المملكة تطمح إلى لعب أدوار أكبر من مجرد "دركي حدود" وأوروبا تماطل... يقود المغرب حربا شرسة لا هوادة فيها ضد الهجرة السرية نحو القارة العجوز، تمثل ذلك في إعلان الجيش المغربي، في بيان أصدره مطلع الشهر الجاري، عن توقيف 87 ألف مهاجر غير شرعي خلال عام 2023، ينحدر أغلبهم من إفريقيا جنوب الصحراء. وكانت السلطات المغربية قد كشفت أنه إلى حدود شهر يوليوز الماضي، وعلى مدى الخمس سنوات الماضية، عن تمكنها من إفشال 366 ألف محاولة للهجرة غير النظامية باتجاه الجارة الإيبيرية، ضمنها إحباطها لما يزيد عن 100 محاولة لاقتحام مدينتي سبتة ومليلية خلال نفس الفترة، تورط فيها ما يربو عن 18 ألف شخص. واستأثر ملف الهجرة على الدوام بانشغالات الرباط والعواصم الأوروبية على السواء، نظرا لتركته الثقيلة وأبعاده المتعددة والشائكة، وأيضا لتكاليفه الأمنية والاقتصادية الباهظة، حيث تعمل المملكة على دفع شركائها الأوروبيين لوضع تصورات أكثر شمولية ونجاعة لمواجهة هذا الوضع، والخروج من جبة الدور التقليدي الذي تلعبه ك"دركي للحدود الأوروبية" إلى مساعدتها على القضاء على العوامل السوسيو اقتصادية والاجتماعية التي تدفع آلاف الأفارقة للتفكير في التضحية بأرواحهم بحثا عن "الإلدورادو" الأوروبي المفقود، وهو ما تأتى فعلا بعد مضي سبع سنوات من المفاوضات الماراثونية الشاقة، بين المغرب والاتحاد الأوروبي، أفضت إلى ابرام اتفاق بينهما يقضي بوضع ميثاق جديد حول الهجرة. ورغم التقدم الهام المنجز في هذا الإطار، ينبغي الإشارة إلى أنه ما زال الطريق صعبا وطويلا لتفعيل هذا الاتفاق، وذلك وفق ما صرحت به "كاميل لو كوز"، المديرة المساعدة لمعهد سياسة الهجرة في أوروبا، التي أوضحت في مقابلة تلفزية مع قناة DW الألمانية أن الاتفاق المذكور هو " اتفاق سياسي سيحشد الاتحاد الأوروبي بموجبه ميزانيات وموظفين بهدف إنشاء بنية تحتية حتى يصبح اتفاق الهجرة أمرا حقيقيا في غضون سنوات قليلة"، وهو ما نحن "بعيدون جدا عن تنفيذه". في هذا السياق العام، تأتي للزيارات المتكررة التي قام بها هانز ليتينز، الرئيس التنفيذي للوكالة الأوروبية لحرس الحدود والسواحل، المعروفة اختصارا ب"فرونتكس"، إلى الرباط، الهدف منها تعزيز الحوار والتعاون مع السلطات المغربية المنوط بها ضبط وإدارة الحدود. وازدادت في السنوات الأخيرة محاولات المهاجرين عبور الأطلسي نحو جزر الكناري، خصوصا بعد قيام السلطات المغربية بتشديد الخناق عبر البحر الأبيض المتوسط، حيث تزداد محاولات المهاجرين الحالمين بالعبور نحو "الحلم الأوروبي". وهكذا، فقد تمكنت وحدة تابعة للبحرية الملكية المغربية، يوم الأربعاء 17 يناير الفارط، من إحباط محاولة للهجرة غير الشرعية عبر قاربين مطاطين على بعد 55 كلم شمال ميناء طانطان، حيث أشار بيان صادر عن القوات البحرية الملكية إلى أن القاربين كانا يعتزمان التوجه إلى جزر الكنارى، وعلى متنه 53 مرشحا للهجرة غير النظامية، من بينهم 47 ينحدرون من إفريقيا جنوب الصحراء و6 مغاربة. ويعد ملف الهجرة من الملفات الثقيلة التي تحملها حقائب المسؤولين المغاربة وشركائهم الأوروبيين، ففي آخر زيارة له خلال الأسبوع الماضي، اتفق وزير الداخلية الإسباني "فيرناندو غراندي" مع نظيره المغربي، عبد الوافي لفتيت، على تعزيز التعاون الأمني بين البلدين، وذلك من خلال تبادل المعلومات والخبرة، بهدف استباق أفضل للتهديدات الناجمة عن الإرهاب والأنشطة الإجرامية وشبكات التهريب العابرة للحدود، وخاصة تهريب المهاجرين والاتجار بالبشر. وخلال لقاء نظم من طرف "نويفا إيكونوميكا فوروم"، أعاد وزير الخارجية الإسباني، " خوسيه مانويل ألباريس"، التأكيد في هذا الإطار، أن المغرب لطالما شكل بالنسبة لجميع وزراء الخارجية السابقين ورؤساء الحكومات الإسبانية، أولى أولويات السياسة الخارجية الإسبانية، مشيدا ب"التعاون النموذجي" القائم بين البلدين في مجال محاربة الهجرة غير النظامية، وشبكات الاتجار بالبشر والمجموعات الإرهابية. وبالنظر إلى العدد القياسي من المهاجرين ممن لقوا حتفهم في عرض المحيط الأطلسي، فقد كان العام المنصرم مأساويا للغاية، وذلك حسب تأكيدات منظمة "كاميناندو فرونتيراس" الإسبانية غير الحكومية، والتي قالت إن 6618 مهاجرا قضوا خلال رحلة الوصول من المغرب إلى جزر الكناري، مضاعفا العدد المسجل خلال السنة التي سبقته.