رئيس الحكومة يستعرض معطيات مقلقة عن التعليم العالي ببلادنا ويؤكد إرادة رفع التحدي عبر رئيس الحكومة عن قناعة أولى تتمثل في ضرورة إرساء نموذج جامعي جديد يكرس الدور المحوري الذي يجب أن تضطلع به الجامعة المغربية كمنارة للعلم والمعرفة ورافعة للقيم المجتمعية، بالإضافة إلى دورها في إعداد كفاءات الغد.
كما أعلن عن قناعة موالية تتجسد في كون الجامعة ليست فقط فضاء لإعداد خريجين من أجل سوق الشغل، إنما الفضاء الأساسي لإنتاج المعرفة وتطوير مهارات الشباب.
لكن هاتين القناعتين وحسب العرض الذي قدمه يوم الاثنين الماضي بمجلس النواب في إطار أشغال الجلسة الشهرية لمناقشة موضوع "استراتيجية تجويد منظومة التعليم العالي والبحث العلمي" تصطدمان بمعيقات متعددة وأرقام مثيرة للصدمة تكشف حجم الأعطاب التي لا تسعف الجامعة المغربية من تحقيق الإقلاع المنشود.
49 في المائة نسبة الهدر الجامعي
في هذا السياق أكد السيد عزيز أخنوش أن نسبة الهدر الجامعي بدون الحصول على دبلوم في الفترة الماضية بلغت ما يقارب 49 في المائة، فضلا عن ارتفاع نسبة البطالة في صفوف خريجي الجامعة بنسبة 18,7 في المائة في نظام الاستقطاب المفتوح و8,5 بالمائة في الاستقطاب المغلق المحدود.
أما نسبة التأطير البيداغوجي فهي دون المؤشرات المتعارف عليها عالميا، بمعدل أستاذ واحد لحوالي 120 طالب في كليات الاستقطاب المفتوح؛ إضافة إلى تدني فاعلية الكليات متعددة التخصصات ما دفع بالمجلس الأعلى للتربية والتكوين للمطالبة ضرورة مراجعته.
ويظل التحدي الكبير هو إحالة 2200 من أجود أطر التدريس في أفق 2026 على التقاعد، وعدم تناغم المنظومة الجامعية مع أولويات التنمية على المستويين الجهوي والوطني، بالإضافة إلى تدني جودة البحث العلمي، سواء من حيث ضعف الميزانية المخصصة له (1,6 بالمائة من الميزانية العامة خلال سنتي 2021 و2022) أو من حيث عدد الباحثين الذي لا يتجاوز 1708 باحث لكل مليون نسمة مقابل 2916 باحث لكل مليون نسمة بالبرازيل كمثال ورد على لسان رئيس الحكومة.
ومن منطلق القناعتين التين سبقت الإشارة إليهما، وكذا الإكراهات التي تضع الجامعة أمام مواجهة اختلالات عويصة، أكد رئيس الحكومة الوعي بضرورة جعل الجامعة المغربية في قلب الدينامية التنموية ببلادنا، ورفع كل التحديات التي تطرحها منظومة البحث العلمي والتكوين، وما يستلزمه ذلك من إعادة النظر في مختلف الجوانب التنظيمية والتأطيرية والبشرية المرتبطة بها.
3 آلاف توصية منبثقة عن المناظرات الجهوية
وذكر أن الحكومة بادرت إلى اعتماد مقاربة تشاورية، تم في إطارها تنظيم 13 مناظرة جهوية تستشرف البناء المشترك لهذا الإصلاح، وجعلها محطة أساسية لتبادل وجهات النظر وتقاسم الآراء لرصد تطلعات الفاعلين على المستوى الجهوي، مسجلا ان هذه المحطات تجاوبا كبيرا من لدن الفاعلين، حيث شهدت تعبئة ما يفوق 35 ألف مشارك منهم 1350 فاعلا من الجماعات الترابية، و580 فاعلا اقتصاديا، و650 فاعلا من المجتمع المدني وأكثر من 400 مشارك من الكفاءات المغربية بالخارج. كما تمخض عن هذه المناظرات أزيد من 3000 توصية من خلال المنصات الإلكترونية المخصصة للقاءات التشاورية، وإبرام 127 اتفاقية شراكة بين الفاعلين على الصعيد الجهوي، تتعلق بالمجالات ذات الأولوية مثل السكن الجامعي، والمنح المخصصة للحركية الوطنية وكذا مسالك التكوين التي تستجيب لحاجيات القطاعات الإنتاجية. وتابع رئيس الحكومة بقوله إن الحكومة نجحت في صياغة تصور جديد للقطاع، ينبني على أربعة مخططات مديرية ستشكل في مجملها أسسا مرجعية لقيادة تحول المنظومة في أفق 2030، وترتكز حسب التفاصيل التي استعرضها امام أعضاء مجلس النواب على المخطط المديري للتعليم العالي ويشمل إعادة النظر في أولويات التكوين وفي الهندسة الجامعية لمؤسسات التعليم العالي الخاص والعام وكذا المؤسسات الأجنبية، وكذا المخطط المديري للبحث العلمي الذي يهدف إلى إعادة تحديد أولويات عروض البحث العلمي وتعزيز مختبرات البحث، مع إعادة النظر في نظام براءات الاختراع العلمي. ثم المخطط المديري للابتكار ويعمل على تجديد مواضيع الابتكار مع وضع هندسة جديدة للفاعلين المعنيين، لاسيما من خلال تعزيز دور الحاضنات ومراكز التحول التكنولوجي، وتحديث منظومة براءات الاختراع. وأخيرا المخطط المديري للتحول الرقمي ويستهدف مراجعة وتجويد المسارات الجامعية، لكل من الطالب والأستاذ الباحث وكافة الأطر الإدارية والتقنية، ناهيك عن تحفيز مسار المشاريع الناشئة والمستثمرين وباقي الشركاء. كما يسعى النموذج البيداغوجي الجامعي الجديد، إلى الارتقاء بنظام LMD المتعلق بالإجازة والماستر والدكتوراه من خلال تعزيز مسارات التعلم بمهارات ذاتية وكفاءات أفقية لتعزيز الارتباط بالهوية المغربية وتقوية الرابط الاجتماعي، وإدماج إشهادات في المهارات اللغوية والرقمية، وتطوير إمكانيات التدريس بالتناوب بين الجامعة والمحيط الاقتصادي والاجتماعي، والعمل على تخريج جيل جديد من طلبة الدكتوراه بمعايير دولية.
الفرصة الأولى والثانية والثالثة...
وأكد على أن الإصلاح سيمكن الطلبة في نهاية مسارهم الجامعي من كل الفرص وأهم القدرات، التي ستجعلهم ناجحين في حياتهم المهنية والاجتماعية، وذلك من خلال جسور محدثة ستضع أمام الطلبة فرصة أولى وثانية وثالثة وأكثر، من أجل عدم مغادرة الجامعة حتى تمكنهم من اكتساب ما يكفي من الكفايات والمهارات لتحقيق ذاتهم، والقدرة على الاندماج في المحيط الاقتصادي والاجتماعي. وقال إنه بموجب هذا النموذج المبتكر، سيتم الارتكاز على بحث علمي يروم تحقيق التفوق الأكاديمي، حيث يرتقب تعبئة حوالي 600 مليون درهم لإطلاق البرنامج الوطني لطلب عروض مشاريع بحثية تنصبّ أساسا حول قضايا السيادة الوطنية وتفتح آفاقا وفرصا للطلبة الدكاترة، ورصد 1300 منحة للتنقل لفائدة طلبة سلك الدكتوراه، خاصة على المستوى الدولي والبين -جامعية وبين الجامعة والمقاولات، وتعزيز التمويل في إطار البرامج الدولية للبحث العلمي، واحتضان حوالي 60 مشروعا في إطار البرنامج الوطني للإنعاش والابتكار إلى غاية سنة 2023، لتصل في مجموعها إلى 100 مشروع محتضن، ثم إيداع حوالي 40 براءة اختراع إضافية من قبل الجامعات بنهاية 2023، ليصل عددها الإجمالي إلى 200 براءة، وختاما إحداث وحدتين جديدتين من مدن الابتكار عند نهاية 2023. وأفاد على مستوى آخر أنه تكريسا للدور التنموي للجامعة من أجل مواكبة حاجيات الاستراتيجيات القطاعية من حيث الرأسمال البشري، فإن الحكومة تراهن على كليات التعليم العالي في مهن الطب، للرفع من أعداد الأطر الصحية في أفق سنة 2030 ليصل إلى ثلاثة أضعاف العدد الحالي. فضلا عن تعزيز جاذبية التكوين المهني ليتماشى مع حاجيات المقاولات من الموارد البشرية المؤهلة والاستجابة لحاجيات سوق الشغل.
رد الاعتبار للأستاذ الباحث
ولم يفت رئيس الحكومة بهذه المناسبة التطرق إلى التوقيع على اتفاق اجتماعي مع النقابة الوطنية للتعليم العالي، في إطار تعزيز الحوار الاجتماعي بتاريخ 20 أكتوبر 2022، يهدف بشكل رئيسي إلى رد الاعتبار لمهنة الأستاذ الباحث وتعزيز جاذبيتها، مع الانفتاح على الكفاءات المغربية بالخارج، فضلا عن وضع نظام أساسي جديد خاص بهيئة الأساتذة الباحثين يكرس الاستحقاق والكفاءة، مع الشروع في تحسين الوضعية المادية لهيئة الأساتذة الباحثين بالتعليم العالي وبمؤسسات تكوين الأطر العليا، ومراجعة نظام التعويضات المخول لها. وكشف بعد ذلك ان المجهودات المبذولة في مؤسسات التعليم العالي مكنت الحكومة من بلوغ حصيلة مشرفة خلال السنة الأولى، إضافة إلى الرفع التدريجي لميزانية القطاع لتصل سنة 2023 إلى ما يناهز 15 مليار و215 مليون درهم، بارتفاع قدره 8 بالمائة مقارنة بميزانية سنة 2022، والزيادة في عدد المناصب المالية المخصصة للقطاع بإحداث 2349 منصب مالي جديد.