مسيرة سلمية بدلالات تاريخية عميقة يحتفل الشعب المغربي، اليوم الأربعاء 16 أكتوبر 2024، بفخر واعتزاز بالذكرى 49 لإعلان الملك الراحل الحسن الثاني، طيب الله ثراه، عن تنظيم المسيرة الخضراء المظفرة، التي تعد محطة مشرقة في تاريخ استكمال الوحدة الترابية للمملكة واسترجاع الأقاليم الجنوبية. فقد كان هذا الحدث التاريخي إيذاناً ببدء مرحلة جديدة في مسار التحرر الوطني واستعادة الأراضي التي كانت خاضعة للاستعمار الإسباني.
وكان الملك الراحل الحسن الثاني قد أعلن في 16 أكتوبر 1975، عن تنظيم المسيرة الخضراء، التي أصبحت سابقة في تاريخ التحرر من الاستعمار، إذ أظهرت للعالم أجمع أن الصحراء المغربية كانت على الدوام جزءاً لا يتجزأ من المملكة، وأن سكانها تجمعهم بسلاطين المغرب روابط البيعة والولاء. وتزامن هذا الإعلان مع ظرفية دولية وداخلية معقدة، إذ كان المشهد العام لا يوحي بقدرة المغرب على استكمال استرجاع أراضيه من الاستعمار. وكان المغرب، منذ استقلاله عام 1956، يواجه تحديات متزايدة لاستكمال وحدته الترابية، خصوصا في ظل استمرار الاحتلال الإسباني لأقاليمه الجنوبية، وعلى الرغم من الجهود الدبلوماسية التي بذلتها المملكة لاسترجاع الصحراء المغربية، إلا أن الاستعمار الإسباني ظل متمسكا بهذه الأراضي، مما دفع به إلى تصعيد مطالبه من خلال اللجوء إلى المنتظم الدولي وتقديم ملفه بشأن الصحراء إلى الأممالمتحدة، مطالباً بحقوقه التاريخية والقانونية في الإقليم، استنادا إلى روابط البيعة التي جمعت سلاطين المغرب بقبائل الصحراء، وتواجد تمثيليات لهم في التنظيم الإداري والترابي. وبناء على هذا الملف، قررت الجمعية العامة للأمم المتحدة إحالة القضية إلى محكمة العدل الدولية للحصول على رأي استشاري.
في 16 أكتوبر 1975، أصدرت محكمة العدل الدولية رأيها الاستشاري، الذي اعترف بوجود روابط البيعة بين المغرب وقبائل الصحراء، وأقر بحق المغرب في المطالبة بالصحراء، فيما حاولت إسبانيا تسيير مناورات دبلوماسية للحفاظ على وجودها في الصحراء، وطرحت إمكانية تقسيم الإقليم أو حتى تركه كمنطقة مستقلة. هذه التحركات كانت بمثابة تهديد مباشر لوحدة المغرب الترابية، وهو ما دفع الحسن الثاني إلى اتخاذ خطوة حاسمة.
وأمام هذه التعقيدات، قرر الملك الحسن الثاني عبر عبقريته الدبلوماسية تنظيم المسيرة الخضراء كخطوة سلمية تستند إلى حق المغرب التاريخي والقانوني في الصحراء، وقد مثلت ردا ذكيا على المأزق الدبلوماسي الذي كانت تواجهه البلاد، وأظهرت التزام المغرب بحل سلمي قائم على الشرعية الدولية، فبدلا من اللجوء إلى القوة العسكرية، دعا الحسن الثاني إلى تعبئة وطنية سلمية شارك فيها 350 ألف مغربي، من أجل دخول الصحراء بطريقة سلمية واستعادة السيادة على الأقاليم الجنوبية.
وأرغمت المسيرة الخضراء إسبانيا على الدخول في مفاوضات مع المغرب، أسفرت عن اتفاق مدريد في 14 نونبر 1975، وبموجبه تخلت إسبانيا عن إدارة الصحراء، وأجلت قواتها عن الأقاليم التي استرجع المغرب سيادته عليها، قبل أن تفتعل الجزائر نزاعا بالاعتماد على مرتزقة أرادوا إفساد ما لا يفسد، وقد نجح المغرب في تأكيد سيادته عليها وجعل من أقاليم صحرائه وشعبه المغربي بها نموذجا متطورا ومزدهرا يضرب به المثل في المحافل الدولية ومنصة واعدة تسلب لب السياح والمستثمرين، بعد استكمال مشروع التنمية المستدامة والتطوير المستمر لهذه الأقاليم التي أتمت تحت القيادة الرشيدة للملك محمد السادس، وكسب تأييد معظم الدول الكبرى لمبادرة الحكم الذاتي تحت السيادة المغربية.