا يمكن أن نتستر عنه وراء حماية الحقوق الفردية، فحقوق المجتمع التي تصونها القوانين السارية تأتي قبل حقوق الأفراد الفردية، بل إن الحقوق الجماعية هي تجسيد قوي وواضح للحقوق الفردية، لأنها تمثل سقفا للاتفاق بين الأفراد وتكتلا واضحا للحقوق الفردية نفسها، وللذين يدافعون عن أسبقية الحقوق الفردية على الحقوق الجماعية نسألهم عما إذا كانوا يوافقون على إطلاق العنان لجميع الحقوق الفردية، أم أنهم يقتصرون على بعض من هذه الحقوق التي تستجيب لاحتياجات شخصية معينة وتتماشى مع خلفيات بعينها. إن التنصيص على الهوية الإسلامية للدولة المغربية يضع كل هذا النقاش خارج السياق تماما، ومن غير المقبول الاحتماء بمطالبة تعديل قانون متفرع عن الدستور في مسألة تجريم بيع الخمور واستهلاكها، باعتبار أنه لا يمكن من الناحية القانونية الصرفة تعديل ماهو متفرع دون النظر إلى مرجعية هذا المتفرع. ومن ناحية المضمون فإن الدعوة الى استباحة استهلاك الخمر يشكل خطورة كبيرة على أمن واستقرار المجتمع، قد يقول قائل إن الاستهلاك أمر واقع فما الضرر من رفع التحريم؟ وهنا نجيب بأن إلغاء التحريم والتجريم قضية ثقافية في المقام الأول، إذ أن يخضع المشرع لما هو سائد وإن كان خاطئا، فهو يطلق العنان للزيادة في الاستهلاك. إن استهلاك الخمر يشكل تهديدا مباشرا لمصالح المجتمع، من خلال ارتفاع معدلات الجريمة وحوادث السير وتكريس الانحرافات الخطيرة في سلوكيات المجتمع، لذلك حرم الإسلام استهلاكه، وليس من قبيل الصدف مثلا أن تمنع جميع قوانين السير في العالم السياقة في حالة سكر، إن تجريم استهلاكه في ضوء هذه الحقيقة الجزئية يؤكد أن المشرع يحمي المجتمع من الأضرار المترتبة عنه. أما ما يتعلق بالتستر وراء الحريات الفردية فإنه لايمكن أن يكون مبررا مقنعا للإقدام على ما يريده البعض من الذين يتحركون ويمارسون وينتجون على أساس خلفيات إيديولوجية وسياسية واقتصادية نعرف حدود وسقف تفكيرهم. فالمغرب دولة إسلامية، والمغاربة معتزون بإسلامهم ومشتبثون بهذا الدين الحنيف، ومن المؤكد فإن مثل هذه النقاشات التي تبدو مفتعلة لن تجدي نفعا في ثني المسلمين عن دينهم الحنيف.