من خلال قراءاتي لما وفق في نشره مؤلفا ومنشورا ومن خلال العشرة التي أتيحت لي على قلتها تبين لي أن ثمة عناصر أربعة أجاد في صهرها وجعلها منارا له وفيما يكتب وفيما ينسج من علاقات فيما يغضب عليه أو يدفع الآخرين إلى الغضب منه. المنبع الأول: عبد الجبار مصدره في التعلم والتثقيف هو الحياة بالدرجة الأولى. فتكوينه عصامي، إذ أتاحت له مدارس محمد الخامس، في البداية الأساس المنطلق لكنه وجد في الحياة وفي مواهبه وفي قدراته كل الأسباب من أجل أن يواكب ويجعل من ثقافته عصارة ثقافة المغرب من خلال النصف الثاني من القرن العشرين ومن خلال الألفية التي نوجد في مطلعها الآن، هذه العصامية في التكوين منحت عبد الجبار السحيمي ميزة أساسية هي انشداده العميق والمتواصل منذ أواخر الخمسينيات إلى الكلمة الحرة المسؤولة والنزيهة، هذه الكلمة التي اختارها وحدها هي سبله إلى الوجود والنضال ونسيج علاقات مع الآخرين. العنصر الثاني، ولأنه قريب من الحياة، فقد أتيحت له الفرصة لأن يعاشر بعضا من كبار مفكري ومثقفي عصرنا ومنهم بوجه خاص السيّد علال الفاسي، والقرابة التي توجد بينهما هي قرابة فوق الحزبي وفوق السياسي، هي قرابة روحية وفكرية، أكثر من ذلك هي قرابة بيداغوجية وتربوية، فالسحيمي خلافا لمجايليه أو تنويعا عليهم أو لمن جاءوا بعدهم، لم يركب أبدا موجة التجريب لا في الفكر ولا في الثقافة ولا في الإعلام ولا في الإبداع، لارفضا لهذا التجريب، بل رغبة في أن تصل فكرته إلى الآخرين بالوضوح اللازم والصرامة اللازمة والمنهجية المفيدة والعملية. لقد التزم عبد الجبار في كتاباته بأمرين أساسيين: الوضوح والمسؤولية وروح التسامح، وروح القبول بالآخرين، إذ قلما يغرق السحيمي ذاته في التفاصيل أو المقدمات، إنه يمسك بالموضوع مباشرة ومن خلال ذلك يلقي بالفكرة أو الموقف في تحليل وضع ما أو عرض شهادة على حاله. هذان المنبعان تعددا لدى عبد الجبار السحيمي بمنبع ثالث أساسي: الوطنية. منبع الوطنية بالمعنى العميق لكلمة الوطنية، عبد الجبار عشق هذا الوطن، توله بهذا الوطن، ولذلك اختار فقط أن يتأسس عما يمكن أن يكون هذا الوطن، وعمّا ينبغي في أن نحذر من أن يكون السبب في أن يضر هذا الوطن، ومن هنا أشار إليه بعض الأخوة والأصدقاء من نزوع انتقادي غالب عليه وعلى كتاباته سواء أكانت قصة أم كانت خاطرة أم عمودا أسبوعيا أو تعليقا عما يحدث بين الحين والآخر، هذه الروح الوطنية جعلته يقيم انصهاراً وتوازنا عميقا بين الوفاء بما هو أساسي لاختيارات حزبه، وبين أن يظل على صلات الحوار والتواصل ليس فقط مع من يختلفون مع حزبه أو مع اختيارات هذا الحزب ممن يمكن أن يكونوا معارضين، معاكسين لهذا الحزب، إن النخبة التي توجد في المغرب كلها توجد في تواصل، وفي الصلة بعبد الجبار، ولا يمكن بأن يكون ذلك إلا بسبب روحه السمحة. وبسبب هذا الادراك المتفتح للوطنية أو للروح الوطنية. والمنبع الرابع وهو أساسي في تقديري الشخصي وهو المكانة التي يحظى بها الأدب في وجدان واهتمام عبد الجبار السحيمي، الأدب ليس هو الشعر أو النثر، الأدب تراث، ذخيرة نفسية من دونها يفقد الإنسان جزءا أساسيا مما يكون حاسته الجمالية من دون هذا الأدب يفقد الإنسان أحيانا القابلية من أن يجعل من الأنسنة المنبع والمصب، اهتمام عبد الجبار بالأدب مبدعا، من خلال قصصه، ناقداً على امتداد أربعة عقود كلما أثارته نصوص أو ظواهر أو أعمال أدبية تستحق أن يثار الانتباه إليها، اهتم بها وعرّف بها وقدمها للقارئ المغربي.