كلنا يتذكر لما صدرت مدونة الأسرة، كيف صفق لها الجميع من مختلف الأطياف، واعتبروها قفزة نوعية في مجال التشريع الأسري بالمغرب، بل ونوهت بها عدد كبير من الدول الغربية، حتى صارت مضرب المثل بين تشريعات الأسرة في تحقيق المساواة، لكن بعد الشروع في تطبيقها على إثر دخولها حيز التنفيذ، بدأت عوراتها تنكشف، ومثالبها تطفو على السطح، بسبب الإشكالات العملية التي نجمت عن هذا التطبيق، والتي أسهم كل من الفقه والقضاء في الكشف عنها خلال عقدين من الزمن، ولا ضير في ذلك، إذ ليس هناك قانون وضعي يتسم بالكمال. ولعل هذا هو سبب ورود الرسالة الملكية الموجهة لرئيس الحكومة، المؤرخة في 26 شتنبر 2023، التي حملت في طياتها الانطلاقة لورش الإصلاح الذي أريد له أن ينصب على جوانب القصور في المدونة، مسندة قيادة هذا الورش بشكل جماعي ومشترك، لكل من وزارة العدل والمجلس الأعلى للسلطة القضائية، ورئاسة النيابة العامة، وطبيعة عمل هذه الهيئات الثلاث تنم على أن الغرض الأساس من المراجعة هو تجاوز الإشكالات القانونية المومأ إليها، غير أنه حرصا من جلالته على احترام المرجعيتين الوطنية والدولية، فقد دعا إلى إشراك كل من المجلس العلمي الأعلى بصفته الجهاز المهتم بالمرجعية الوطنية التي يتبوأ فيها الدين الإسلامي مكان الصدارة، والمجلس الوطني لحقوق الإنسان، باعتباره الجهاز المهتم بالنظر في القضايا المتعلقة بالدفاع عن حقوق الإنسان والحريات وحمايتها وبضمان ممارستها، في نطاق: "الحرص التام على احترام المرجعيات الوطنية والكونية في هذا المجال"، كما ينطق بذلك صراحة الفصل 161 من الدستور المغربي الذي أجمع عليه المغاربة تحت قيادة صاحب الجلالة نصره الله، باعتباره حامي الملة والدين، فضلا عن إشراك الوزارة المكلفة بالتضامن والإدماج الاجتماعي والأسرة، باعتبارها معنية هي الأخرى بقضايا الأسرة. ولما بدأت اللجنة في الاشتغال، استقبلت عددا كبيرا من مقترحات التعديل، وبالموازاة مع ذلك عُقدت العشرات من الندوات، كل يقترح ما يراه أصلح للأسرة المغربية، إما استلهاما من المرجعية الوطنية، وإما استلهاما من المرجعية الدولية، وإما استلهاما منهما معا في إطار من التوازن، الذي ينص عليه الدستور، وهذا السجال خلق لغطا كبيرا لدى المغاربة، بل وخلق تخوفا كبيرا من أن يتم تغيير المدونة على نحو يدخل الأسرة المغربية في نفق مسدود، نظرا لتعارض المرجعيات في عدد من المواضيع الحساسة. ونحن في هذا المقال الوجيز، سنحاول تسليط الضوء في حدود ما هو متاح على النموذج الأسري الذي اشتهاه المجلس الوطني لحقوق الإنسان، ورسمه كمقترح للمغاربة، من خلال مذكرته التي قدمها للجنة يوم 20 دجنبر 2023، لكونها اجتمع فيها ما تفرق في غيرها، وذلك من أجل مناقشة ما جاء فيها بكل حيادية ودون خلفية، على أساس الاحتكام إلى منطق العقل، الذي دعانا الله إلى استخدامه في أكثر من آية، وفي إطار احترام التوجيهات الملكية، وستنصب هذه المناقشة على ثلاث نقط أساسية، أولها المفهوم الجديد الذي رسمه المجلس للأسرة ومعالمها، وثانيها الجوانب المالية في نظام الأسرة، وثالثها الجوانب غير المالية في هذا النظام، مع محاولة استشراف آفاق التعديلات المقترحة على ملامح النظام الأسري في المغرب، خاصة وأن دراسة أي مشروع لا ينبغي أن تقتصر على المقترحات وحسب، وإنما ينبغي أن تتعداها إلى دراسة المخرجات، إذ ليس من المعقول طرح دواء في السوق قبل النظر فيما قد يسببه من أعراض جانبية على المريض. أولا: المفهوم الجديد الأسرة الذي يريده المجلس الوطني لحقوق الإنسان نذكر بداية بأن الدستور المغربي نص في الفصل 32 منه على أن: "الأسرة القائمة على الزواج الشرعي هي الخلية الأساسية للمجتمع" المغربي، والزواج الشرعي تكفلت المادة الرابعة من مدونة الأسرة بتعريفه، بأنه: "ميثاق تراض وترابط شرعي بين رجل وامرأة، على وجه الدوام"، مستدركة ذلك بأن الغاية منه الإحصان والعفاف، وإنشاء أسرة مستقرة برعاية الزوجين معا، وهذا يعني أن فلسفة المشرع المغربي تروم إيجاد مجتمع نظيف، مكون من أسر مستقرة، يتم فيها احترام الحقوق والواجبات، لكن المجلس الوطني لحقوق الإنسان في مذكرته، صفحة 19، وإن اعتبر أن الأسرة هي الخلية الأساسية للمجتمع، إلا أنه لم يقصرها كما فعل الدستور على الزواج الشرعي، وإنما جعلها تشمل: "علاقة الزوجية، أو القرابة، أو الالتزام"، وبهذا المقترح يصبح مفهوم الأسرة الجدير بالحماية القانونية أوسع نطاقا، إذ يشمل علاقة الزواج دون تحديد جنس طرفيها، مما يعني أنها قد تكون بين رجل وامرأة كما تنص على ذلك حاليا مدونة الأسرة، وقد تكون بين رجل ورجل، كما هو الحال في بعض الدول الغربية الغارقة في الوحل الأخلاقي، مما تنأى عنه حتى الحيوانات، وقد تكون بين امرأة وأخرى، كما يشمل القرابة، فضلا عن الالتزام، باعتباره رابطة بين شخصين يلتزمان بما ينظمها وبما يترتب عليها، دون اشتراط أن يكون بينهما عقد زواج، وهذا يفسح المجال لأن يعيش رجل وامرأة تحت سقف واحد، يمارسان حياتهما الطبيعية دون أي رابط شرعي بينهما، خاصة وأن هناك توصية من المجلس بإلغاء الفصل 490 من القانون الجنائي، تجد مبررها المنطقي حسب تصريحات السيدة الفاضلة أمينة بوعياش في أن الزج بالزاني في السجن لن يوقف العلاقات الرضائية، مع أن ذات المنطق ينطبق على السارق والقاتل وغيرهما، فالزج بالسارق في السجن حسب ذات المنطق لن يوقف السرقة، والزج بالقاتل في السجن لن يوقف القتل، وهكذا، فهل معنى هذا أن نلغي مجموعة القانون الجنائي برمتها لعدم جدوى العقوبة ؟. ثانيا: الجوانب المالية في نظام الأسرة (الإرث، الوصية، الصداق، النفقة، المتعة، الأموال المكتسبة) 1- فيما يخص الإرث والوصية: نلاحظ أن المجلس تجاوز فتوى المجلس العلمي الأعلى، كمؤسسة دستورية، القاضية بأن الإرث خط أحمر، لكون نصوصه قطعية، فاقترح إمكانية تخويل صاحب المال سلطة اختيار النظام المطبق على أمواله، إما الوصية وإما الإرث، مع تقييد هذا الأخير بعدد من القيود، وتحرير الوصية مما يحكمها من قيود، سواء ما تعلق بقيد: "لا وصية لوارث"، أو بقيد "الوصية تكون في حدود الثلث، تجنبا للإضرار بالورثة"، ولن نتساءل لماذا يثير المجلس هذه القضية من جديد، مع العلم أن المغرب أكد عن رفضه لكل ما يمس نظام الإرث بعد تاريخ رفع تحفظاته على اتفاقية سيداو، وإنما فقط نتخيل الواقع إذا ما أخذ هذا المقترح في تعديل المدونة، أليس من المنتظر أن يوصي الرجل لزوجته بالنصف أو الثلثين، ويوصي بالثلث الباقي لأحد أبنائه ويحرم الباقين، أو لا يوصي لزوجته بشيء، ويوصي بجميع ما يملك لأحد أبنائه، مع ما سيجره هذا الأمر من عداء وشحناء بين الجميع، وبالتالي تشتت أفراد الأسرة الواحدة ؟، ثم كيف نثق في عدالة الإنسان ولا نثق في عدالة الله؟، أليس هو القائل في محكم كتابه:"وَأَنَّ اللَّهَ لَيْسَ بِظَلاَّمٍ لِّلْعَبِيدِ"، "وَلا يَظْلِمُ رَبُّكَ أَحَدًا"، ".. وَحَمَلَهَا الإِنسَانُ إِنَّهُ كَانَ ظَلُومًا جَهُولاً"؟، وللإشارة فقط، لو كان واضعو المذكرة على اطلاع بالمادة 280 من مدونة الحقوق العينية، لأدركوا بأن صاحب المال يمكنه أن يهب أمواله لمن يشاء قيد حياته وصحته، مما كان سيغنيهم عن مقترحهم المذكور. 2- فيما يخص الصداق والنفقة والمتعة: وهذه كلها حقوق خاصة بالمرأة، أوجبتها المدونة على الزوج، ولا سبيل له إلى التنصل منها، لكن المجلس الوطني لحقوق الإنسان، وإن كنا نعذره فيما ذهب إليه من اقتراح إعادة النظر فيها على أساس أنها تخل بمبدأ المساواة التماثلية كما يفهمها تبعا لما ترومه الاتفاقيات الدولية، لأنها واجبة على الزوج دون الزوجة، فإن ما نؤاخذه عليه، هو التبرير الذي بنى عليه مقترحه، فهو لم يبنه على أنه يخل بمبدأ المساواة، وإنما بناه على أن هذه الحقوق وإن كانت تستفيد منها المرأة ماديا، إلا أنها تحط من كرامتها، مع أن المشرع استند في تقريرها على نصوص قطعية من القرآن الكريم، وكأن أصابع الاتهام في تحقير المرأة موجهة إلى النص القرآني، مما يعني أن الله خلقها ليهينها، وطبعا المجلس بمقترحه جاء لينصفها من الظلم الذي لحقها من خالقها، وما على المرأة المغربية إلا أن تحييه على هذا الإنجاز العظيم، ومن جهة أخرى لو أخذنا بمقترحه الرامي إلى جعل النفقة واجبة على الزوجين على حسب طاقة/ دخل كل منهما، ألا يفضي هذا الأمر إلى سلبيتين، إحداهما أن العلاقة الزوجية ستقوم على حسابات مادية ضيقة، مما قد يملأ المحاكم بنوع جديد من النزاعات كانت في غنى عنها، وثانيهما حرمان النساء اللائي، لا دخل لهن، من الزواج، خصوصا في ظل ارتفاع منسوب البطالة في بلادنا، مما يفوت عليهن فرصة التمتع بحق الأمومة، فهل هذا ما يريده المجلس لنسائنا، أم أنه لم يلتفت إلى هذا الملحظ؟، أما تفسيره لمصطلح المتعة بكونه يشيء العلاقة الزوجية ويحصرها في المتعة الجنسية، ومن تم وجب تعويضه بمصطلح التعويض، فيبدو أن المجلس أساء فهم المصطلح، فهو لا يدل على ما ذكره، وإنما يدل على تعويض المرأة جبرا لخاطرها الذي تعكر بسبب هدم الأسرة، ولا يدل مطلقا على معنى المتعة الجنسية. 3- فيما يتعلق بالحق في الأموال المكتسبة: فنحن مع ما ذهب إليه المجلس من اعتبار العمل المنزلي مساهمة في تكوين الأموال المكتسبة، ولطالما نادينا بهذا الأمر، خاصة وأن العمل المذكور ليس واجبا على المرأة في المذهب المالكي، ثم إن المادة 49 الغرض الأساس منها هو حماية ربات البيوت أو هكذا ينبغي أن تفهم، وإلا فلا معنى لإضافتها إلى نصوص المدونة، على اعتبار أنها لا تضيف شيئا، لأن الفصل 230 من قانون الالتزامات والعقود، الذي يكرس أن العقد شريعة المتعاقدين، تغني عنها، مما يعني أن المادة 49 تفيد إضافة مقتضى جديد على ما ينص عليه الفصل 230 المذكور، وهو منح ربات البيوت حقا في الأموال المكتسبة نتيجة الجهد المبذول في توفير الظروف المناسبة لعمل أزواجهن. ثالثا: الجوانب غير المالية في نظام الأسرة (زواج القصر، زواج التعدد، اختلاف الدين في الزواج، الزواج غير الموثق، إثبات النسب، المادة 400 من المدونة) 1- فيما يخص زواج القصر: يجدر التنبيه إلى أن سن الزواج كقاعدة عندنا هو 18 سنة شمسية كاملة، واستثناء يمكن السماح بزواج القاصر (ذكرا كان أو أنثى) دون السن المذكورة إذا كانت المصلحة مؤكدة في زواجه، والمصلحة هي أحد ضروب العدل الذي تنشده البشرية جمعاء، والاستثناء لا يهدم القاعدة، كل ما هناك أنه ينبغي استعماله في أضيق الحدود، وهذه مهمة القضاء، فكم من قاصر مارست الجنس خفية فنتج عن هذه الممارسة حمل، ورغبت مع شريكها في إصلاح الأمر وتجنب الفضيحة والعار، فلماذا نحول دون لم الشمل بينهما، فنحافظ على عفتهما، ونجنبهما ألسنة الناس، ونضمن للطفل أن يولد في إطار زواج حتى لا يشعر بالمعرة ؟، ولذلك نعتقد أنه كان من الأولى اقتراح تحديد سن أدنى، كسن 16 أو 17 سنة، مع انضباط القضاء لهذا الاستثناء، أسوة بقوانين دول العالم (النمسا، بلغاريا، كرواتيا، إيطاليا، إسبانيا، البرتغال.. وغيرها)، ولكن من المؤسف أن المجلس غض نظره عن تشريعات هذه الدول، وارتأى اتباع دول أخرى مثل ألمانيا والدانمارك وهولاندا والسويد، التي حددت سن الزواج في 18 سنة، مع السماح للقاصر بممارسة العلاقات الجنسية خارج إطار الزواج في سن 14 أو 15، أو في سن 16 أو 17، خاصة وأن المجلس يدعو بدوره إلى السماح بالعلاقات الرضائية (الزنا) بين المواطنين المغاربة كما مر بنا، دون تحديد سن لهذه الممارسات، بل تجاوزها إلى حد تجريم الزواج، لنجد أنفسنا أمام مفارقة غريبة، تجريم الزواج في مقابل رفع التجريم عن الفساد، مفارقة عجيبة من دون شك ستجعلنا أضحوكة ومحط سخرية أمام العالم. 2- فيما يخص زواج التعدد: نفس الشي التعدد ممنوع عندنا في المدونة، بدليل الشروط الصارمة التي تطلبها المشرع للإذن به، خاصة شرط عدم وجود شرط من الزوجة بعدم التزوج عليها، وشرط موافقة الزوجة على التزوج عليها، وكلاهما سلاحان قاطعان بيد المرأة، يحولان حتما ومطلقا دون الإذن بالتعدد، فلماذا كل هذا الإلحاح على اجتثاث نظام التعدد من المدونة، مع أن نسبته حسب تقارير رسمية صادرة عن وزارة العدل لا تتعدى 0.34 بالمائة، أي أنه في حكم العدم، ومن جهة أخرى فقد رخص فيه المشرع ليكون سبيلا لعلاج مناسب لبعض المشكلات المستعصية في المجتمع، كما إذا تبين أن المرأة عقيم لا تلد، وهي من أومأت إلى زوجها بالتعدد، فما الضير في السماح بالتعدد في مثل هذه الحالة، خصوصا وأن دافع الأبوة لا يقل أهمية عن دافع الأمومة، فقد يدفعه إلى تطليق زوجته من أجل التزوج بأخرى، ومن تم يكون قد هدم أسرة، ومن جهة أخرى إذا كان هناك عيب في الزوجة يحول دون المعاشرة، وهي من أشارت عليه بالتعدد، أين يكمن الضرر في هذا التعدد مادام قد تم برضاء الأطراف الثلاثة ؟، ومن المؤسف أن نجد المجلس يقترح إقفال باب التعدد مطلقا، وفي الوقت ذاته يقترح فتح باب الممارسة الجنسية مادام الزوج يريد التعدد لمجرد إشباع رغباته، خاصة وأنه سبق له أن أوصى بإلغاء الفصل 491 من القانون الجنائي (لا للزواج.. نعم للزنا)، دون اكتراث لما قد يترتب على هذا الأمر من نقل العدوى، أو وجود أطفال خارج إطار الزواج، أو ارتكاب جرائم قتل، ولا أدري كيف ستقتنع الزوجة المغربية بالسماح له بهذه الخيانة وإن سمح بها القانون، كيف ستسكت عن إهانة كهذه، وهو يتجول كل يوم بين الجداول والحقول يقتطف ما لذ وطاب من الزهور ؟، وهل هناك من تحقير للمرأة أكبر من هذا ؟. 3- فيما يخص اختلاف الدين في الزواج: نشير هنا إلى أنه وإن كانت المدونة تسمح للمغاربة المسلمين بالتزوج بكتابية، فإنه في منظور المذهب المالكي هذا الزواج مكروه، وتشتد الكراهة إذا تم في بلاد الغرب (حاشية الدسوقي على الشرح الكبير)، وهذه الرؤية ذات البعد المصلحي للمالكية تصب كما هو واضح في مصلحة الأسرة المسلمة، ولذلك كان من الأولى الدعوة إلى منع الزوج من زواج بالكتابية أسوة بمنع الزوجة من التزوج بكتابي مراعاة للمصلحة المذكورة، لا إلى السماح لهما معا بالتزوج بمن يخالف دينهما على أساس المساواة. 4- فيما يخص الزواج غير الموثق: ينبغي الاعتراف بأن توثيق الزواج فيه مصلحة ظاهرة، تحفظ حقوق الزوجة والأطفال، ولذلك ينبغي إقفال بابه، على أنه قبل تنزيل هذا المقتضى يتعين إحاطة المواطنين به أولا بجميع الوسائل، ومحاربة أسبابه، سواء كانت أسبابا مادية أو ثقافية، بمحاربة الفقر والهشاشة في المناطق المهمشة، والتوعية بمخاطر هذا النوع من الزيجات في ظل تدني منظومة القيم، وإلا فلن يتغير الأمر، خصوصا في الأسر التي تعيش في البراري، مع إبقاء الباب مفتوحا لتوثيق الزيجات السابقة دون اللاحقة. 5- فيما يخص إثبات نسب الأطفال خارج الزواج: حقيقة أنه ليس هناك نص قطعي في القرآن الكريم يمنع لحوق نسب هؤلاء الأطفال ممن تنسلوا من مائهم، وأن المسألة خلافية بين فقهاء الشريعة، وبالرجوع إلى أقوال من منعوا هذا النسب نجدوهم يبررون المنع بعدم وجود أدلة قاطعة على وجود العلاقة البيولوجية بين الأب والابن، بخلاف العلاقة البيولوجية بين الأم والابن، أما وحيث أصبحت هناك تقنية الخبرة الجينية، فقد بات بالإمكان إثبات تلك العلاقة، فالشريعة ليست هازلة إلى هذا الحد الذي تحمل المرأة مسؤولية علاقة عابرة وتعفي الرجل منها، إذ ليس هذا من العدالة في شيء، ولكن المصلحة المجتمعية تقتضي بقاء المجتمع نظيفا حتى لا يتحول إلى نسخة منسوخة من الغرب، الذي لا يفرق بين ما جاء من سفاح وما جاء من زواج، ولذلك ينبغي الإبقاء على التفرقة بين هؤلاء الأطفال ليس لذاتها، وإنما لتكون سببا رادعا للناس من جهة، ولكي لا نجد أنفسنا أمام شريحة عريضة من الأطفال المولودين خارج إطار الزواج، يشعرون بالنقص والدونية نتيجة عدم مجيئهم بناء على رغبة مشتركة من أبويهم، وإنما نتيجة علاقة سفاح يمجها الطبع البشري السوي من جهة ثانية، ومن جهة ثالثة حتى لا يستغل البعض هذه الثغرة في الإنجاب دون تحمل أي مسؤولية تجاه الزوجة. 6- فيما يخص المادة 400: والتي تشكل المصدر الاحتياطي الذي يعين القاضي في الفصل في القضايا التي لا نص على حكمها في نص تشريعي أو اتفاقية دولية لا تتعارض مع ثوابت الأمة التي نص عليها الدستور وخطب صاحب الجلالة، حيث تحيله على الآراء الفقهية ليختار منها تحديدا ما يحقق قيم العدل والمساواة والمعاشرة بالمعروف، وإذا كان المجلس الوطني لحقوق الإنسان يقترح تعديل هذه المادة لتصبح أكثر وضوحا، فنحن معه، خاصة وأن الفهم القضائي للمادة يقود إلى البحث عن القيم المذكورة في المذهب المالكي دون سواه، مع أنه لا يعدو أن يكون وجها من وجوه فهم الإسلام، إذ ليست تلك القيم حكرا عليه، وحسنا فعل المجلس، إذ لم يقترح إلغاء المادة برمتها كما فعل البعض عن وعي أو عن غير وعي، دون أن يكترث لما قد يسببه هذا الأمر بالنسبة للقضاء من عنت، ودون أن ينتبه إلى أن أغلب قوانين الأسرة في العالم تسعف القاضي وتعينه بمثل هذا المصدر التكميلي، منها القانون العراقي، والقانون الإماراتي، والقانون الجزائري، والقانون الأردني والقوانين الكويتي والقانون السوري والقانون العماني، واللائحة طويلة، إذ لم يجرأ أحد على الدعوة إلى اجتثاث المصدر التكميلي من هذه القوانين، خاصة وأن الغرض منه هو تحقيق العدل والمساواة كمطلب شرعي وكوني. وفي الأخير، إذا كانت المرجعية الأساس التي بنى عليها المجلس الوطني لحقوق الإنسان مذكرته، هي المرجعية الدولية، التي تحظر كما هو واضح كل أشكال التمييز بين الرجل والمرأة بسبب المعتقد، فلماذا اهتمت المذكرة فقط بمدونة الأسرة دون قانون الأحوال الشخصية العبري، مع أن المرأة المغربية اليهودية والمرأة المغربية المسلمة كلاهما تحملان نفس الجنسية المغربية، أليس من الأولى عدم التمييز بينهما على أساس الدين كما تنص على ذلك المواثيق الدولية التي صادق عليها المغرب، أم أن اليهودية المغربية لا تستحق نفس الاهتمام ؟، أم أن الأمر مجرد تناقض في مبادئ المجلس ؟، وإذا كانت حقوق الإنسان كما هي متعارفا عليها دوليا، تشكل مشتهى المجلس الوطني لحقوق الإنسان، ولذلك يدعو إلى تبني ما جاء فيها، بغثه وسمينه، فهل وجد التزاما بها من طرف واضعيها حتى نحتذي بهم، أم أنه يغمض عينيه أمام المجازر التي ارتكبها المجتمع الدولي في حق نساء وأطفال غزة في خرق سافر لحقوق الإنسان ؟، وإذا كان القانون بن بيئته كما يقال، فكيف سينجح قانون الأسرة الجديد، إذا أخذ باقتراحات المجلس، في البيئة المغربية، حيث العفة والشرف والولاء للملك، الذي ما فتئ يؤكد على أنه بصفته أميرا للمؤمنين، لا يمكنه أن يحل حراما أو يحلل حراما ؟. إن المغاربة رغم ما يعانونه من البطالة والفقر متمسكون بمغربيتهم، ملتفون حول ملكهم في إطار راسخ من البيعة الصادقة، وهذا هو السر في استقرار المملكة المغربية، ولذلك ما نظنهم يتقبلون فكرة أن يكونوا نسخة منسوخة من الأسرة الغربية، حيث الانحلال الأخلاقي في أبهى صوره، فهم في حاجة إلى المساواة في ثروات البلاد، المساواة في الشغل، الحق في الصحة، الحق في التعليم، الحق في العدالة، الحق في الأمن،.. إلخ، وليس الحق في الجنس على الهواء مباشرة.