جمعيات حقوقية ترفض الاستعانة بمقدم خدمات خارجي لمعالجة ملفات طالب التأشيرة لتشكيله خطرا على سلامة البيانات الشخصية وتدعو لتعبئة دولية تنديدا بهذه السياسة قالت مجموعة من الجمعيات الحقوقية الوطنية، إن القرار المتعلق بتقليص 50 % من عدد تأشيرات شنغن على حساب المغاربة، الذي اتخذته الحكومة الفرنسية منذ شتنبر 2021، لم يتم تغييره قيد أنملة، مؤكدة في بيان مشترك اطلعت "العلم" عليه، أن هذا القرار، يتنافى مع تصريح وزيرة أوروبا والشؤون الخارجية السيدة كاترين كولونا، للصحافة المغربية يوم 15 دجنبر 2022 بمناسبة زيارتها للمغرب، الذي قالت فيه: "يسرني استئناف التعاون القنصلي الكامل بين بلدينا الذي سيتيح النهوض بمستوى التبادل الإنساني بين بلدينا ليبلور التداخل المتجذر بين مجتمعينا وتمثل هذه المبادلات في الحاضر كما في المستقبل قاعدة للعلاقة الثنائية والمحرك الأساسي لتوثيق تلك العلاقة باستمرار". وأوضحت الجمعيات في البيان ذاته، أن انخراط الدولة الفرنسية في نوع من أنواع المساومة غير المقبولة لا أخلاقيا ولا إنسانيا، بحجة أن الدولة المغربية لا تقوم بما يكفي فيما يتعلق بالعودة الطوعية لمواطنيها ولمواطني عدة دول عبروا أراضيها، يرمي إلى ثني السلطات المغربية عن مواجهة محاولات الابتزاز الرامية إلى تنزيل اتفاقيات إعادة القبول ACR التي اعتمدها الاتحاد الأوروبي. كما انتقدت الجهات الموقعة، تصريح المتحدث باسم الحكومة الفرنسية، غابريال أتال يوم 30 شتنبر 2021، الذي شدد فيه على "أنه قرار صارم، قرار غير مسبوق، لكنه قرار أصبح ضروريا بسبب أن هذه الدول حقيقة ترفض استعادة رعاياها الذين لا نريد ولا يمكن لنا إبقاءهم في فرنسا"، مشيرة إلى أن قسوة التصريح تدل على أنه إجراء انتقامي ورجعي يمكن وصفه ب"العقوبة غير المقبولة" يحمل في طياته انتهاك حق أساسي، وهو حرية تنقل الأشخاص. ونبه البيان نفسه، إلى أن الدعم الذي أعلنه الاتحاد الأوروبي، ودول الأعضاء، للمدافعين ونشطاء حقوق الانسان غير متناغم مع سياسات منح التأشيرة التي يطبقها الاتحاد حاليا، بسبب أن المدافعين عن حقوق الإنسان يعانون هم أيضا من هذا الوضع الذي يعيق تنقلهم الدولي لصالح القضايا الإنسانية والكونية المشتركة، مضيفا أن الفنانين المغاربة يطالهم أيضا هذا الإجراء، رغم أن وزيرة أوروبا والشؤون الخارجية قالت يوم 05 أكتوبر 2022 بمجلس الشيوخ الفرنسي، ردا على سؤال حول تقييد إصدار التأشيرات إلى مواطني الدول المغاربية، إن "الإجراءات التقييدية يتم تطبيقها مع الحرص على إعطاء الأولوية للطلبة ورجال الأعمال والفنانين...". أمر آخر بالغ الأهمية ويهدد سلامة البيانات الشخصية لطالبي التأشيرة من المغاربة، نبهت إليه الجمعيات الحقوقية في بيانها، وهو الاستعانة بمقدم خدمات خارجي لمعالجة ملفات طالب التأشيرة، الذي لا يضمن بشكل كامل وموثوق حماية وأمن البيانات الشخصية وخاصة البيانات الحيوية (البيوميترية). وقال البيان في هذه الصدد، إن "اللجنة الوطنية لمراقبة حماية المعطيات ذات الطابع الشخصي، استدعت يوم 6 يناير 2022 شركة TLS Contact (المتعهدة بجمع طلبات التأشيرة نيابة عن التمثيليات الدبلوماسية الأوروبية المعتمدة في المغرب)، وأكدت هذه الأخيرة، بأنه كل خمس دقائق يتم إرسال منتظم للصور المستخرجة من كاميرات المراقبة إلى مؤسستين حكوميتين مقرهما في الخارج". وأبرز البيان عينه، أن هذه الإجراءات تنتهك في العمق أحكام القانون 08-09 وتطرح تساؤلات جدية، حول مستوى الموثوقية والأمان لهذه العملية، وأيضا الضمانات المحيطة بحماية البيانات الشخصية الخاصة بطالبي التأشيرات، خصوصا أن منصة TLS Contact لا تكلف نفسها عناء القيام بأي تواصل كيفما كان نوعه، حول مسطرة إجراءات الشكاية مع المكلف بحماية المعطيات أو مع أي من القائمين على السلامة والمراقبة. وأضح البيان أن الاتحاد الأوروبي بإمكانه اتخاذ موقف لمواجهة هذه المأساة، نظرا لأن الأمر يتعلق بتأشيرة شنغن، والتي تسمح لحاملها بالدخول إلى كامل أراضي الدول الأوروبية الموقعة على اتفاقية شنغن، والسماح للدول الأخرى الأعضاء لمنح تأشيرات تعطي الحق أيضا في الدخول إلى الأراضي الفرنسية. وفي هذا السياق، اعتبرت الجمعيات الموقعة على هذا البيان، وهي معهد بروميثيوس للديمقراطية وحقوق الإنسان والمنتدى المغربي للصحافيين الشباب والعصبة المغربية للدفاع عن حقوق الإنسان وحركة بوصلة للمبادرات المواطنة وجمعية عدالة من أجل الحق في محاكمة عادلة والوسيط من أجل الديمقراطية وحقوق الإنسان وجمعية الشباب لأجل الشباب وشابات من أجل الديمقراطية ومنتدى الحداثة والديمقراطية إضافة إلى الهيئة الوطنية للشباب والديمقراطية التي تضم في عضويتها 16 شبيبة حزبية، أن نتائج قرار تقليص التأشيرات مخيبة للآمال للاعتبارات التالية:
- اللجوء إلى شركة مناولة لتجميع طلبات التأشيرات نيابة عن الإدارة الفرنسية. هذه الشركة الوسيطة لا تتقاضى أي مقابل من الدولة الفرنسية، بل من طرف طالبي التأشيرات أنفسهم. إن الاستعانة بمقدمي خدمات في هذا الإطار، يريح الإدارة الفرنسية، ويجعل من طالبي التأشيرة يتحملون كل تجاوز وقصور منها. - تضخم وتعقد الإجراءات، وتعدد الفئات والفئات الفرعية المنظمة وكل ذلك وغيره... يثقل عبأ مسطرة إجراءات طلب التأشيرة، ويجعلها قديمة ومبهمة وقابلة للاحتيال والتلاعب من أعوان شركة المناولة أثناء معالجة وفحص الطلبات. - يتم دفع ثمن الرسوم الإدارية عند تقديم كل طلب، سواء تم الحصول على التأشيرة أو لم يتم الحصول عليها، بدل أن يكون الدفع في حالة الحصول عليها فقط. فطالب التأشيرة مجبر على أن يتحمل التكاليف، ولا يتم تعويضه في حالة الرفض، بل ويتم فرض مصاريف مضاعفة عليه بدون موجب حق، وتحت ذريعة أن هذه التكاليف يتم استخدامها لدراسة ملفات الطلبات، بينما مقدمي خدمة طلبات التأشيرات، يتقاضون ثمن رسوم معالجة الملفات. - مواعيد دراسة الملفات متفاوتة للغاية ومتغيرة. - فتكلفة التأشيرة المرتبطة بالتكاليف الملحقة بها (رسوم الشركة المكلفة بدراسة طلبات التأشيرات، رسوم طلب الموعد، تكاليف حجز الفندق، تكاليف حجز التذاكر، تكاليف التأمين...الخ) كل هذه التكاليف وغيرها تبقى باهظة ومبالغ فيها. - آجال الحصول على موعد التأشيرة لا تنتهي، وتفتح الباب واسعا للسماسرة الذين يعملون على حجز مواعيد، قبل توفيرها للمرتفقين مقابل مبالغ مالية كبيرة. - معايير الرفض غير مبررة بشكل كاف، فقانون الاتحاد الأوروبي ينص على وضع علامة على الخانات في الاستمارة الموحدة لتعليل رفض منح التأشيرة، مع تحديد الحالات التي يمكن فيها تبرير هذا الرفض. ومع ذلك فإن هذا التحديد لم يمنع خدمات القنصلية من أن تأتي بمبررات واهية غير موجودة في القانون لتملأ بها خانات رفض منح التأشيرة. وهذا ما حصل فعلا في حالات تخص طلبة ومستخدمين مؤهلين، والمسافرين من رجال أعمال مستوفين لجميع شروط منح التأشيرة ولكنهم قوبلوا بالرفض. - بعض حالات الرفض لا تذكر طرق وآجال الحق في الطعن، على الرغم من أنها جزء لا يتجزأ من المقتضيات الأساسية لقانون التأشيرات للاتحاد الأوروبي. - عمليات الفحص والتدقيق المتكررة والمهينة التي ألفها بعض طالبي التأشيرات، تمثل إذلالا إضافيا للجميع. وعبرت الجمعيات في بيانها، عن إدانتها واحتجاجها بشدة على هذه الأجواء من الانحدار والنكوص إلى الوراء، الذي يعيد إرساء تدابير القمع العنصري ضد المهاجرين وبلدانهم الأصلية في شأن العودة الطوعية، ورفضها بشدة كل أشكال التضييق والممارسات المتسلطة، وكذلك الإجراءات التأديبية والعقابية في مقابل العودة القسرية. ختاما، وردا منها على هذا القرار الانتقامي، أعلنت الجمعيات المذكورة وقوفها ضد هذا الوضع المذل والمهين للمواطنات والمواطنين المغاربة الذين يتقدمون بطلب الحصول على تأشيرات لدى السلطات الفرنسية، مطالبة السلطات الفرنسية والدول الأوروبية بإعادة النظر في هذه الإجراءات المخزية، وداعية في الوقت نفسه، كل القوى الديمقراطية المناضلة في مجال حقوق الإنسان في المغرب، وفي فرنسا وأوروبا، وفي جميع أنحاء العالم للتحرك والتعبئة للتنديد وفضح هذه السياسة.