بدعوة من جلالة الملك محمد السادس يقوم الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون بزيارة دولة إلى المغرب ابتداء من يوم الإثنين، زيارة بقدر ما تعكس عمق العلاقات الثنائية، القائمة على شراكة راسخة وقوية ومتعددة الأبعاد سياسيا واقتصاديا واجتماعيا، وحتى تاريخيا، بقدر ما تؤكد مرة أخرى الأدوار الأساسية والطلائعية التي ما فتئت تقوم بها دوما الديبلوماسية الملكية من أجل مغرب يحظى بمكانة متميزة بين الأمم والشعوب. لقد كانت للدبلوماسية الملكية الحكيمة بكل تأكيد أدوار حاسمة في عودة الدفء للعلاقات ما بين المغرب وفرنسا، بعد «سحابة صيف» عابرة لم تجثم كثيرا فوق سماء بلدين صديقين يتطلعان إلى المستقبل، وفق أجندة واضحة المعالم تأخذ بعين الاعتبار مصالح الطرفين في سياق وطني وإقليمي ودولي مليء بالتحديات والرهانات. ديبلوماسية استباقية وهادئة، عرفت كيف تدبر العلاقات ما بين البلدين بذكاء كبير، وجعلت مصلحة الشعبين فوق كل اعتبار إلى أن توجت بالإعلان الصريح لقصر الإليزيه تأييد فرنسا الواضح لمقترح الحكم الذاتي في الصحراء تحت السيادة المغربية، في رسالة وجهها الرئيس ماكرون إلى جلالة الملك، اعتبر فيها المخطط الذي تقدمت به الرباط، هو «الأساس الوحيد» للتوصل إلى تسوية للنزاع، وأن «حاضر ومستقبل الصحراء يندرجان في إطار السيادة المغربية». مباشرة بعد هذا الموقف الذي وصف من قبل المتتبعين بالمنطقي والناضج سياسيا، على اعتبار أن فرنسا، وإلى جانبها اسبانيا التي سبقتها بالإعلان عن ذلك، هما من أكثر البلدان معرفة بأسرار وتفاصيل نزاع مفتعل من قبل الجارة الشرقية التي تعيش على وقع الصدمات المتتالية بخصوص هذا الملف وغيره. ديبلوماسية وضعت كل شروط وظروف نجاح زيارة تاريخية بطعم يتطلع إلى مستقبل مشرق ما بين البلدين، كيف لا والرئيس الفرنسي لم يتردد في أن يرافقه فيها وفد هام من الوزراء والمسؤولين ورجال الأعمال، من أجل الاستفادة من مختلف الظروف الاستثنائية والمؤهلات الكبيرة في مجال جذب الاستثمار التي يوفرها اليوم المغرب، خاصة في مجالات الطاقات المتجددة، والهيدروجين الأخضر، والصناعات الحديثة، والبنيات التحتية والأساسية في مقدمتها تلك التي لها علاقة باستعدادات المملكة لاحتضان الكأس العالمية 2030. زيارة وفق ما أكده عدد من المسؤولين الفرنسيين، سيعيد فيها ماكرون تأكيد مواقفه الأخيرة من ملف الصحراء المغربية، معتبرا «أنه من المهم جدا بالنسبة لأصدقائنا المغاربة أن نعيد لنؤكد اهتمامنا بهذه المسألة الحيوية لأمنهم الوطني»، مضيفا أن باريس «لن تكتفي بالإعراب عن مواقف مبدئية، بل ستسعى لقرن القول بالفعل لجهة المساهمة في تطوير الصحراء،حيث قام المغرب بضخ استثمارات كبيرة لصالح سكانها». ديبلوماسية مغربية بامتياز، في دروسها ونتائجها وعبرها، ستضع بكل تأكيد العلاقات ما بين المملكة المغربية والجمهورية الفرنسية على مسار سكتها الصحيحة بعناوين عريضة خلاصتها التطلع إلى المستقبل بروح من التعاون الوثيق والصلب. ديبلوماسية ملكية، أصاب كثيرا نيكولا ساركوزي الرئيس الفرنسي السابق، حين قال بمناسبة تقديم كتابه «زمن المعارك»، بأن «صاحب الجلالة الملك محمد السادس رجل لم أفتأ أعجب به وأحترمه. إنه رجل استثنائي وأحد القادة الكبار الحكماء والمتبصرين». مضيفا «إننا نتقاسم الاهتمامات والروابط نفسها، ونحن مختلفان للغاية ولكننا متقاربان جدا...لطالما استشعرت هذا القرب من المغاربة، إنه شعب مضياف وعظيم السخاء». وأكد في ذات المناسبة «بلا شك فإن التاريخ سيدرج الملك محمد السادس كواحد من أعظم الملوك المغاربة..».